نقلا عن :الحياة 14/04/07 لم يسبق للبنانيين ان أحيوا ذكرى الحرب الأهلية التي اندلعت في 13 نيسان (ابريل) عام 1975، بنشاطات بالاتساع الذي شهده هذا العام، وبمشاركة هذا العدد من المنظمات الأهلية. ولم يسبق أن أعطت وسائل الإعلام المتلفزة هذا القدر من المساحة في برامجها، وكذلك الصحف، للذكرى. شعر اللبنانيون نتيجة احداث الأشهر الماضية بأن شبح الحرب يخيم فوق رؤوسهم هذه المرة أكثر من السنوات الست عشرة الماضية، التي اقتنعوا خلالها بأن ظروف عودة الحرب ولّت نتيجة تضافر العديد من العوامل، بدءاً بمعايشتهم مآسيها وتراكمات نتائجها عليهم وعلى معيشتهم اليومية وعلى تطلعاتهم. وهم لمسوا في شكل لا يدعو الى الشك كم ان الحرب أكلت من سني تقدمهم ومن تاريخ بلدهم ومستقبله. وساعدهم على الاقتناع بأن الحرب ولّت ان الظروف الإقليمية تغيرت وكذلك الدولية كما أقنعهم التوصل الى اتفاق الطائف بأنه أرسى قواعد للسلطة السياسية فألغى، أو جمّد على الأقل، الأسباب الداخلية للحرب ولزّمت القوى الدولية سورية إدارة الوضع اللبناني في شكل يحول دون تجدد هذه الحرب وأنتج ميزان القوى الجديد بعد تسليم الميليشيات أي «القوات اللبنانية» الحزب التقدمي الاشتراكي وحركة «امل» أسلحة الحرب إلى الدولة واستيعاب عناصرها في القوى الأمنية معادلة تدوير زوايا الخلافات الداخلية والطائفية لمصلحة توجيه الأنظار إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للجنوب خصوصاً ان التسليم بعروبة لبنان وبالعداء لإسرائيل حسم الخلاف على الهوية. وفضل اللبنانيون بسبب الاحتلال الإسرائيلي «تعايشاً» مع التأثيرات السلبية للوجود السوري في المعادلة اللبنانية الداخلية في انتظار انتهاء الاحتلال، وتوافقوا على تجديد للتسوية بينهم يقوم على انتظار اختبارها في شكل جدي بتطبيق كامل للطائف عند زوال أسباب تجميده ومنع تنفيذه. وهذا ما أبقى شبح الحرب بعيداً نسبياً. وساهم في إبعاده ان مشروع الرئيس رفيق الحريري نقل اللبنانيين إلى تحدي محاولة تأسيس مرتكز اقتصادي وإنمائي للتطلع إلى المستقبل لعله يوحدهم من اجل الحفاظ على مكتسبات يستطيعون تحقيقها ويغنيهم ولو موقتاً عن وحدتهم السياسية التي حال دونها عدم استكمال تطبيق الطائف. قاوم الحريري محاولات منعه من شراء الوقت بالاقتصاد الى ان اكتشف ان تثبيت السلم الأهلي بالطائف بات ملحاً فالاقتصاد اصبح يحتاج الى تسوية سياسية. اغتيل وهو يتلمس الطريق الى ذلك ومثّل اغتياله نقطة تحول دون تجديد التسوية بين اللبنانيين لأن تجديدها يغنيهم عن الاحتكام في كل شاردة وواردة الى الخارج... ولا حاجة الى تكرار شريط الأحداث منذ 14 شباط (فبراير) 2005 حتى اليوم. لا بد من ان نلاحظ ان طفرة النقاش حول مخاطر الحرب الأهلية وآفاتها على شاشات التلفزة وصفحات الجرائد لها فوائدها في كل الأحوال لأنها «تكثّف» لدى المواطن العادي ذلك النفور من إمكان تجددها فيساهم وعيه ولاوعيه في تجنبها. إلا انه لا بد من بضع ملاحظات: - ان بعض الحملات ضد هذه الحرب يهدف الى نكء الجراح أكثر مما يهدف الى منعها، ويقفز فوق التسوية التي أوقفتها كأنه يتقصد تجاهلها. - ان بعض حملات «التوعية» ضد تجدد الحرب يجهّل اسباب الخوف الراهن من هذا التجدد فيجعل الجميع مسؤولين عن عودة شبحها، أو ينتهي الى ان ليس هناك من مسؤول ابداً. وفي هذا خبث يزيد من الخوف بدلاً من ان يبدده. - هل من الصدفة ان يحذر الرئيس اميل لحود، اللبنانيين للمرة المئة ربما، من ان إقرار المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين باغتيال الحريري ورفاقه وسائر الجرائم المرتبطة بها، في مجلس الأمن، سيقود الى الحرب الأهلية؟ ألم يقترن التحذير من العنف الأهلي، للمرة الأولى بالتمديد له في ايلول (سبتمبر) عام 2004، إذا قاوم الحريري التمديد؟ إذا كان اغتيال الحريري محاولة للتأثير في ميزان القوى من طريق القتل والعنف البغيض، فماذا تكون الحرب الأهلية غير محاولة التغيير في موازين القوى من طريق القتل والعنف الجماعيين؟ على رغم الانتقادات الكثيرة للخطاب الأخير للأمين العام ل «حزب الله» السيد حسن نصر الله فإنه طمأن كثيرين الى انه يفضل الانتظار سنتين حتى الانتخابات النيابية طالما انه يرفض خيار الحرب الأهلية بسبب تعذر التسوية السياسية. وبعد سنتين هو واثق من الانتصار من دون تسوية. والواقع ان تعليق التسوية هو الذي ينفخ في المخاوف من بديلها، ومن انزلاق اطراف قد لا تريدها الى تلك الحرب.