يعيش في السعودية حوالي 7 ملايين مقيم يشكلون حوالي 28% من سكان البلاد الذين تجاوز عددهم 22 مليون نسمة. وتحتضن العاصمة الرياض أغلب الجاليات المقيمة، الذين ينتمون لأكثر من 160 دولة من دول العالم مما يجعل إطلاق وصف الرياض بأنها عاصمة العالم أمراً واقعاً ومقبولاً وغير مستغرب. ويستطيع سكان الرياض أن يميزوا بسهولة جنسيات المقيمين على أرض مدينتهم التي تحتضن حوالي 5 ملايين مواطن ومقيم من خلال أشكالهم وألوانهم أو من ملابسهم، واذا اشكل الامر فمن خلال لغتهم. قبل عقدين كان المقيمون من غير العرب والمسلمين يعيشون في مساكن داخل الأحياء وارتبطوا مع سكانها بعلاقات جيدة وصلت إلى حد تبادل الزيارات والوجبات في ما بينهم، وبعد أحداث التفجيرات التي شهدتها الرياض منذ حوالي عقدين بدأ المقيمون، خصوصا من الجاليات الغربية التفكير جدياً في ترك مساكنهم داخل الأحياء والانتقال للسكن في مجمعات خارج المدينة أو ما يعرف بالنطاق العمراني، ومع توسع الرياض السريع أصبحت المجمعات جزءاً من الأحياء الحديثة واضطر أصحابها إلى تأمين الحماية لها بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية ووضع احتياطات أمنية بعد أن أصبحت هذه المجمعات هدفاً للارهابيين الذين نجحوا في تفجير بعضها مثل مجمعي الحمرا والمحيا. شكل حي السليمانية الراقي منذ ثلاثة عقود مطلباً للمقيمين من الغربيين الذين يعملون في قطاعات عسكرية أو صحية أو في الشركات الكبرى والمصارف للسكن فيه وعُرف الحي بأنه حي الأجانب رغم وجود عدد من السعوديين يقطنونه إما بنظام التملك أو بالإيجار وقد جاور كثير من السعوديين الجاليات الغربية في سكن هذا الحي، كما كان حي الملز مقصداً للجاليات المقيمة في الرياض من غير العرب والمسلمين، خصوصاً الجاليات الغربية، واحتضن الحي أسراً سعودية، وتحول قبل عقدين إلى مقر لشركات متعددة الأنشطة يعمل بها خليط من جنسيات مختلفة، واتخذت أمانة منطقة الرياض (البلدية) اجراءات لحث الشركات والمؤسسات على مغادرة الحي، وينطبق الاجراء ذاته على حي عليشة الذي بدأ يعود إليه الوهج ويستعيد مكانته كواحد من الأحياء السكنية الراقية في الرياض لكن الحي لم يسجل أن أقام فيه غير السعوديين. وفضل العرب المقيمون في الرياض السكن في شارع الخزان (الامام فيصل بن تركي)، وشارع الوزير (الملك فيصل) بالإضافة إلى أحياء المربع والضباب وجُل هؤلاء العرب من اللبنانيين والسوريين وبعض من المصريين، وفضل كثير من العرب، خصوصاً من الحرفيين وأصحاب المهن السكن في حي منفوحة الذي يحتضن جاليات مصرية وسورية وسودانية، وارتبط حيا الناصرية وأم الحمام بالسودانيين إضافة إلى حي غبيرا، اذ يفضل ابناء الجالية السودانية التي تعد الأكبر في السعودية السكن في الأحياء الثلاثة حيث تنتشر فيه مطاعم ومحلات تقدم كل ما يحتاجه السودانيون، كما أن حي الضباط يحتضن مجموعة من الأردنيين والفلسطينيين وفيه تنتشر محلات ومطاعم لخدمتهم. ولا يشعر العرب المقيمون في الرياض بالغربة حيث يشاركهم السكن ابناء جلدتهم، كما ارتبطوا بعلاقات مع السعوديين وأسرهم، بل ان منتجات بلدانهم تكون في متناول ايديهم، إضافة إلى أن اكلاتهم المفضلة في بلدانهم يستطيعون تناولها يومياً من خلال المطاعم المنتشرة في الأحياء التي يوجدون فيها. فيمكن للسوداني ان يتناول «الكمونية» وهي وجبة تعد من الاحشاء الداخلية للخروف متى ما شاء في مطاعم غبيرا أو أم الحمام كما يمكنه أن يتذوق «أكلة « المرارة « الشعبية المعدة من كبد الخروف وتؤكل نيئة في أي وقت، كما أن «الشية» وهي لحم مشوي، متاحة للسودانيين ليس في منازلهم بالرياض فحسب بل في المطاعم المتخصصة في الأكلات السودانية، كما ان المقيم الأردني يستطيع أن يتذوق أكلة «المنسف» المكونة من اللحم والأرز واللبن «بجلبها» من مطاعم متخصصة في وسط الرياض تقدم هذه الوجبة، إضافة إلى تذوق جميع الأكلات الأردنية الخفيفة والثقيلة من مطعم هاشم في حي السليمانية بالرياض الذي يمتلئ بالأردنيين والفلسطينيين والسعوديين. ويمكن للمصري أن يتناول جبناً دمياطياً من أي مكان في الرياض، كما يستطيع ان يقطع الجوع بتناوله أكلة « الكشري « من مطاعم في منفوحة او يتناول طبقاً من الفول المصري