"إنني عائد إلى الحياة السياسية في الانتخابات المقبلة، وسأقود حركة جديدة. حزبي الجديد لن يكون حزباً يمثل قطاعا ًواحداً مثل حزب شاس الذي يمثل اليهود الشرقيين (الحريديم)، لأن ما كان مناسباً في عام 1984 (عندما تأسس شاس) ليس ذي صلة بالواقع الآن. لا يمكن الإسهام في دولة إسرائيل من دون قوة سياسية. لذلك قررت إقامة حركة وأنا عائد وأريد استخدام قوة سياسية من أجل الوحدة والمسؤولية العامة". هذا ما أعلنه عضو الكنيست السابق "أرييه درعي". و"درعي" هو اليهودي المغربي الذي كان وزيراً للداخلية، ورئيساً لحزب كبير، والابن الذي ربّاه الحاخام "عوفاديا يوسيف" وكان يأتمنه على تدريس أولاده ويساعده في مجالات الإفتاء والخطابة، حتى أثار غيرة عائلة الحاخام. كان "درعي" طالباً ذكياً متفوقاً في المغرب، غير أنه عندما وصل إلى ما يسميه الصهيونيون (العلمانيون والمتدينون) أرض "الميعاد" فوجئ بمبادرة المدرسة إلى إرجاعه سنة إلى الوراء دراسياً بحجة أن مستواه أقل من المستوى المطلوب (من الصف السابع إلى السادس). يومها شعر الطالب بالتمييز العنصري. ثم إن درعي الذي أسلمه الحاخام "يوسيف" إلى الشرطة كي يدخل السجن الفعلي في عام 1999 بحجة الفساد، بعد أن اقترف "ذنباً" لا يغتفر في حق سيده و"اعتدى" على المحظورات الدينية اليهودية التي يبشر بها الحاخام يوسيف، ومنها مقولة الأخير (التي رفضها درعي)، ونصها أنه "يجب ضرب الفلسطينيين الأفاعي"! أما "الخطيئة" الثانية فكانت إعلانه الصريح: "يجب على إسرائيل أن تعترف بحقوق أولاد إسماعيل، أي العرب. لا مانع لديّ من خرق السبت لكي أحتجّ على قصف أمريكا للمدنيين العراقيين. أعارض بشدة قصف لبنان 1992". وعندما طالبه المتنفذون في الصالون السياسي للحاخام بالاعتذار عما قاله، أكد: "لن أعتذر عما قلت، فهناك تمييز عنصري فاقع ضد العرب في إسرائيل". وقبل قرابة شهر، أعلن درعي نيته العودة للحياة السياسية وخوض الانتخابات القادمة على رأس حزب جديد بعد مرور أكثر من تسع سنوات على خروجه من السجن الذي أمضى فيه نحو عام ونصف العام. وكما هو متوقع، أثار ذلك الإعلان الكثير من ردود الفعل والمخاوف، خاصة في صفوف حركته السابقة وأحزاب اليمين التي تخشى تحول كثير من أنصارها لصالح حزب درعي. بل إن الخشية من درعي الذي يعتبر سياسياً "براغماتياً" وصاحب مواقف "معتدلة" في الكثير من الشؤون الداخلية، الدينية والسياسية، وصلت إلى أحزاب اليسار التي قد يجد بعض جمهورها في هذا الرجل ضالتهم الاجتماعية والسياسية! يدور الحديث في إسرائيل عن أن عودة درعي إلى الحلبة السياسية من شأنها قلب الموازين السياسية، وكسر ميزان الأغلبية اليمينية المتشددة في الكنيست، باعتباره "الشخصية التي تحظى بشعبية كبيرة بين جمهور اليهود الشرقيين". فهو يشكل حالة خاصة في تاريخ السياسة الإسرائيلية وله "نهج" متميز؛ حيث قاد حركته، وأقنع الزعامة الروحية الأساسية فيها (الحاخام يوسيف) بضرورة المناورة بين مختلف التيارات السياسية في إسرائيل كي لا تبقى الحركة رهينة لتيار واحد، على أن يكون الثمن الأساسي "المقبوض" هو التجاوب مع احتياجات جمهور الحركة، والتي تتلخص في رصد ميزانيات ضخمة للحركة