علي مدار 7 سنوات - هي عمر وجود الظاهرة في مصر - قهرت السحابة السوداء الحكومات المتعاقبة، فبين برامج لمحاصرة هذه السحابة وبين خطط وضعها وزراء البيئة المتعاقبون انتصرت السحابة السوداء، وجاءت لتظهر بوجهها الاسود هذا العام مبكراً عن الاعوام السابقة، وتسبب حرجاً لحكومة نظيف التي فشلت في التعامل معها منذ توليها رئاسة الحكومة. وهذا العام بدأت الاجتماعات مبكراً للتصدي لهذه الظاهرة التي تمردت علي مجهودات المسئولين التي فشلت في مواجهة السحابة السوداء. هذا في الوقت الذي تركت فيه الحكومة المزارع يواجه الازمة بمفرده ولم يجد امامه سوي حرق قش الارز لتزداد السحابة السوداء سوادا، وتحمل معها كل اسباب مرضه ومرض الاخرين. قصة سحابة مصر السوداء هي نفس القصة التي تتكرر كل عام وربما بنفس السيناريو ولكنها بدأت بسيناريو مختلف جداً في عام 1999 ساعدها في الاستمرار الي الان بدون اي حلول، فقد نشبت معارك ضارية بين وزارتي البيئة والزراعة في هذا الوقت، فوزارة البيئة تتهم قش الارز صراحة بالتسبب في السحابة السوداء ووزارة الزراعة اصدرت تعليماتها الي مديريات الزراعة بالمحافظات بمنع حرق قش الارز وتغريم المزارعين غرامة كبيرة، ومع ذلك استمرت السحابة السوداء واستمر المزارعون في الحرق. واستمر التراشق بالالفاظ وتوزيع الاتهامات بين مسئولي وزارتي البيئة والزراعة وكانت وزيرة البيئة في هذا الوقت الدكتورة نادية مكرم عبيد تستقل المروحيات وتصور الحرق جواً، لتثبت انه مازال مستمرا في الحقول، ووسط كل تلك الاتهامات تناسي الجميع السبب الحقيقي في حدوث السحابة السوداء وتجاهلت وزارة البيئة والزراعة تحذيرات مراكز الابحاث التي اكدت عدم وجود علاقة بين حرق قش الارز والسحابة السوداء والتفت كل منهما الي الصراع القائم بينهما بعيدا عن الوصول لعلاج لمثل تلك الظاهرة. اما بعد ذلك فالسيناريو اختلف تماما فقد اتحدت وزارتا البيئة والزراعة مع بعضهما لتبرير استمرار الظاهرة وراح كل منهما يدافع عن الاخر، وحملا المزارع مسئولية كل ما يحدث. الكارثة الاكبر من ذلك هي التضارب الواضح في تقارير الحكومة ومراكز الابحاث وجمعيات حقوق الانسان في تفسير سبب الظاهرة وتطابقت معها نتائج دراسات قامت بها هيئات ومراكز بحثية في وزارتي البيئة والزراعة كشفت ان حرق المخلفات الزراعية وخاصة قش الارز خلال شهري أكتوبر وسبتمبر من كل عام مسئول عن حدوث تلوث للهواء بنسبة 72% وهو ما يؤدي الي ظهور السحابة السوداء في نفس الوقت من كل عام، ليس هذا فقط بل راح التقرير يحذر من استمرار حرق قش الارز لأن ذلك يرفع من معدلات السحابة السوداء في سماء القاهرة. اما مركز الارض لحقوق الانسان فقد كشف زيف التقرير الحكومي حيث اكد ان احد اهم الاسباب للسحابة السوداء من تراكم الملوثات التي تملأ هواء القاهرة علي مدار 20 عاما مضت حيث ان حرق المخلفات البلدية تمثل 36% من اسباب ظهور السحابة السوداء، والانبعاثات الصناعية تمثل 32% وعوادم المركبات تمثل نحو 26% اما حرق قش الارزق والمتهم فيه الفلاح المصري فلا تزيد نسبته علي 6% فقط، وهو الامر الذي يؤكد براءة قش الارز من التسبب في ظاهرة السحابة السوداء. وأورد التقرير اسباب ظهور السحابة السوداء في نفس هذا الوقت من كل عام الي ظاهرة الانعكاس الحراري او الاحتباس الحراري التي تؤدي الي عدم استقرار الظروف المناخية وضعف حركة الهواء في هذا الوقت من العام ساعد علي انتشار السحابة السوداء حيث تتركز الملوثات في طبقات الجو، ولأن ظاهرة الاحتباس ظاهرة مناخية جديدة علي مصر ولم تظهر الا في السنوات العشر الاخيرة ظهرت معها ظاهرة السحابة السوداء. نفس النتائج توصلت اليها مراكز الابحاث العلمية تقريبا ولكنها وقفت علي حقيقة مهمة وهي امكانية القضاء علي الظاهرة في بدايتها وانحسارها تماما، ولكن الامر يصعب تطبيقه الآن، لان الظاهرة استفحلت مما يتطلب معها جهدا غير عادي وامكانات يصعب توفرها في مصر الآن للقضاء عليها.