الفرق الأساسي بين تحالف سياسي وآخر انتخابي هو أن الأول يقوم على برنامج ويقدم رؤية سياسية، بينما يرتبط الثاني بتعاون يهدف إلى زيادة فرص أطرافه في الانتخابات. فالتحالف السياسي، إذن، ليس مرهونا باعتبارات انتخابية في المقام الأول. ولكن الانتخابات تمثل أهمية خاصة بالنسبة إلى أي تحالف سياسي عندما يقترب موعدها، وخصوصا عندما يكون هذا التحالف بين أحزاب. فلا فائدة عملية لبرنامج أو تصور سياسي لا يسعى أصحابه إلى تطبيقه عبر الوصول إلى الحكم أو الحصول على نسبة مؤثرة في داخل البرلمان. ولعل هذا هو ما جعل الغموض الذي أحاط وضع التحالف الديمقراطي من أجل مصر في الانتخابات البرلمانية القادمة مثيرا لجدل واسع حول العلاقة بين ما هو سياسي وما يتعلق بالانتخابات. وقد بدأ هذا الجدل عندما علم أن ثمة مشكلة تواجه هذا التحالف بسبب الفجوة بين عدد المرشحين الذين تطالب بعض أحزابه بإدراجهم ضمن قوائمه، والقدرة الاستيعابية لهذه القوائم. ولم تكن هذه المشكلة مفاجئة تماما، بل كان ضروريا توقعها لأن بين أعضاء التحالف الديمقراطي أحزابا كبيرة ومتوسطة. ولذلك فليس غريبا أن تحدث فجوة بين توقعات بعض هذه الأحزاب والواقع الفعلي عندما يبدأ العمل الجاد على صعيد الاستعداد للانتخابات. وكانت الفجوة الأكبر متعلقة بحزب الوفد الذي لعبت قيادته دورا رئيسيا في تأسيس التحالف الديمقراطي وبلورة وثيقته التوافقية التي تعبر عن المشتركات الأساسية التي تجمع القوى الوطنية. فقد أنشئ هذا التحالف بدءا من آخر مارس الماضي بناء على جهود ونضالات استهدفت توافقا وطنيا ديمقراطيا منذ ثمانينات القرن الماضي. وكان آخرها ممثلا في مبادرة طرحتها جماعة الإخوان المسلمين قبيل ثورة 25 يناير تحت عنوان مبادرة من أجل مصر. ولذلك نشأ التحالف الديمقراطي كإطار سياسي جامع تحالفت أطرافه على مبادئ أساسية وسياسات عامة قبل أن يبدأ التفكير في الانتخابات بوقت غير قصير. وكان طبيعيا أن يخوض هذا التحالف السياسي الانتخابات متحالفا أيضا وساعيا إلى أغلبية برلمانية تضمن بداية انتقال سلس إلى مصر الجديدة المأمولة بمشاركة أطرافه التي تمثل مختلف ألوان الطيف السياسي، وتعبر عن الاتجاهات الوسطية والمعتدلة في كل التيارات الرئيسية. فخير انتقال من مرحلة إلى أخرى هو ذلك الذي يقوده الوسط السياسي حين يكون متعددا ومتنوعا وجامعا التيارات الرئيسية. وبالرغم من أن التحالف الديمقراطي يضم أحزابا تعبر عن هذه التيارات كلها، فقد حرص على أن تبقي أبوابه مفتوحة لغيرها سواء للانضمام إليه سياسيا أو لخوض الانتخابات معه في إطار قائمة وطنية موحدة سعي إليها أيضا بعض القياديين في عدد من الأحزاب التي انضوت في إطار الكتلة المصرية وشخصيات وطنية عامة لها إسهامها المستمر في العمل الوطني مثل الأستاذين إبراهيم المعلم وإبراهيم عيسى وغيرهما. ولكن أسبابا كثيرة حالت دون تحقيق هذا الانجاز وخوض القوى الوطنية كلها الانتخابات في قائمة موحدة في مواجهة قوى النظام السابق. وإذا كان بعض هذه الأسباب يرجع إلى الإرباك الذي ترتب على ضبابية الحالة الانتخابية وما اقترن بها من خلاف على نظام الانتخاب الذي تم تعديله مرتين في غضون أقل من شهر واحد، فقد ارتبط بعضها الآخر بهشاشة الحياة السياسية التي تعرضت لتجريف هائل على مدى عقود وضعف قدرة بعض الأطراف على إدراك الفرق الجوهري بين تناقض رئيسي مع أعداء الثورة وتناقضات ثانوية أو ينبغي أن تكون كذلك لسنوات على الأقل، فضلا عن المبالغة في تقدير الأوزان الذاتية وما يترتب عليها من مغالاة في المطالب الخاصة بعدد المرشحين. وكانت هذه هي المشكلة الأساسية التي واجهت التحالف الديمقراطي. فلم تكن البيئة السياسية ناضجة لقبول فكرة أن تكون المفاضلة بين المرشحين على أساس معايير موضوعية بغض النظر عن الانتماء الحزبي. ولذلك واجهت هذا التحالف مشكلة الفجوة بين عدد المرشحين الذين يرغب بعض أحزابه في تقديمهم وقدرة قوائمه الانتخابية مضافا إليها المقاعد الفردية على استيعابهم. وكان أمام التحالف الديمقراطي أحد حلين لهذه المشكلة: أولهما أن تقبل الأحزاب المغالية في مطالبها خفض عدد مرشحيها حتى تستطيع القوائم استيعاب الجميع، أو زيادة الطاقة الاستيعابية لهذه القوائم بطرق مبتكرة مثل خوض الانتخابات بقائمتين في الدائرة نفسها. وقد بدت هذه الفكرة غريبة لدى الأحزاب بسبب ضعف ثقافة الانتخاب بالقائمة في بلادنا. فالاعتقاد السائد هو أن وجود قائمتين للتحالف يعني انهياره أو انقسامه لأن كلا منهما ستكون ضد الأخرى. غير أنه حين تكون مساحات الدوائر شاسعة وعدد الناخبين فيها هائلا يزيد على المليون في كل منها في المتوسط العام (51 مليون ناخب تقريبا و46 دائرة للقوائم) يمكن تصميم قائمتين لأي تحالف تضم كل منهما مرشحين من الأحزاب نفسها، على أن تستهدف إحداهما حصد أكبر عدد ممكن من الأصوات في جزء من الدائرة، بينما تركز الأخرى على الجزء الثاني. ولأنه لا يوجد حل ثالث قي الواقع، كان العجز عن الأخذ بأحدهما يعني انسحاب حزب أو آخر من هذا التحالف نتيجة عدم قدرته على تقليص عدد مرشحيه وصعوبة استيعاب كل هؤلاء المرشحين. ولكن هذا لا يؤثر على مستقبل التحالف الديمقراطي لأنه قام على أساس سياسي وليس فقط انتخابيا. فإذا لم يتيسر استيعاب أحزابه في قوائمه الانتخابية، يمكن أن يظل التوافق السياسي بينها قائما بعد الانتخابات، بل يجوز أن تكون هناك كتلة برلمانية واحدة لهذه الأحزاب جميعها. ولذلك تستحق تجربة التحالف الديمقراطي في أول انتخابات عامة بعد ثورة 25 يناير دراسة متعمقة تتجاوز إطار الدراسات الانتخابية والبرلمانية لتشمل دراسة الثقافة السياسية لبحث قضية ثقافة التوافق العام وآثارها المتوقعة في عملية بناء نظام سياسي جديد. نقلا عن جريدة الأهرام