بالنسبة للفنان البريطاني جايسون تايلور، فان الفن يستطيع الحياة تحت الماء، بل يكتسب حياة خاصة به تتطور وتتغير بمرور الوقت، وتكسبه ابعادا جديدة مع تقدم الزمن. الفنان الذي ولد وعاش طفولته في ماليزيا اعتاد على ارتياد السواحل هناك واتخذ الغوص مهنة وهواية، ومن هنا نشأت علاقته مع البحر. الفنان الذي تخصص في الفترة الاخيرة في العمل تحت الماء صمم الكثير من تماثيله وتكويناته الفنية لتعكس رؤية فنية تصادق البيئة وتعمل معها، بل تتخذ منها ملهمة. حين تتحول صالة عرض الفنون الى قاع البحر تنضم المساحات الشاسعة والاضواء المتكسرة والحيوانات البحرية كلها لتخلق عملا مختلفا عما تجده في المتاحف الارضية. «المساحات تحت الماء غير محدودة، هنا يستطيع الفنان ان يجد المكان المثالي لتنفيذ اعماله»، يقول تايلور. «تقلبات» هو اسم عمله الاول تحت الماء، وفيه نرى مجموعة من الاطفال يقفون في دائرة متشابكي الايدي، التماثيل كلها مصنوعة من الاسمنت ومثبتة في ارض البحر. هي اول عمل يلفت النظر لأعمال تايلور الذي شارك بأعماله في العديد من المعارض فوق سطح الارض من قبل وان كانت الانظار اتجهت اليه مع بداية عمله تحت الماء. يجيب تايلور على سؤال عما يريد ان يعبر عنة بعمله «تقلبات» وعن سبب اختياره للاطفال الذين تبدو ملامحهم وكأنهم يتحدرون من اطراف مختلفة من العالم، «اردت ان اعبر عن فكرة التغيير والتحولات في حياة الانسان وايضا فكرة التضامن والوحدة والاستمرار التي تعبر عن الدائرة وتشابك الايدي». يقول تايلور ل«الشرق الاوسط»، «الاطفال هم اكثر الكائنات تأثرا بما يحدث حولهم، ولهذا اخترت ان اشكل تماثيلي على هيئة أطفال من مختلف انحاء العالم. مع مرور الايام نلحظ التغيرات التي تطرأ على هؤلاء الاطفال، تتغير الملامح بفعل تيارات المياه والرمال والطحالب البحرية». ويروي تايلور ان بعض الغواصين قد يزيحون بعض الرمال عن تلك التماثيل، وهو ما يراه ايضا جزءا من التغيير الذي تتعرض له الكائنات البشرية. يعكس العمل ايضا فكرة النمو والتغيير الطبيعي وتأثير الطبيعة والبيئة على الانسان. ويشير تايلور الى عامل مهم في اعماله، وهو الحفاظ على البيئة، فكل تماثيله الموضوعة تحت الماء مصنوعة من مواد غير ضارة بالبيئة البحرية. ولكن تبقى فكرة تنفيذ وتركيب الاعمال تحت سطح الماء صعبة التنفيذ، ولكن تايلور الذي يؤكد غرابة الفكرة وصعوبتها، يقول انه نفذ التماثيل في الاستوديو الخاص به، ثم استعان بعد ذلك بمجموعة من الاشخاص لنقل تلك التماثيل تحت الماء، خاصة بعد ان اصيب بانزلاق غضروفي حينما حاول العمل بمفرده في البداية. وهناك بدأ العمل في اعادة تكوين التماثيل وتثبيتها في القاع حتى لا تحركها التيارات البحرية. ولكن كيف يجد الجمهور الفرصة لرؤية تلك الاعمال؟ يقول تايلور ان تلك التماثيل يمكن رؤيتها من السطح فهي موضوعة على عمق خمسة امتار تحت السطح وهو ما يسمح برؤية معقولة، اما بالنسبة لاؤلئك الذين يفضلون الغوص فيستطيعون المشاهدة عن قرب، بل ولمس التماثيل ايضا وهناك ايضا من يفضلون ركوب القوارب ذات القاع الزجاجي. وبعد نجاح عمله الاول «تقلبات» الذي نفذه تايلور بناء على تكليف من وزارة السياحة في غرانادا، كلف تايلور بمجموعة اخرى من الاعمال التي تعكس قصصا من تاريخ غرانادا. فهناك تمثال «المرأة الشيطان» المستوحى من قصة خيالية للاطفال عن ساحرة شريرة تخطف الاطفال. التمثال الذي اصبح من التماثيل المفضلة لدى السياح مصنوع من الحديد المتشابك لامرأة نصف وجهها غامض الملامح وتزين رأسها قبعة سرعان ما تحولت الى موقع جذب للطحالب البحرية، التي اضافت لمحات من الغموض والقتامة الى ملامح الساحرة. ويكرر تايلور هنا انه تعمد عدم وضع أي مواد كيميائية على الوجه لحمايته من التغيرات، بل على العكس فان تلك التغيرات، على حد قوله «زادت من غموض وجاذبية قصة الساحرة». يشبه تايلور شعور المشاهدين لأعماله بمن يعثر على آثار غارقة تحت الماء فالتماثيل بحكم موقعها وتكوينها تكتسب تلك الصفة الاسطورية التي تبعث بها فكرة الآثار والسفن الغارقة وكنوزها. لا تمثل الطحالب والحيوانات البحرية أي تعد على العمل الفني بالنسبة لتايلور، بل على العكس فهو يراها اضافة حية لعمله «تمثال السحرة وجد من يسكنه فتحت القبعة سكنت سمكة تراها تدور في فضائها الخاص وتركت الاسماك اثار اسنانها ايضا على القفص الحديدي المكون لجسد التمثال، بينما ترعرعت شعبة مرجان تحت كتف تمثال آخر. ويقول تايلور «انا عاكف الان على تدوين التغيرات التي طرأت على تلك الاعمال». من الاعمال اللافتة في كتالوغ الفنان عمل «المراسل التائه»، الذي يصور رجلا جالسا الى مكتب امامه قصاصات صحف ترجع الى السبعينات من القرن الماضي وتقبع على مكتبه آلة طباعة عتيقة الطراز سكنتها سمكة وطحالب. المراسل الحجري يبدو بعيدا عن الواقع في عالمه الخاص، الذي مضى بعيدا ويعكس فكرة التواصل بين الناس. وفي عمل آخر من اعمال الطبيعة الصامتة نرى طاولة عليها ابريق وصحن به بعض الفاكهة، العمل يقدم رؤية جديدة للطبيعة الصامتة فهي تتحول الى طبيعة متغيرة في هذا العمل، لا تبقى الاشياء كما هي، بل تتفاعل مع محيطها المائي تكتسب منه صفات وتتغير معه، وتتحول رؤيتها الى تجربة مختلفة في كل مرة حسب اختلاف درجة الضوء والالوان تحت الماء. ورغم ان اعمال تايلور موضوعة تحت الماء وفي بقعة من الارض قد لا يفد اليها الكثيرون، الا انه سعيد بالاهتمام الذي نالته اعماله عبر الانترنت فموقعه الالكتروني يسجل 5000 زائر يوميا، «هذا بالتأكيد عدد اكثر من ان يحصل عليه الفنان اذا عرض اعماله في أي غاليري في العالم».