سفير مصر بالدنمارك: نتوقع إقبالًا كبيرًا على التصويت بمجلس الشيوخ    بعد ارتفاع الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم السبت 2 أغسطس 2025 في الأسواق وبورصة الدواجن    متى يتم تطبيق قانون الإيجار القديم الجديد؟    إيران: الحوار وتبادل وجهات النظر بين إيران وثلاث دول أوروبية بخصوص القضايا النووية مستمر لكنه واجه ظروفًا معقدة    رئيس عربية النواب: أهل غزة يحملون في قلوبهم كل الحب والتقدير لمصر والرئيس السيسي    وديًا.. العين الإماراتي يفوز على إلتشي الإسباني    هايد بارك ترعى بطولة العالم للاسكواش للناشئين 2025 تحت 19 عامًا    التحقيقات تكشف سبب وفاة طفل منشأة القناطر بعد العثور على جثته ببركة مياه    طقس شديد الحرارة في مطروح اليوم.. ودرجات الحرارة تتجاوز ال37    النقل: استمرار تلقي طلبات السائقين الراغبين في التدريب حتى منتصف أغسطس    شركة خدمات البترول البحرية تنتهي من تطوير رصيف UGD بميناء دمياط    انطلاق قمة «ستارت» لختام أنشطة وحدات التضامن الاجتماعي بالجامعات    مجلس الشيوخ المصري.. ثمرة عقود من التجربة الديمقراطية    «يونيسف»: مؤشر سوء التغذية في غزة تجاوز عتبة المجاعة    المصريون بالسعودية يواصلون التصويت في انتخابات «الشيوخ»    المصريون في البرازيل يشاركون في انتخابات مجلس الشيوخ 2025    حارس الزمالك يرفض الرحيل في الميركاتو الصيفي    مدرب نيوكاسل: أعرف أخبار إيزاك من وسائل الإعلام.. وأتمنى رؤيته بقميص النادي مجددا    تطوير 380 مركزا تكنولوجيا بالمحليات والقرى والمدن وأجهزة المجتمعات الجديدة    تعاون بين «الجمارك وتجارية القاهرة».. لتيسير الإجراءات الجمركية    تحرير 844 مخالفة مرورية لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    حفل أسطوري.. عمرو دياب يحقق أعلى حضور جماهيري في مهرجان العلمين    مراسل إكسترا نيوز: الوطنية للانتخابات تتواصل مع سفراء مصر بالخارج لضمان سلاسة التصويت    بأداء كوميدي وملاكمة فلاحة.. «روكي الغلابة» يحصد 6 ملايين في 48 ساعة    في 16 قرار.. تجديد وتكليف قيادات جديدة داخل وحدات ومراكز جامعة بنها    «بيت الزكاة والصدقات»: غدًا صرف إعانة شهر أغسطس للمستحقين    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ عالم أزهري يجيب    79 مليون خدمة طبية لمنتفعي التأمين الصحي الشامل في 6 محافظات    «الصحة» تطلق منصة إلكترونية تفاعلية وتبدأ المرحلة الثانية من التحول الرقمي    مدبولي يُتابع جهود اللجنة الطبية العليا والاستغاثات بمجلس الوزراء خلال يوليو 2025    مفاجأة.. أكبر جنين بالعالم عمره البيولوجي يتجاوز 30 عامًا    ابحث عن طريقة لزيادة دخلك.. توقعات برج الحمل في أغسطس 2025    شكل العام الدراسي الجديد 2026.. مواعيد بداية الدراسة والامتحانات| مستندات    تنظيم قواعد إنهاء عقود الوكالة التجارية بقرار وزاري مخالف للدستور    تنسيق المرحلة الثانية للثانوية العامة 2025.. 5 نصائح تساعدك على اختيار الكلية المناسبة    "صحة غزة": شاحنات تحمل أدوية ومستلزمات طبية ستدخل القطاع اليوم عبر منظمة الصحة العالمية    انخفاض الطن.. سعر الحديد اليوم السبت 2 أغسطس 2025 (أرض المصنع والسوق)    21 مصابًا.. ارتفاع أعداد المصابين في حادث انفجار أسطوانة بوتاجاز بمطعم بسوهاج    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على طرق القاهرة والجيزة    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب شمال باكستان    الهيئة الوطنية للانتخابات: تواصل دائم مع السفراء لمتابعة انتخابات مجلس