أو «الطعمية» من مطاعم جاد التي تملك سلسلة منها في انحاء متفرقة من الرياض. أما الهنود الذين يشكلون اكثر الجاليات المقيمة في السعودية بحوالي 1.5 مليون عامل ويعملون في المهن اليدوية والطبية والحاسب الآلي ومحلات بيع المواد الغذائية وكسائقين فهم ينتشرون في كل الأحياء بالرياض. وقد اثبتت القوى العاملة الهندية نشاطها وخبرتها الجيدة في السوق السعودية، كما سجلت الجالية الهندية قلة مشاكلها وخلو سجل افرادها من الجرائم واحترامها إلى درجة كبيرة العادات والتقاليد والثقافة التي تتميز بها البلاد السعودية، ويتبادل الهنود الزيارات في ما بينهم ويتناولون وجباتهم من خلال اعدادها في مساكنهم أو احضارها من المطاعم التي تقدم أكلات هندية وتنتشر في جميع ارجاء المدينة ويتجمع الهنود يوم الجمعة في حي البطحاء وبالتحديد في شارعه العريق الذي يحمل اسم الحي. وتحتل العمالة الباكستانية المرتبة الثالثة من بين العمالة الوافدة بحوالي 800 ألف عامل يعمل غالبيتهم في المهن اليدوية وفي مجال الطب، كما تنتشر العمالة الافغانية التي يصل عددها الى حوالي نصف مليون في مهن يدوية ايضاً، خصوصاً في المخابز الشعبية المعروفة باسم «التميس» وفي اعمال البناء والتشييد. وتوجد في السعودية جنسيات اخرى من شرق آسيا كالاندونيسيين والفلبينيين والسري لانكيين يعملون في مهن مختلفة، خاصة في العمالة المنزلية كسائقين بالنسبة للذكور منهم، أو عاملات منزليات (خدم) للأناث، كما توجد في العاصمة السعودية جنسيات من دول افريقية غير عربية ابرزهم التشاديون الذين يصل عددهم في البلاد الى اكثر من 100 ألف فرد، ويسكنون في الاحياء القديمة في مختلف المدن السعودية، تحديدا في جدة ومكة المكرمة والعاصمة الرياض، وفي الاخيرة يتخذ التشاديون من حيي الدوبية ومعكال سكنى لهم، ويتلقى ابناؤهم التعليم في المدارس الحكومية رغم عدم حمل اكثرهم لإقامات نظامية رغم انهم مولودون في المدينة ورغم صعوبة التعامل معهم في المدارس لعدم المامهم باللغة العربية، ولعل المدرسة المحمدية الابتدائية في شارع سلام الذي يخترق الاحياء القديمة التي توجد بها اكثرية تشادية وتعد رابع مدرسة تفتتح في الرياض تحتضن المئات من الاطفال التشاديين لتلقي التعليم الابتدائي بها. ويعمل التشاديون في الموانئ السعودية او في وظائف سكرتارية مكتبية إضافة الى ان بعضهم قدم الى البلاد منذ عقود للعمل في الجماعات الخيرية لتحفيظ القرآن، ولعل اللافت لدى التشاديين ورود اسماء منهم في قوائم لها صلة بالارهاب المحلي في حين يرفض المقيمون منهم فكرة الربط بينهم وبين الارهاب بوجود اعداد منهم لا يتجاوزن الاربعة في قوائم الارهابيين مبدين احترامهم ومحبتهم للسعودية وتقديرهم لثقافتها وعاداتها وتقاليدها مشددين على ان ابناءهم مولودون في هذه البلاد ويرتبطون بها ارتباطاً وثيقاً. ورغم انتشار العمالة البنغالية في السعودية إلا ان درجة قبولهم من قبل السكان لم تعد مثلما كانت من قبل، إذ بدأ السعوديون يتذمرون من وجودهم، وينتظر مستقدموهم انتهاء العقود الموقعة معهم لاستقدام عمالة بديلة، ولعل التوجه الحالي إلى نيبال، حيث حرص السعوديون على استقدام عمالة من ذلك البلد الذي يعد من افقر عشر دول في العالم للعمل كسائقين وخدم منازل أو مزارعين أو رعاة. وساهمت أعمال الإرهاب واستهداف الغربيين في اختفائهم من شوارع الرياض بعد أن كانوا يوجدون في المطاعم والمقاهي والأسواق بصورة لافتة، في حين تنشط شركات تشغيل العمالة في المستشفيات والمجمعات الطبية والمصارف وغيرها من الاعمال والحرف المهنية والفنية في تنظيم رحلات يومية او اسبوعية لمنسوبيها الى الاسواق الكبرى في العاصمة مثل كارفور وهايبر بنده والتميمي والعثيم للتبضع، إضافة الى الاسواق التجارية مثل صحارى وغرناطة والعقارية، كما تحرص الاسر المقيمة من شرق اسيا على زيارة الاسواق الشعبية في البطحاء والحلة حيث تتوفر البضائع الواردة او المماثلة التي تستخدم في بلادهم. وعلى كل فإن المقيمين في السعودية لا يشعرون بأي نوع من أنواع الغربة، فتعدد الجنسيات وكثرة الجاليات من كل بلد جعلا الكل يعيش وكأنه في بلده وهذا الكلام ينطبق على كل المقيمين عرباً وأجانب عزاباً أو عوائل.