فى خطوة مفاجئة حظيت بترحيب معظم دول العالم أطلقت إيران أمس سراح البحارة البريطانيين الخمسة عشر بعد نحو اسبوعين من إحتجازهم إثر قيام البحرية الايرانية باعتقالهم فى مياه الخليج العربى بتهمة الدخول إلى المياة الاقليمية الايرانية بشكل غير شرعى ، وقد أعلن الرئيس الايرانى محمود أحمدى نجاد أن بلاده أصدرت قرارا بالعفو عن البحارة الابريطانيين وتسليمهم الى بلادهم على سبيل الهدية للشعب البريطانى بمناسبة المولد النبوى الشريف وأعياد الفصح . وأشار نجاد فى خطابه أمس إلى أنه تلقى خطابا من الحكومة البريطانية بالتعهد بعدم تكرارهذا الحادث مطالبا فى نفس الوقت رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير بعدم معاقبة هؤلاء البحارة لاعترافهم علنا بانتهاك المياه الاقليمية الايرانية .
وقد رحبت الاوساط الشعبية والرسمية فى بريطانيا بالافراج عن البحارة حيث أعرب بلير عن ترحيبه بالقرار، وفى إشادة نادرة للرئيس الامريكى جورج بوش جاء ترحيبه بهذه الخطوة وكذلك ترحيب وزير الدفاع الامريكى روبرت جيتس .
وفى الوقت نفسه عرض الرئيس الايرانى فتح صفحة جديدة فى العلاقات مع الولاياتالمتحدة إذا عدلت من سلوكها إلا أن الولاياتالمتحدة ربطت هذا بتعليق إيران تخصيب اليورانيوم.
وقد جاء الاعلان الايرانى المفاجىء بعد ساعات من كشف وليد المعلم وزير الخارجية السورى عن أن بلاده قامت بوساطة لتسوية أزمة البحارة البريطانيين المعتقلين فى إيران بعد تلقى إتصال هاتفى من "نايجل شاينوالد" أحد كبار مستشارى رئيس الوزراء البريطانى يطلب التوسط لحل الأزمة.
وقد التقى الرئيس الإيرانى عند إنتهاء مؤتمره الصحفى الذى عقده أمس بجنود البحرية البريطانية الخمسة عشر الذين أعلن العفو عنهم وإطلاق سراحهم وقد شن نجاد فى خطابه حملة عنيفة على مجلس الأمن الدولى متهما إياه بالعجز عن منع إحتلال العراق والجرائم فى فلسطين ، ومشيرا إلى أن القوى الكبرى لا يمكنها حرمان إيران من حق إمتلاك التكنولوجيا النووية بقرارات الأممالمتحدة ومهددا بالرد على العقوبات المفروضة على البنوك الإيرانية .
وكانت وزيرة الخارجية الامريكية كونداليزا رايس قد أشارت أمس فى تصريحات لقناة (فوكس) التلفيزيونية الامريكية أن إحتجاز إيران للبحارة البريطانيين لن يحسن من وضعها فى العالم بل أن طهران ستجد نفسها معزولة .
ومن جانبها كشفت صحيفة الإندبندنت البريطانية عن وجود صفقة أدت الى إنهاء هذه الأزمة وذلك بالاتفاق على تبادل فعلى للرهائن رغم نفى بريطانيا وإيران إنهما تعتزمان القيام بهذا التبادل ، وأشارت الصحيفة أن أول إشارة لحدوث انفراجة فى هذا الأمر تمثلت فى إطلاق سراح جلال شرفى الدبلوماسى الإيرانى الذى تم إختطافه من شوراع بغداد منذ شهرين وتلا ذلك إعلان مسئول بالخارجية العراقية أن حكومة العراق تسعى بشدة إلى إطلاق سراح خمسة إيرانيين اعتقلوا خلال غارة شنتها مروحية امريكية على مكتب إيرانى فى مدينة إربيل العراقية فى يناير الماضى ، وأوضحت الصحيفة أن تلك الصفقة تم التوصل إلى معالمها النهائية خلال مباحثات هاتفية بين سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومى الإيرانى على لاريجانى مع نايجل شاينوالد المستشار الدبلوماسى لبلير.
إلا أن المسئولين الإيرانيين استبعدوا وجود أى صلة بين إحتجاز الطاقم البريطانى واحتجاز الإيرانيين فى العراق فيما استبعدت بريطانيا والولاياتالمتحدة إجراء أى صفقة تبادل . وكان الرئيس الإيرانى قد كرم فى هذه المناسبة قادة البحرية الايرانية الذين قاموا باحتجاز هؤلاء البحارة البريطانيين، وقد أقامت إيران احتفالا بانتهاء هذه الأزمة.
ويعتقد المراقبون أنه تم تناول القضية بتصريحات لم تأت غالبا على لسان الرئيس الإيرانى نفسه تجنبا لتصريحاته اللاذعة والنارية أحيانا التى قد تزيد الأمور تعقيدا إلا أنه كوفىء عن صمته بإعطائه الفرصة للاعلان بنفسه عن قرار الإفراج عن المحتجزين .
ويرى المحللون أن إيران لعبت بمهارة خلال هذه الأزمة بما يمكن أن تستخدم جيدا بتحقيق مكاسب لها كما ترى بعض الدوائر أن هناك حالة من الارتياح أيضا سادت الاوساط الإيرانية بعد لإفراج عن البحارة وأن الكثير من أفراد الشعب الايرانى كان متخوفا من أن يمتد النزاع مع الغرب الى مواجهات مسلحة.
أن الافراج عن هؤلاء البحارة قد يساعد فى تحسين العلاقات بين إيران وبريطانيا لاسيما بعد أن دخل العديد من كبار المسئولين فى البلدين فى مفاوضات ومحادثات مباشرة على مدى أيام الأزمة ، كما يعتبر البعض أن إيران عززت من وضعها فى المنطقة العربية والاسلامية ، إلا أن المراقبين يستبعدون أن يكون لانفراج هذه الازمة تأثيرا على القضية الأكبربالنسبة لايران والخاصة بالملف النووى بل يرون أن الأمور ستعود للمواجهة من جديد.
وقد رحبت معظم الاوساط الدولية بهذا العفو حيث رحب الاتحاد الاوروبى بالخطوة واعتبرها بداية تسمح بتعاون فى مجالات أخرى مع الجمهورية الإسلامية والأسرة الدولية حيث رحبت الدول الاوروبية بما فيها المانيا وفرنسا وتركيا وكذلك الدول العربية حيث أصدرت قطر وسوريا بيانات إشادة بهذه الخطوة كما شكر الأمين العام للامم المتحدة بان كى مون فى إتصال هاتفى الرئيس نجاد معربا عن أمله فى عدم وقوع هذه الحوادث فى المستقبل .
وفى سياق آخر تأثرت أسعار النفط حيث هبطت إلى,50 1 دولار فى 30 دقيقة أمس بعد إعلان نجاد الإفراج عن البحارة مما خفف المخاوف المتعلقة بامدادات النفط من رابع أكبر مصدر له فى العالم .. وكان الخلاف الإيرانى البريطانى قد دفع سعر الخام الأمريكى إلى أعلى مستوياته فى ستة أشهر ، وأعرب المستثمرون عن شعورهم بالارتياح وانخفاض أسعار النفط فى الأسواق العالمية.