الشيوخ بالخارج    أيمن يونس: شيكابالا سيتجه للإعلام.. وعبد الشافي سيكون بعيدا عن مجال كرة القدم    تعرف على منافسات مصر بسابع أيام دورة الألعاب الأفريقية للمدارس بالجزائر    22 شهيدا في غزة.. بينهم 12 أثناء انتظار المساعدات    ترامب يخطو الخطوة الأولى في «سلم التصعيد النووي»    وفاة والد معتمد جمال مدرب الزمالك السابق    تنسيق الدبلومات الفنية 2025.. رابط تسجيل اختبارات كليات الهندسة والحاسبات والتجارة والزراعة (المنهج)    سعر الذهب اليوم السبت 2 أغسطس 2025 يقفز لأعلى مستوياته في أسبوع    الصفاقسي التونسي يكشف تفاصيل التعاقد مع علي معلول    مقتل 4 أشخاص في إطلاق نار داخل حانة بولاية مونتانا الأمريكية    عمرو دياب يشعل العلمين في ليلة غنائية لا تُنسى    محافظ سوهاج يقرر غلق محلين بسبب مشاجرة بعض العاملين وتعطيل حركة المواطنين    كما كشف في الجول – النجم الساحلي يعلن عودة كريستو قادما من الأهلي    استشارية أسرية: الزواج التقليدي لا يواكب انفتاح العصر    حسام موافي ينصح الشباب: مقاطعة الصديق الذي علمك التدخين حلال    أمين الفتوى: البيت مقدم على العمل والمرأة مسؤولة عن أولادها شرعًا (فيديو)    هل يشعر الأموات بما يدور حولهم؟ د. يسري جبر يوضح    وزير الأوقاف يؤدي صلاة الجمعة من مسجد الإمام الحسين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خليل علي حيدر: لكي يزدهر "الربيع العربي"
نشر في أخبار مصر يوم 16 - 10 - 2011

الأخطار التي تهدد تغييرات "الربيع العربي" الذي نشهده منذ بداية عام 2011، كثيرة، نشعر بالعديد منها كلما وقع حدث مؤسف، أو تعثرت إحدى العمليات أو انفجر خلاف طائفي. أو غير ذلك، فمسيرة عملية التغيير العربية معقدة جداً ومتنوعة، وهي تتفاعل في دول ومجتمعات متفاوتة التجربة مختلفة من ناحية التشكيلة الاجتماعية وعدد السكان وحجم المشاكل وغير ذلك، ويتسبب هذا كله في صعوبات وتعقيدات تجعل الكثير من التحليلات والتنبؤات تبتعد عن الدقة في التشخيص وتحديد الهدف، ما الذي يقلقني شخصياً في هذه الأحداث؟ وما الذي أميل إلى أن أتخوف منه أكثر من غيره؟
1- إن أول ما أحسب حسابه في هذه الثورات، هو المقاومة السياسية الاقتصادية الاجتماعية الثقافية الدينية القانونية للتغييرات المتوقعة، إن هذه القائمة طويلة كما هو واضح، وتكاد تشمل كل مظاهر الحياة في المجتمع، ومفاصل الدول العربية، ولكنها في اعتقادي مخاوف مبررة. فالقوى التي خسرت مواقعها ومصالحها في مصر وتونس وليبيا، وحتى في سوريا- إنْ نجحت الثورة- لن تستسلم بسهولة، ولن تفسح الطريق للقادم الجديد، مجتمعاتنا لم تشهد حركات تغيير بهذا الحجم منذ سنين طويلة، والقوى الراغبة في التغيير وبخاصة من الشباب والشرائح الشعبية، تسعى نحو عملية تحول سياسية واقتصادية عميقة، تضعها حتماً في صدام مستمر مع الشرائح الاجتماعية والإدارية والعسكرية التي استفادت من الأنظمة السابقة، وشكّلت عمودها الفقري.
إن الأنظمة التي أُطيح بها، أو تلك التي ستتلوها في التحول والتغيير لأي سبب من الأسباب المتوقعة، يمتد بها العمر إلى قرن أو قرنين وربما أكثر. صحيح أنها وُلدت في مصر مثلاً عام 1952 وفي تونس عام 1957، عندما قام النظام الجمهوري في البلدين. ولكن هذين النظامين لم يولدا من فراغ ولم يكونا بمعزل عن المؤثرات السياسية والتشكيلات الاجتماعية الموروثة، مهما تظاهرت القيادات والنخب الجديدة بالثورة عليها وتغييرها.
وأقوى دليل على هذا أن سياسات هاتين الدولتين تغيرت كل عشرين سنة، قبل أن يسقط النظامان بسبب الفساد والاستبداد وتجاهل الدستور وغير ذلك.
