شهادة المشير حسين طنطاوي ليست مجرد شهادة في قضية جنائية، وانما هي شهادة علي تحول تاريخي هام في مسيرة الحركة الوطنية المصرية التي ألهمت دائما الحركات الوطنية في آسيا وأفريقيا، شهادة المشير طنطاوي ليست مجرد سرد لوقائع، وانما هي تأكيد لموقف قيادة وطنية لم تلتبس عليها الرؤية في فترة من فترات المد الثوري للحركة الوطنية المصرية. فالمشير حينما يدلي بشهادته امام القضاء فإنه يوثق موقفا سبق ان وقفه بقراره الحاسم في الانحياز المطلق الي جماهير الشعب المصري التي خرجت تتحدي الاستبداد وتقطع رأس الفساد، وهو حينما يدلي بشهادته امام القضاء العادل فإنه يؤكد شرف العسكرية المصرية التي كانت دوما علي رأس الحركة الوطنية المدافعة عن مصالح الشعب، والتي بدأت بصيحة عرابي في وجه الاستبداد »والله لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم«.. وهاهو الجيش المصري يضيف الي امجاده مجدا آخر ممثلا في قيادته العسكرية التي رفضت بإباء وشمم ان تطلق النار علي شعب يطالب بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية. ويهتف »والله الذي لا إله الا هو لن نورث ولن نستعبد بعد اليوم«. لم يلتبس الامر علي القيادة العسكرية في يناير حينما قررت ان تحمي الجماهير ولن يلتبس الامر ايضا امام القيادة العسكرية التي سوف تذهب اليوم في شجاعة وعزة الي القضاء المصري كي تكشف لنا تفاصيل الساعات الحاسمة التي اسقطت حكما لنظام طال استبداده، وعظم فساده واطلق النار علي شعبه، لكنه امام صلابة موقف القوات المسلحة سقط نظام الحكم وهو يتضعضع كبنيان هش صدئ المفاصل، كريه الرائحة. وحينما نحاكم رئيس الجمهورية وأركان حكمه فإننا نضرب المثل، ونرسم خارطة الطريق لكل الشعوب المقهورة في ان حركتها الجماعية تستطيع ان تقصف رأس الاستبداد »وتجريره« الي المحاكم كي تحاسبه علي ما فرط من أمره في زهو وشموخ وتضع رموز النظام البائد امام القاضي الطبيعي، وهو الذي وضع رموزنا الوطنية امام القضاء الاستثنائي والذي فصل القوانين كي يثبت بها أركان حزبه، فاذا غضبت الجماهير تلف هذه القوانين حول رقبته. وبذلك فان ذهاب المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري والقائد الاعلي للقوات المسلحة والفريق سامي عنان رئيس أركان حرب القوات المسلحة واللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق ووزيري الداخلية الحالي والسابق الي ساحة القضاء سوف يكتمل المشهد الديمقراطي ليكون عرسا حقيقيا يهدئ ارواح الشهداء وأسرهم وشعبهم، ويباهي بهذا المشهد امام الامم، فالقضاء في مصر الثورة هو السلطة الاعلي وفي اخلاق المشير طنطاوي والفريق عنان رئيس الاركان ما يغنينا عن التذكير بأن شهادتهم المتوقعة سوف تضع حدا للتكهنات التي اثيرت حول سيناريو الايام الاخيرة في حكم النظام المخلوع. جميع الشهادات التسعة للشهود من ضباط الداخلية قد تراوحت بين محاولة تأكيد الاتهام علي حبيب العادلي وزير الداخلية السابق ومعاونيه او نفي هذا الاتهام بقتل المتظاهرين. ولم تصل هذه الشهادات الي اتهام مبارك الرئيس السابق مباشرة وهو ما يفرض العودة الي اجتماع الرئاسة الذي حضره فقط الرئيس السابق مبارك وعمر سليمان نائب رئيس الجمهورية السابق ووزير