تواجه الكثير من الثورات التي أطاحت بأنظمة الحكم المستبدة والفاسدة عبر العالم ثورات مضادة ،قد تقضي عليها وتبدد طموحات الشعوب في الاستقرار بإشاعة الفوضي وإعادة نظام الحكم الديكتاتوري مثلما حدث في ثورات شيلي وايران وإسبانيا وغيرها ،وربما تفشل هذه الحركات المضادة نتيجة إنقاذ الثورة الأم مثل الثورة الفرنسية والبلشفية . وثمة شواهد تشير إلي أن البلاد التى شهدت ثورات الربيع العربي منذ 17ديسمبر 2010 تواجه خطر الثورة المضادة من أنصار الأنظمة البائدة، الذين يتربصون عادة في انتظارفرصة للانقضاض علي الثورة، والعودة مرة أخري الى ادارة مسرح الأحداث بإستغلال الأخطاء الجسيمة التي ترتكبها بعض القوي، التي تريد احتكار الثورة، وتوجيه مسار الدولة . فعلى سبيل المثال : تتعرض ثورة 25يناير المصرية حاليا لنذر الثورة المضادة، من إثارة الفوضي وصناعة الفتنة الطائفية،و أعمال البلطجة، والاعتصامات الفئوية والإضرابات العمالية إلي رواج تجارة السلاح، وغيرها من مخاطر قد تتسبب فى انتكاس الثورة قبل اكتمال نضجها. وتشير أصابع الاتهام عادة إلى قوى خفية تحرك أحداث العنف من وراء الستار بدليل أن التحقيقات التي تباشرها نيابة جنوبالقاهرة الكلية في مصادمات مجلس الوزراء ،قد كشفت عن اعتراف 8 متهمين من المقبوض عليهم بتلقيهم أموالا نظير تنفيذ عمليات حرق المباني العامة فى شارع قصر العينى مثل: مبنى حى بولاق، وهيئة الطرق والكبارى. والأخطر ما نقلته وكالة أنباء الشرق الأوسط عن مصدر مسئول من رصد جهات أمنية سيادية لتحركات واتصالات عناصر داخلية مع جهات أجنبية خارجية لتنفيذ سيناريو مخطط يوم 25 يناير 2012 ،من خلال قيام ثورة أخرى هدفها فقط الدخول فى اشتباكات دامية مع عناصر القوات المسلحة بعد استفزازهم فى أماكن حيوية إلى جانب التجهيز لاشعال الحرائق، وكلها أمور تثير المخاوف من ثورة مضادة تدفع البلاد الي مزيد من الفوضي خاصة أن البلطجة وتجارة السلاح، بلغا حدا غير مسبوق . وتعد الثورة التونسية التي أطلقت الشرارة الأولى للانتفاضات العربية ، نموذجاً حيا لعرقلة شبح "الثورة المضادة"، استكمال مشروع "الانتقال الديمقراطي" ، نتيجة تحريض عناصر غامضة داخليا وخارجيا من المتضررين على اشاعة الفوضى ، لعل من أهمهم بعض بارونات الحكم السابق وحزب التجمع الدستوري المنحل وجماعات سياسية يمينية ويسارية متطرفة، وربما بعض القادة ممن قد تلحقهم متابعات قضائية بتهم ارتكاب جرائم تعذيب أو فقدوا امتيازاتهم السلطوية ونفوذهم بعد الثورة. ولعل المفارقة أن يستغل قادة الثورة المضادة فقر وجهل عدد من أبناء الطبقات الفقيرة و المتوسطة ليكونوا وقود مؤامراتهم ،رغم أن الثورة تسعى الى تحسين أوضاعهم ، ما دفع تونس إلى مظاهر من الفوضى الأمنية والإفلاس الاقتصادي، ولاتزال هناك أجهزة اعلام رسمية وخاصة مملوكة لاتباع الرئيس المخلوع "بن علي"، تقوم بدورها فى إحباط ثورة الشباب التونسي، من خلال شق الصف ، وبث السموم الإعلامية المثيرة . ومن هنا ،جاء ت تصريحات الرئيس التونسى المؤقت منصف المرزوقى ، في كلمة القاها بعد آداء اليمين الدستورية أمام المجلس التأسيسي 13 ديسمبر2011، بأن المجلس التأسيسي مطالب بتحقيق أهداف الثورة التونسية والاستقرار والاسراع في الاصلاحات العاجلة ، مؤكداً أنه لا يمكن أن يقبل قيام ثورة مضادة لثورة 17 ديسمبر المجيدة .كما دعا المرزوقى فى حوار مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية نشرته الأحد 25 ديسمبر التونسيين لإيقاف الاعتصامات لأنه من شأنها إرعاب رأس المال الأجنبى والتونسى ،قائلا " لهذا نقول للتونسيين لا تنتحروا".