وفي مصر نفسها اليوم جدل حول ما إذا أدت ثورة 25 يناير 2011 إلى إسقاط النظام أم إزالة رأسه فحسب، فالأنظمة قد لا تموت لفترة تطول بعد فقدان رأسها. والآن، هل يستطيع المصريون التخلص بسرعة من ثقافة النظام القديم؟ وهل يفتحون قلوبهم وقوانينهم ومؤسساتهم للتحولات القادمة، كي تحقق الثورة الكبرى، التي هزت العالم العربي وأحدثت كل هذا الدوي الدولي.. أهدافها؟ لا أحد يدري!
2- ثاني ما يقلقني في مصر وتونس وليبيا وغيرها، غياب فكر التغيير وعدم توفر الأجندات والأهداف والقيادات الكارزمية، بل نكاد نلمس ملامح هذا الضياع والتخبط، والربيع لايزال في أول نسماته وتفتح وروده! فالمصريون يفقدون صبرهم، وأهل تونس يتصارعون، وأهل طرابلس يطالبون ثوار بنغازي بمغادرة مدينتهم فوراً، رغم أن القذافي، طاغية ليبيا، لايزال طليقاً.
إن البديل في أذهان الكثيرين منا للقمع والاستبداد هو الديمقراطية والتحديث والليبرالية، ولكن هل دول "الربيع العربي" تسير نحو مثل هذه الأهداف؟ هل يعرف الشباب مشاكل التنمية الحقيقية في مصر، وأزمات قوى العمالة والمؤسسات التعليمية ببنيتها العتيقة وأهدافها التي عفا عليها الزمن؟ هل يلتفُّ المصريون والتوانسة والليبيون والسوريون واليمنيون حول أهداف تنموية عصرية تنتشل مجتمعاتهم وترتقي بها إلى مصاف البلدان الآسيوية المتقدمة مثلاً، حتى لو بدأنا بالتجربة الهندية! أم سيعود قدماء الساسة والمثقفين والإعلاميين أنفسهم، بالعقليات الموروثة، ليهيمنوا على ساحة الثورة من جديد، ويقودوا هذه البلدان إلى تقديس بعض الشعارات السابقة التي هي إما خاطئة أو غير صالحة لهذه المرحلة؟ إن الديمقراطية، كما يقول الباحثون السياسيون، ليست فقط "نظام حكم"، ولكن أيضاً "عادات ثقافية واجتماعية"، وتعليم ليبرالي وجامعات حرة التفكير، فهل تتسع صدورنا لهذا كله، وننجح في تشكيلة منظومة قيمنا وتراثنا الديني وتركيبتنا الوطنية والطائفية، مع هذه المؤسسات ومناهجها الجديدة؟ "الثقافة السياسية" تُعرّف بأنها "القسم والمبادئ السياسية لدى كلا من العامة والنخبة"، فهل نحن متفقون حقاً في بلداننا؟ وما الأهداف التي صرنا نجمع عليها تأييداً واعتراضاً؟
3- ما النموذج الأصلح والأنجح لمسيرة هذه البلدان؟ مصر المضغوطة سكانياً ذات الخبرة والمكانة المتميزة على كل صعيد، وتونس الخضراء الجميلة التي تريد استرداد مكانتها السياحية وتنشيط الزراعة، وليبيا الغنية بالمال والبترول والإمكانيات الهائلة الكامنة، وسوريا القادرة بسهولة أن تكون أكثر بلدان العالم العربي والشرق الأوسط ثراء وتقدماً وتأثيراً، هذه الدول الأربع بعض أركان هذه التجربة الثورية الهائلة المعلقة اليوم بين التقدم والتراجع.
ونحن جميعاً نتساءل: أي نموذج نتبع للانطلاق؟ هل نحاول اتباع دول أوروبا الشرقية بعد سقوط النظام الاشتراكي، أم نتبنى النماذج الآسيوية في ماليزيا وسنغافورة والهند وكوريا الجنوبية وغيرها، أم نقف ملياً أمام التجربة التركية المعاصرة، لعل الأقدار تفتح عقول وسلوك الإسلاميين في بلداننا، فيوسعون آفاقهم، ويتسامحون مع مظاهر الانفتاح والتحرر التي لا يرى أخوتنا الأتراك فيها بأساً، أم نتعثر في توقعاتنا هذه كلها، وتنجح الشرائح والقيادات القديمة في استرداد مواقعها باسم الوطنية والقومية والحرص على "الإسلام الصحيح"، فنخرج مرة أخرى بمجتمعات هجينة لا هدف لها ولا ملامح، موجودة.. كزيادة عدد في قائمة أعضاء الأمم المتحدة.
