إذا كان اللهو الخفي، الذي لم يضع أحد يده عليه حتى الآن، ولم نعرف كيف نواجهه، هو الذي يفعل بمصر ما يحدث بها اليوم.. فهل هانت علينا مصر ولم تعد في خاطر أحد.. من يشاركون في إشعال النار فيها وإحداث الخراب يقولون حبا وانتماء.. ومن يتناحرون في الجدل البيزنطي.. يقولون: تأصيل للممارسة الديمقراطية والحرية.. ومن يفاخرون بالاضرابات والاعتصامات والاحتجاجات.. يرونها استمراراً للثورة وأهدافها.. ومن يطلون علينا صباحاً ومساء عبر شاشات الفضائيات في إسفاف إعلامي وشتيمة وعدم لياقة في الحوار والنقاش.. يقولون حرية الرأي والتعبير.. والحقيقة.. أخشى أن يفيق الجميع على كارثة.. لا ديمقراطية مارسناها ولا حرية تمتعنا بها ولا وطن بقي لنا. وطن نهينه إما عن عمد أو دون قصد، ولكن لكل في النهاية مآربه القصيرة النظر، العديمة القيمة في ظل وطن يضيع.. هانت مصر ليجوع شعبها وتضيع مكانتها.. والمقابل مقعد زيادة في البرلمان.. أو مادة على مزاج تيار في الدستور.. أو مجد شخصي لرئيس عجوز يتولى رئاستها أربعة أعوام، لن يستطيع أن يصلح من حالها القليل مما فعلناه فيها خلال شهور قليلة.. احذروا يا أهل الوطنية، يا من تنشدون وتتغنون جميعا: مصر التي في خاطري.. وأن كل ما تفعلونه بها اليوم بادعاءات الحب والانتماء وأملا في مصر جديدة من الحرية والكرامة والرفاهية لشعبها.. ما هو إلا معاول هدم فيها، والعالم يتفرج ويترقب. انتبهوا مصر تهتز عالميا.. مكانتها في العالم العربي والإسلامي، وعلى الساحة الإقليمية والدولية.. تختل.. قلق عالمي حاليا على مصر.. حالة ترقب وتوجس.. مصر إلى أين؟!.. بالطبع ليس بمفهوم ما يشغلنا من قضايا المرحلة الانتقالية والالتزام بالنظام الديمقراطي والحرية.. فهذا لا يعنيهم، فكثير من دول العالم، لا علاقة لها بالديمقراطية وتدوس حقوق الإنسان بالأقدام. ولكن بمفهوم التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية المصرية سياسيا واقتصاديا. المهمة الرئيسية للدبلوماسية المصرية بالخارج حاليا الشرح والتوضيح في رسالة طمأنة للعالم. بعض الدول وخاصة الأوروبية الكبيرة لا تكتفي بذلك، ولكن يأتي وزراؤها ومبعوثوها في زيارات لمصر من أجل الاطمئنان بأنفسهم على مستقبل علاقات مصر بالعالم الخارجي، ومدى قدرتها على القيام بدورها في محيطها العربي والإسلامي والافريقي، وبما كان يليق بها دائما كقوة فاعلة ودولة مؤثرة، ليس في هذا المحيط فقط، ولكن في دول عدم الانحياز ومجموعات الدول النامية وذات الاقتصاد البازغ. قلقهم المشروع على مصالحهم مع مصر في هذه الدوائر يرتبط بقوة بتطورات الوضع الداخلي.. هم يضعون سيناريوهات.. ما هو الموقف إذا استمرت حالة الفوضى وزادت حدتها ومخاطر ذلك.. هل يمكن ان تطول المرحلة الانتقالية، وهل من المتوقع مفاجآت غير واردة على الساحة الداخلية اليوم؟! وإذا سارت الأمور حسب الجداول الزمنية الموضوعة لانتخابات برلمانية ورئاسية والدستور.. فأي صيغة سوف تكون عليها مؤسسات الحكم الجديدة في مصر.. هل تيار ليبرالي، علماني، أم تيارات الإسلام السياسي؟ وما هي التوجهات المتوقعة لصعود هذا التيار أو ذاك للحكم، والصيغة الجديدة لبصماتهم في الدستور والمؤسسات التشريعية، وكذلك رئيس الدولة المنتخب؟. القضيتان الأساسيتان التي تشغل العالم بالنسبة لهذه التوجهات الجديدة والتي يشارك الشعب المصري لأول مرة في تحديدها من خلال اختيار نوابه ورئيسه.. هما الجانبان السياسي والاقتصادي.. السياسي يرتبط بعلاقات مصر، خاصة مع أمريكا وأوروبا، وهل ستستمر علاقات طبيعية أم ستكون أقوى.. أم متذبذبة أو علاقات توتر تؤثر على مصالح هذه الدول، وهل ستلتزم مصر بالاتفاقيات الثنائية والدولية الموقعة عليها، أم ان كل شيء قابل للمراجعة أو الإلغاء. أكثر ما يثير القلق العالمي حاليا، الوضع الأمني والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وعلى رأسها، السلام بين مصر وإسرائيل.. هل