لطالما اتخذ الكثير من العرب أنظمة وشعوباً موقفاً معادياً واضحاً ضد الولاياتالمتحدة بسبب ازدواجية معاييرها وانحيازها الصارخ، واصطفافها مع عدو العرب الإقليمي إسرائيل وتقديم الدعم السياسي والمالي والتقني، وفي هذا تتنافس مؤسسات النظام السياسي الأميركي الرسمية من البيت الأبيض والكونغرس وغير الرسمية كالإعلام واللوبيات ومراكز الدراسات. وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي الأميركية المتكررة في كثير من الدول العربية عاماً بعد عام بقياس الرأي العام العربي الذي لم يتغير كثيراً، ودائماً ما كان السبب الرئيسي لهذه الكراهية العربية هو الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل واحتلالها وقمعها وحروبها ضد الفلسطينيين والعرب. وكم مرة وفي كم دولة عربية تم إحراق العلم الأميركي والإسرائيلي؟ فهل يتكرر هذا مع العلمين الروسي والصيني ورفع علم الثوار السوريين؟ تحول الشعب السوري إلى رهينة في لعبة الأمم وتوازن القوى الدولية والإقليمية، بدءاً من روسيا الخارجة من بياتها القطبي، والساعية لاستثمار ملفات التحدي كالشأن السوري في لعبة منازلة مع الغرب. والصين التي لا تزال مترددة بلعب أوراقها الاقتصادية والتجارية كمصنع ومورد للعالم وتوظيفه لتتحول الصين للاعب ذات وزن وثقل على الساحة الدولية. وكأن الفيتو المزدوج الروسي - الصيني منح رخصة قتل مفتوحة للنظام السوري ليزيد من حملته العسكرية على مدن رئيسية وخاصة حمص ودرعا والزبداني وإدلب وغيرها من المدن السورية. واليوم مر الأسبوع الأول من "الفيتو" الصادر عن صديقيّ العرب التقليديين روسيا والصين ضد قرار يدين العنف المفرط من النظام السوري وحتى يساوي بين الجلاد والضحية. وبالرغم من عدم اللجوء لما ذهبوا إليه في ليبيا بحماية الشعب السوري"واستخدام جميع الوسائل المتاحة لتطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة" في الشأن السوري، وبالرغم من عدم استخدام روسيا والصين "الفيتو" ضد القذافي، فإن الروس والصينيين استخدموا "الفيتو" كصفعة للسوريين والعرب و13 دولة من الدول ال15 الأعضاء في مجلس الأمن. وبالتالي انتقلت روسيا والصين لتصبحا العدوين الجديدين للعرب خاصة مع ارتفاع متوسط القتلى في حرب الإبادة التي تشنها قوات الأمن والجيش السوري ضد شعبهم من متوسط 40 قتيلاً يومياً إلى أكثر من 100 بزيادة 250 في المئة وتفسير واستقبال وزير الخارجية الروسي لافروف استقبال الأبطال المخلصين وخروج مظاهرة مليونية ترحب بوزير الخارجية الروسي- واللافت لا وجود للسيارات المفخخة ولا للجماعات المسلحة، ولا للإرهابيين لتقتل وتروع مليونية الترحيب بحليف النظام السوري! أي استطلاع رأي للسوريين وللعرب سيؤكد من هو العدو الجديد للعرب اليوم! وللتدليل على المزاج العربي الناقد للفيتو الروسي- الصيني يكفي أن نقرأ وبتمعن الكلمة التي وجهها خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في افتتاح مهرجان الجنادرية في الرياض، حيث كان أول زعيم عربي ينتقد "الفيتو" الروسي- الصيني عندما وصف ما جرى في الأممالمتحدة (الفيتو الروسي-الصيني) بأنها "بادرة غير محمودة أبداً" .."وثقة العالم كله بالأممالمتحدة اهتزت." مطالباً بالصبر قائلاً: "ونصبر حتى الله يفرجها"! طبعاً روسيا والصين لديهما ماض حافل بخرق حقوق الإنسان في بلديهما وضد شعبيهما. سجل الصين أيضاً حافل في التبت، ومن ينسى قمع الاحتجاج في ساحة تياننمان؟ أما الروس فمصطلح "ربيع براغ" الذي أشتُق الحراك العربي منه وقمع شعوب القوقاز، وخاصة في الشيشان وحربهم في عام 2008 ضد جورجيا في العهد الجديد يؤكد طبيعة النظام السوفييتي السابق والروسي الجديد في التعامل مع دعاة الحرية والاستقلال! سابقة الحالة الليبية تقنع روسيا والصين بعدم الانصياع للحاجة الملحة بحماية الشعب السوري الذي يؤخذ رهينة من نظامه ومن أعداء السوريين والعرب الجدد- روسيا والصين، غير المكترثتين بحمام الدم السوري ورخصة القتل، وذلك لحماية مصالحهما وحرمان الغرب وأميركا بالتحديد من الانفراد بالشرق الأوسط. مع سقوط نظام الأسد ستُحاصر إيران أكثر وتفقد أهم حليف في المنطقة، مما قد يؤثر على قدرة إيران بلعب أوراقها بعد، وتراجع قدرات حلفاء إيران. وبالتالي يبدأ العد التنازلي لانكفاء إيران التي ستكون في وضع دفاعي أكثر منه هجومياً وتدخلياً لفقدانها سوريا وحماس وتقلص نفوذ "حزب الله"، مما سيحرر أميركا والغرب أكثر تجاه التعامل مع الشأن الإيراني. وبالتالي تتفرغ أميركا أكثر لتصول وتجول بحرية وبلا قيود في مناطق نفوذ روسيا والصين من القوقاز إلى تايوان، خاصة بعد الانسحاب العسكري من العراق وبدء الانسحاب هذا العام من أفغانستان. هل ستحين قريباً لحظة بنغازي السورية التي ستحرك المجتمع الدولي لحماية الشعب السوري؟! مؤلم ومؤسف أن يؤخذ الشعب السوري رهينة للعبة الأمم، ويصبح رهينة بين شقي رحى نظامه ويتم إبادته من شعبه وجيشه في لعبة توازن القوى في لعبة عض الأصابع وتصفية حسابات ودخولنا في حرب باردة جديدة، ولو محدودة بين القوى الكبرى. وتتقدم عليه المصالح الذاتية كقاعدة طرطوس كموطأ قدم لروسيا في البحر المتوسط. ومؤسف أيضاً تسييس مجلس الأمن مجدداً وشل أكبر منظمة دولية بهذه الطريقة اللا- أخلاقية. كما أنه آن الأوان لإعادة النظر حتى في الأممالمتحدة تجاه استخدام "الفيتو" بعد أن عبر أمين عام المنظمة الدولية عن أسفه لوضع وعجز الأممالمتحدة بعد استخدام روسيا والصين. حيث تحول في حالات عديدة "الفيتو" في الحالة الفلسطينية مثلاً وفي الحالة السورية اليوم، الذي وفي حالات واضحة ومؤلمة يحمي "الفيتو" المحتل والظالم والجلاد ويعاقب بل ويُعدم الضحية. نعم لقد اهتزت الثقة بالأممالمتحدة بعد فشلها سياسياً وأخلاقياً في سوريا على حد قول خادم الحرمين. نقلا عن صحيفة الاتحاد