4- رابع ما يقلقني إلى أقصى حد عندما أنظر إلى المستقبل، ضيق الوقت! فعملية التغيير كان ينبغي لها أن تقع مثلاً بعد نكسة يونيو 1967، قبل نحو أربعة عقود، أو على الأقل بعد أحداث عام 1990 عندما اهتزت ثوابت كثيرة بعد احتلال الكويت وانقسام العالم العربي والتدخل الدولي... إلخ.
لقد انتهت الحرب الباردة وتفكك المعسكر الاشتراكي وغاب الاتحاد السوفييتي عن مسرح التاريخ وصعدت الهند والصين وطغى الإرهاب وزحفت العولمة بتقنياتها وانتهت الصناعة والزراعة التي كنا نتصورها في مناهجنا التنموية حيث غزتهما على نحو كثيف الآليات والإلكترونيات في بعض البلدان، بينما سهلت العولمة الاستفادة من أرخص السبل وأقل العمالة كلفة عبر العالم، وصارت البضائع الصينية والمنتجات الآسيوية عموماً تحاصر الصناعة والزراعة المحلية في البلدان العربية وبقية دول العالم، ولم تكتف الصين مثلاً بتصدير البضاعة بل صارت عمالتها تنشط في دول وربما قارات مثل أفريقيا! وقد شكّلت الأزمة في ليبيا مؤشراً واضحاً على التأثير الهائل الذي تتمتع به الصين في أفريقيا، وفي مارس الماضي نشرت الصحف إعلان وزارة الخارجية الصينية، نجاح عملية إجلاء نحو 36 ألف مواطن صيني من ليبيا، حيث كان عدد كبير منهم يعمل في قطاعات النفط والاتصالات اللاسلكية لشبكة القطارات وصناعات البناء، فضلاً عن ذلك، قامت الصين، للمرة الأولى، بنشر معداتها العسكرية في أثناء تنفيذ عملية الإنقاذ، فقد أقدمت السفينة الحربية "سوزهو" المحملة بأربعة آلاف طن من الصواريخ، والتي كانت متجهة نحو الصومال في مهمة مكافحة القرصنة، على عبور قناة السويس وصولاً إلى ليبيا، وكذلك نشرت أربع طائرات نقل عسكرية، بل قدمت الصين المساعدة لإجلاء مواطنين أجانب آخرين منهم أكثر من 40 مواطناً إيطالياً وكرواتياً وفلبينياً وغيرهم (الجريدة 15-3-2011).
حقاً إن المطلوب في بلدان التغيير العربية كثير، والوقت قليل، والمنافسة حادة، فإذا ضاع وقت أكثر في الصراع السياسي والاجتماعي وغيره، سيبقى الكثير من أماني الشباب حبراً على الورق.
5- خامس ما يقلقني المؤثرات الخارجية على توجهات "الربيع العربي"، ولا أقصد هنا على الإطلاق المؤثرات الأوروبية أو الأميركية، فهذه البلدان ليست معادية لعملية التغيير، بل إن الولايات المتحدة قادت قبل سنوات في زمن الرئيس "بوش الابن" حملة غير موفقة "لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط".
والسؤال المحدد هنا: "هل ستنجو دول الربيع العربي من المؤثرات العربية" المعاكسة بشتى الطرق؟ وإذا وقفت الدول العربية كأنظمة وحكومات محايدة، فهل ستمتنع الجماعات والهيئات الدينية مثلاً في بعض هذه الدول، عن التدخل وخلق النفوذ المالي والسياسي والاجتماعي داخل مصر وتونس وغيرها؟ فالأحزاب العصرية في مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن إما ضعيفة أو مُحاربة أو غير موجودة، ومؤسسات المجتمع المدني ليست أحسن حالاً، والتعليم والجامعات والمناهج وحال الأساتذة والمدرسين على نفس المنوال، والحياة البرلمانية قد تنفتح على التمويل الموجه والإعلام المغرض... وهكذا!
إن حال هذه البلدان الثائرة يكاد يرفع شعار "لقد عُدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، ولاشك أن هذه البلدان والشعوب ستنجح حتماً في اكتشاف طرق النجاح والتقدم مهما كانت التحديات. ولكن المفيد رغم كل هذا الأمل الحقيقي الواقعي أن نعرف بعض التحديات!
نقلا عن صحيفة الاتحاد


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.