داخليته المتهم حبيب العادلي والمشير طنطاوي وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة وربما المتهم جمال مبارك الابن. شهادة المشير هي التي يمكن ان توجه قضية قتل المتظاهرين الي منحي مختلف فأما ان تؤكد الاتهام علي المتهمين او تنفيه عن احدهم أو تثبته علي الآخرين واذا عدنا الي اول خطاب للمشير طنطاوي فأنه يتضمن ما اعتبر شهادة اختيارية امام التاريخ قبل ان تطلبها المحكمة ما جاء فيه: »احنا الحمد لله ربنا وفقنا.. ده ما كانش قرار فردي.. ما كانش قرار عشوائي، لكن كان في منتهي الصعوبة، واحنا اجتمعنا في ذلك الوقت واخذنا اراء بعضنا والشئ المشرف ان كل مجموعة المجلس الأعلي للقوات المسلحة كان القرار بتاعها. لا لا لن نفتح نيران علي الشعب.. وكان هذا هو القرار«. فأهمية وخطورة شهادة المشير طنطاوي انه بحكم منصبه شهد الاجتماعات المهمة التي ادارها الرئيس السابق لمواجهة احداث ثورة 52 يناير وهو الذي تسلم بصفته قائدا للجيش مهمة حماية الوطن والتعامل مع المظاهرات بقرار من رئيس الجمهورية مساء يوم 82 يناير الذي شهد انسحاب الشرطة والانفلات الامني والهجوم علي السجون وان شهادة المشير ستحسم بلاشك أمورا كثيرة في ادلة الثبوت وستكون قطعية في الدلالة ومؤثرة، باعتبار ان المسئولية التي كان في ظلها المشير كقائد عام للقوات المسلحة ووزيرا للدفاع تتيح له كثيرا من التفصيلات التي لا يعلمها احد.. لذلك فان شهادة المشير ستكون فاصلة.. بينما مؤيدو الرئيس السابق واثقون من ان شهادة المشير ستحسم براءته وستوضح للعالم كيف حافظ علي وطنه وشعبه باتخاذ قرار التنحي. من هنا فان هذه الشهادة تخضع في النهاية ليقين المحكمة واقتناعها، فمن الممكن ان يكون هناك عشرة شهود اثبات في قضية ولا تقتنع المحكمة بشهادتهم في حين انه يمكن ان يكون هناك شاهد اثبات واحد وتأخذ المحكمة بشهادته. اما ما يدعو للقلق فهو موقف بعض قيادات التيار الديني من اعتبار طلب المحكمة سماع شهادة المشير طنطاوي والفريق عنان ما يدخلنا في دوامة جدل سياسي يعطل مسيرة الثورة ويخلق الازمات في طريقها!! ولكنني أؤكد أن ما يجري داخل المحكمة هو الذي سيؤثر في حركة الجماهير في الشارع ويجعلها مطمئنة علي حركة الثورة.. وليس العكس تماما فان ما يدور في الشارع لن يؤثر في قرار المحكمة، وان شهادة المشير والفريق ستساعدان كثيرا في نجاح واستمرار الثورة والمطلوب من الجميع مساعدة المحكمة في توفير المناخ الملائم لضبط الجلسات الخطيرة لان شهادة كبار المسئولين هي شهادة بالغة الاهمية، المطلوب ان يرتفع المحامون.. كل المحامين المدعون بالحق المدني ودفاع المتهمين الي مستوي اللحظة التاريخية من عمر هذا الشعب الذي اصبح محط انظار العالم. ان قيادات القوات المسلحة اولئك رجال صنعوا التاريخ في فترة حاسمة من فترات المد الوطني وشهادتهم ليست تأكيدا لوقائع امام المحكمة فقط ولكنها شهادة للتاريخ وشهادة للشعب المصري.. وشهادة للحركة الوطنية التي كانت ولا تزال وستظل مصنعا للرجال العظماء وقامات رفيعة سوف تدلي بشهادتها امام محكمة الشعب بعد ان صنعت المواقف الوطنية التي جنبتنا صراعا دمويا حدث لاشقاء لنا في ليبيا وفي اليمن ولا يزال في سوريا! نقلا عن صحيفة الاخبار