يأتي الشعب المصري ببرلمان وحكومة ورئيس يلتزم بمعاهدة السلام، أم التجميد، أم ان هناك احتمالات لحرب، قد تكون نتيجة تصعيد لأمور بسيطة تؤدي إلى انقلاب العالم رأسا على عقب. دوائر صنع القرار ومراكز البحوث والدراسات، مشغولة الآن بسيناريوهات تجيب على كل هذه التساؤلات، بما يضمن الحفاظ على مصالحهم. بما فيها التخوفات التي تحدثت عنها في مقال الاسبوع الماضي على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، ان تأتي الديمقراطية من خلال صناديق الانتخابات بنظم ديكتاتورية.. فماذا سيفعلون في هذه الحالة؟.. هل تتصور المخاطر التي تحدق بمصر عندما يتلاعبون بحججهم العديدة في شئون مصر الداخلية؟!.. العالم مشغول بكل هذا.. ونحن مشغولون بتناحر داخلي يقدم لهم على طبق من ذهب القلق على مستقبل مصر. وكيف يخططون من الآن.. لضمان مصالحهم أو انتهاز الفرصة لتنفيذ مخططاتهم، أقلها إضعاف مصر اقتصاديا وإقليميا، حتى يظل في أيديهم تحريك المنطقة كما يريدون. لم يثر اهتمام أحد من أبواق الوطنية من الساسة والتيارات الدينية، خروج مصر من اللجنة التنفيذية لمنظمة اليونيسكو، ولأول مرة في تاريخ هذه المنظمة. وهو المقعد الذي كانت تحتفظ به مصر بالتزكية دون انتخابات، بينما يتم التنافس بين 981 دولة عضوا، على ال 12 مقعدا الباقية. هذا المقعد كان محفوظا لمصر تقديرا لتاريخها ومكانتها وتراثها الحضاري العالمي.. ضاع المقعد.. ومن حل مكانها.. قطر.. لم نسمع من هؤلاء الوطنيين كلمة أسف أو حزن على ضياع هذا المقعد.. قد لا يعلمون قيمة ذلك.. وأن مقعد نائب لهم في البرلمان، أهم من مقعد لمصر في منظمة دولية، هل تعلمون أول قرار متوقع صدوره من اليونيسكو خلال الفترة القادمة بعد أن كان توصية اعتبار القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.. هذا إذا كنتم لا تعلمون قيمة اليونيسكو.. أو إذا كان جهادكم بالصراخ فقط وا إسلاماه.. وا قدساه هل الإسلام فقط في مقاعد البرلمان ونصوص الدستور.. أم أيضا في الحفاظ على المقدسات الإسلامية وأولى القبلتين؟!. خسائر مصر السياسية على الساحة الدولية سوف تتوالى للأسف في الفترة القادمة.. والفراغ الذي ستتركه سوف يحتاج إلى سنوات طويلة لكي تستعيد مكانتها، وخاصة مع بزوغ دويلات صغيرة لشغل هذا الفراغ، بالتبعية لقوى كبرى تارة وبالمال تارة أخرى. وخسائرنا الاقتصادية.. وهي القضية الثانية التي تشغل العالم ستكون كارثية.. وتتوالى بوادرها دون ان نفيق أو دون أن نعرف من هو "اللهو الخفي" الذي يعبث بمقدرات بلدنا واللهو الخفي في موروثنا هو المجهول عندما نعجز عن معرفة السبب فهل قامت الثورة لإنقاذ الناس من الفقر وتشغيل العاطلين، أم لنجر مصر إلى هوة عميقة من المجهول السياسي والاقتصادي؟!.. البوادر تتوالى، أخطرها تخفيض المؤسسات الدولية مرتبة مصر الائتمائية.. بالطبع أصحاب مليونية الأمس لا يعرفون ان هذا يعني شروطا مجحفة إذ طالبت مصر بقروض لمواجهة الاحتياجات الملحة.. أم انهم سعداء بالمليونية ولا يحزنهم شعار الثورة "ارفع رأسك انت مصري" الذي يهتز أو يتحول إلى كلمات جوفاء، مع سعي مصر حاليا لاستجداء المعونات من "اللي يسوى واللي مايسواش".. كيف نرفع رأسنا ونحن نأكل "بالشحاتة"!. الكلمات قاسية على النفس ولكن ماذا نقول، مع توالي الأحداث المحزنة، من ضرب الاستثمار الأجنبي في مقتل مع التهديد بإغلاق مصنع "موبكو" بدمياط دون ان نعرف أيضا اللهو الخفي في سبب هذا وتشريد آلاف العاملين. وتوالي الخسائر اليومية بالملايين.. وإلغاء استثمارات أجنبية كانت قادمة لمصر بمبلغ 61 مليار دولار وتوفر 003 ألف فرصة عمل. أو إغلاق ميناء وتوقف الحركة التجارية مع العالم، أو احتجاز سائحين وإطلاق نار عشوائي. ونحن نسعى لكل سائح يدر قرشا لدخل البلد. قد يكون الفاعل في كل ما يحدث بمصر خافيا.. ولكن لا يمكن ان نكون مغيبين لدرجة أن يحرق شعب بلده..!؟ نقلا عن جريدة أخبار اليوم