إذا كان من الطبيعي أن يجد الفقراء في حاويات قمامة الأثرياء بقايا طعام أو ألعاب أطفال أو حتى مسجلات قديمة، فان وجود كتب قيمة ونادرة وموقع عليها بأسماء مؤلفيها أمر يثير الانتباه والأسى في النفوس، المثقفون على الأقل، حزنوا على مصير هذه الكنوز القيمة التي لم تجد من يصونها ويقدر قيمتها. هذه سلسة روايات «مدن الملح» لعبدالرحمن منيف موقعة بخط يده، وتلك رواية «أحياء في البحر الميت» للروائي مؤنس الرزاز موقعة باسمه بعثها إلى صديقه فلان، وكتب أخرى سياسية كانت اقتنتها هذه الشخصية المعروفة أو تلك.
ويقول أحد تجار «بالة الكتب» الموجودين في وسط العاصمة الأردنية عمان إن أحد ممارسي البحث في حاويات القمامة وجد ثلاثة صناديق من الورق المقوى تضم كتباً نادرة من سلسلة «عالم المعرفة» في إحدى الحاويات، فاحضرها لي فاشتريتها ب 50 ديناراً. ويضيف: «لم يعرف هذا الباحث ان ما وجده كنز».
أبناء الأثرياء خصوصاً من الذين لا يعرفون أهمية الكتب النادرة التي كان يقتنيها آباؤهم الذين انتقلوا إلى رحمة الله سيتخلصون منها فوراً وأسهل طريقة هي في الطلب من الخادمة حمل هذه الكتب إلى حاوية القمامة، هنا سيأتي دور الباحث في الحاويات.
وتلتصق منطقة وسط البلد في ذاكرة الأردنيين بكل من يرغب في تثقيف نفسه، إذ تتزين هذه المنطقة بأكشاك وبسطات و«بالات» تتوفر فيها كل أصناف الكتب الدينية والثقافية والروائية فضلاً عن الكتب السياسية والفكرية التي تعد الأكثر مبيعاً عن غيرها من الكتب،
كما تتوفر الكتب الجامعية التي يحتاج إليها الطلبة لكتابة أبحاثهم، ولا يعجز القارئ في حصوله عن أي كتاب. وتتفاوت أعمار الزبائن من السن 12 إلى 70 عاماً ولكلٍ متطلباته، علماً بأن هناك أعماراً صغيرة تقرأ الأدب الروسي، وغيرهم ممن يطلب الكتب العادية مثل الطبخ وما شابه.
يقول أبو محمد صاحب بالة كتب في وسط عمان: «ليس دائماً أحصل على هذه النوعية من الكتب، فهناك من يمتهن سرقة الكتب لبيعها لتجار الجملة»، فيما يشتكي بأنه مضطر على الدوام إلى التعامل مع أي شخص يعرض عليه شراء الكتب، ويعترف بأنه في بعض الأحيان يكتشف أن هذه الكتب مسروقة.
ويقول إن أطرف ما مر عليه اكتشافه أن مجموعة من الكتب الدينية التي عرضت عليه مسروقة من أحد المساجد. ويقول: «حاول السارق شطب ختم المسجد على هذه الكتب ولكنه نسي أن يشطب أحدها فعرفت أنها مسروقة من المسجد الفلاني وأعدتها إليه».
أما عن الكتب الأكثر مبيعاً فهي الكتب الدينية، والمجلات قديمة الأعداد الخاصة بالمرأة، والتي تعود إلى فترة السبعينات. وللالتفاف على الأوضاع الاقتصادية المزرية لبعض المواطنين الأردنيين بدأت بعض الأكشاك بإعارة الكتب والمراجع مثل التراث الإسلامي والكتب التاريخية والأدبية والقصص القصيرة والروايات
فضلاً عن كتب الطهي وقصص الأطفال، خصوصاً أن نسبة الإقبال على شراء الكتب تراجعت كثيراً عما كانت عليه سابقاً. ويعتبر أصحاب بالات الكتب أن الفضائيات والانترنت إحدى الوسائل المنافسة التي استطاعت أن تحد كثيراً من تجارتهم بعد أن ساهمت في ابتعاد الناس عن الكتاب.