أكد الدكتور خالد عزب؛ مدير إدارة المشروعات الخاصة بمكتبة الإسكندرية، عدم وجود صناعة نشر في الوطن العربي، بل هي مطابع للكتب وهيئات ودور تعيش على ميراث قديم أو بدعم مستمر من الدولة، أو تقتات على نشر الكتاب الجامعي، أو تستغل حفنة مما تبقى من أسماء عربية لامعة في عالم الكتابة دون أن تخرج أجيال جديدة. وأضاف أن غالبية الناشرين ليست لديهم خطط مسبقة للنشر، ولا يهتمون فيما ينشرونه سوى بتحقيق مكسب مادي. وشدد على أن تحميل جهة بعينها المسئولية أمر فيه اختزال للمشكلة في طرف واحد دون بقية الأطراف التي أجملها في: هيئات الكتب الرسمية، واتحاد الناشرين العرب، واتحاد الكتاب العرب، والصحف ووسائل الإعلام، وكليات الفنون الجميلة والتطبيقية، ودور النشر العامة والخاصة، وغرف صناعة الطباعة والمطابع، ووزارات المالية، ووزارات الصناعة لمسئوليتها عن صناعة الورق. وأشار إلى أن عدم وجود صناعة نشر في العالم العربي لا ينفي وجود تجارب نشر تستحق الإشادة، ففي الهيئة العامة المصرية للكتاب نجحت سلسلة تاريخ المصريين في سد فراغ كبير في التاريخ المصري، وقدمت مؤرخين شباب للساحة الثقافية المصرية والعربية، حتى أضحت مرجعا لا غنى عنه لأي باحث. كما أن هناك تجربة المشروع القومي للترجمة الذي ينفذه المجلس الأعلى للثقافة في مصر؛ حيث تتنوع اللغات المترجم منها إلى العربية، وتتنوع الموضوعات المترجمة، وتظهر الجدية في كل ما ينشر، مما دفع هذا المشروع ليحتل مكانه مرموقة على الساحة الثقافية العربية، كما نجح في تخريج جيل جديد من المترجمين الشباب ممن سيكون لهم أثر كبير في السنوات القادمة. وقال عزب في المحاضرة التي ألقاها أمس الأربعاء في هيئة أبوظبي للثقافة والتراث بالإمارات العربية المتحدة تحت عنوان "مستقبل الثقافة العربية"، إن هناك جدلا عميقا على الساحة الدولية حول مستقبل الثقافة؛ حيث يبدأ الحوار في كل دولة من دور المثقفين، إلى مدى أهميتهم، ودور الثقافة في بناء خصوصية المجتمع والدولة، لافتا إلى أن المثقف هو من يعمل في أي مجال من مجالات إنتاج المعرفة أو نشرها. وأوضح أن قوة المعرفة هي التي تحدد في الوقت الراهن مدى تقدم أي دولة أو مجتمع، كما أن صناعة المعرفة هي أداة الدولة، بينما يتمثل الهدف في حيازة المعرفة. وأشار إلى أن صنّاع المعرفة لم يعودوا هؤلاء المثقفين التقليديين، بل إنهم ينقسمون اليوم إلى: الأفراد المبدعين، والمؤسسات الحكومية كوزارات الثقافة والهيئات الثقافية، والمجتمع المدني؛ سواء في شكل مؤسسات الفكر العربي التي قامت على دعم مجموعة من الشخصيات العامة العربية، أو الأفراد مثل مجلة أخبار الثقافة الجزائرية وموقع دار الكتب الإلكتروني المصري الذي قام على أكتاف مجموعة من الشباب. وأكد في حديثه عن المجلات الثقافية أن مجلة العربي الكويتية مازالت تتربع على عرش المجلات الثقافية العربية؛ فهي ولدت عربية الطابع وقدمت خدمات جليلة للثقافة العربية، إلا أننا الآن أمام حالة جديدة تتمثل في ظهور مجلات ثقافية رقمية على نحو مجلة أخبار الثقافة الجزائرية التي أخرجت لأول مرة الثقافة الجزائرية من محيطها الوطني الضيق إلى الوطن العربي الكبير عبر جهود تطوعية من مثقفين، فأنهت احتكار وزارة الثقافة الجزائرية للإصدارات الثقافية، وظهر ما يسمى "المثقف المستقل". ولفت إلى أننا نفتقد في العالم العربي مجلات مثل: "عالم الفكر" الكويتية، و"المورد" العراقية، و"فصول"، و"المخطوطات العربية" وغيرها من المجلات التي تأخذ منحى العمق فيما تنشره وتكشف عن مفكرين وفلاسفة ومبدعين، مشيرا إلى أن هذه المجلات تعثرت في السنوات الأخيرة.