وجمهورها، وضمان تأقلمها في المجتمع بالشكل الذي تختاره هي، وضمان خصوصيتها الدينية والاجتماعية. فمثلاً، في مرحلة قيادة درعي للحركة، صدرت -في المجال السياسي- فتوى تجيز "التنازل عن الأرض من أجل منع سفك الدماء"، ما مهد لنواب الحركة تأييد اتفاقيات أوسلو. ولاحقاً لم يجد درعي حرجاً، سواء في انضمام حركته لحكومة الليكود بزعامة نتنياهو قبل 15 عاماً، أو دعمه حكومة حزب "العمل" بزعامة إيهود باراك بعد ذلك بثلاث سنوات. وبذلك زادت حركة "شاس" قوتها من انتخابات إلى أخرى. غير أنه مع سجن درعي فقدت الحركة الكثير من قوتها وانتقلت كلياً إلى معسكر اليمين المتشدد، ما انعكس في تصريحات يوسيف ونهج زعيم الحركة السياسي (إيلي يشاي) الذي ثبّت أقدامه في اليمين المتطرف تماشياً مع الأجواء السياسية في المجتمع الإسرائيلي وتشدد الحاخامات الذي تجاوز كل الحدود. إثر تصريحات درعي بالعودة إلى الحياة السياسية، أبرز استطلاع حقيقة أن أي حزب بزعامته مرشح لأن يكون "بيضة القبان" بعد أي انتخابات برلمانية مقبلة. فوفق نتائج استطلاع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، سيكون بمقدور درعي في الكنيست القادمة تحديد شخصية رئيس الوزراء القادم وكسر التوازنات السياسية الداخلية وموازين القوى بين الأحزاب والكتل البرلمانية. وبلغة الأرقام، حصلت قوى اليمين والأحزاب الأصولية على نسبة 63 في المئة من الأصوات في حال لم يرشح درعي نفسه في الانتخابات القادمة، مقابل 57 في المئة لحزب "كاديما" وأحزاب اليسار المختلفة، حيث حصل حزب البيت اليهودي "المفدال" على 3 مقاعد، وحركة "شاس" على 10 مقاعد، وحزب "الاتحاد الوطني" على 4 مقاعد، والأحزاب العربية على 12 مقعداً، بينما لم يحصل حزب "الاستقلال" برئاسة باراك على أي مقعد. وفي حال خاض درعي الانتخابات على رأس حركته السابقة "شاس"، فستكون نتائج الأحزاب والقوى الإسرائيلية المختلفة، وفقاً للاستطلاع، على النحو التالي: "الليكود" 25 مقعداً بخسارة مقعد واحد قياساً بالنتيجة السابقة، و"كاديما" 29 مقعداً بخسارة 3 مقاعد، و"إسرائيل بيتنا" 14 مقعداً، و"ميرتس" 4 مقاعد، و"اغودات يسرائيل" 6 مقاعد، في حين يعزز "شاس" موقفه ب 14 مقعداً. وأخيراً، في حال خوض درعي للانتخابات على رأس قائمة دينية علمانية مستقلة، سيتراجع "الليكود" إلى 24 مقعداً، ويحصل "كاديما" على 29 مقعداً، و"العمل" على 10 مقاعد، و"إسرائيل بيتنا" على 13 مقعداً، و"شاس" على 8 مقاعد، وحزب (درعي) الجديد على 9 مقاعد، و"اغودات يسرائيل" على 6 مقاعد. وبطبيعة الحال فإنه من السابق لأوانه وضع سيناريوهات لما سيجري، لكن إعلان درعي عن نواياه بالترشح للانتخابات خلق "حالة فزع" في الحلبة السياسية، ذلك أنه، بحسب الاستطلاع نفسه، سيقتنص الأصوات تقريباً من جميع الأحزاب الإسرائيلية التي تدور في فلك الحكومة، باستثناء المستوطنين. وعليه، تخشى الحلبة السياسية الإسرائيلية عودته، حيث بدأ عدد من أعضاء الكنيست من أنصار الحكومة والمعارضة معاً تحريك مشروع قانون يمنع درعي من العودة إلى مقاعد الكنيست والوزارة؛ كونه "من أصحاب السوابق" ومن "خريجي السجون"! نقلا عن جريدة الاتحاد الاماراتية