لم يكد اللواء عماد شحاتة ميخائيل محافظ قنا الجديد يؤدي اليمين الدستورية بعد تكليفه كمحافظ حتي اندلعت المظاهرات في قنا, ووصل الأمر إلي قطع خطوط السكك الحديدية وإزالة القضبان, ومحاصرة مبني ديوان عام المحافظة للمطالبة بتغيير المحافظ الجديد قبل أن يتسلم عمله. خرجت المظاهرات بمجرد الإعلان عن اسمه وصفته. وبصراحة أكثر المظاهرات خرجت لأن المحافظ قبطي ورفض المواطنين هناك فكرة أن تكون قنا مستودعا للمحافظين الأقباط, وإن كان هناك من حاول تبرير المظاهرات بسبب خلفية المحافظ الأمنية كضابط شرطة ومدير للإدارة العامة لمباحث التهرب الضريبي, فإن هذه الحجة واهية, فهناك الكثير من المحافظين ممن لهم خلفيات أمنية ولم تحدث مثل تلك المشكلات أو التظاهرات, وبالتالي فإن التفسير الطائفي هو الأقرب للحقيقة, رغم محاولة إخفاء ذلك منعا لإثارة النزعة الطائفية البغيضة, إلا أنها الحقيقة التي لابد من مواجهتها والمصارحة بها قبل أن تتفاقم تلك الظاهرة الخطيرة. محافظ قنا السابق كان مسيحيا, ورغم ذلك دخل في العديد من المواجهات مع المسيحيين حينما اقتضي الأمر ذلك ولم يشك المسلمون أبدا من انحيازه أو تعصبه بغض النظر عن صحة قراراته, وبالتالي فإن خروج المظاهرات لمجرد أن المحافظ قبطيا خطأ جسيم وغير مقبول ولا معقول علي الإطلاق. الحكومة من جانبها أخطأت هي الأخري, وتخطئ حينما تخصص وزارات أو محافظات بعينها للمسيحيين مثل وزارة البيئة مثلا, أو محافظة قنا, لأنها تعطي انطباعا خاطئا بتخصيص هذه الوزارة أو تلك المحافظة للمسيحيين فقط, وهذا خطأ في حد ذاته, لأن المواطن المسيحي من حقه أن يكون محافظا للقاهرة أو الجيزة كما قنا تماما. وكذا من حقه أن يكون وزيرا للسياحة أو الاقتصاد أو الزراعة كما البيئة طالما هو يستحق ذلك ويمتلك مقومات الكفاءة والقبول والمعايير التي تنطبق علي المسلم والمسيحي دون تمييز. ما حدث في قنا مؤشر خطير للنزعة الطائفية غير المقبولة, فالمواطنة خط أحمر يجب عدم المساس به, رغم أن الحكومة هي التي بدأت بالخطأ حتي وإن لم تقصد حينما استهدفت محافظات أو وزارات بعينها, بالتعيينات القبطية, ولكن هذا لا يبرر رد فعل بعض المواطنين الطائفي وكان من الأولي الانتظار قليلا للحكم علي أداء المحافظ الجديد وعدم محاسبته علي شخص سلفه أو علي ديانته. الأهم من هذا كله, هو ضرورة إعادة النظر في طريقة اختيار المحافظين فلم يعد مقبولا أن يتم اختيارهم بالتعيين في وقت يتم فيه اختيار رئيس الجمهورية بالانتخاب. لابد من نسف قانون الإدارة المحلية بكامله, ليصبح اختيار المحافظين بالانتخاب الحر المباشر عبر وسائل الاقتراع وإلغاء التعيين في منصبي العمدة والمحافظ باعتبارهما أهم منصبين في الإدارة المحلية, وقد كان العمدة بالانتخاب حتي وقت قريب, وبالتالي فإن عودة انتخابه أمر طبيعي, أما انتخاب المحافظ فهو أمر يتماشي مع تطورات الوضع الديمقراطي في مصر, وحرصا علي أن يشارك المواطن في اختيار محافظه, لأنه المنصب الأهم بالنسبة له, وربما يكون أهم من رئيس الجمهورية لدي سكان المحافظة, لأنه المختص برصف الطرق ومياه الشرب والصرف الصحي وتوفير الخبز وأنابيب البوتاجاز وغيرها من احتياجات المواطن اليومية, وبالتالي إذا جاء المحافظ وهو يعلم أن صوت المواطن هو الذي أتي به فسوف يضع ذلك دائما في اعتباره, لأن استمراره في منصبه يتوقف علي مدي رضا المواطن عنه. أما أن تظل الحكومة مهيمنة علي شئون المحافظات ولا تريد لها أن تتنفس بعيدا عنها, فذلك أصبح لايتنافي مع ظروف الوضع الجديد بعد الثورة والدعوة إلي تعميق اللامركزية. تغيير قانون الإدارة المحلية لابد أن يعطي المزيد من الصلاحيات للمحليات بحيث تصبح كل محافظة إقليما اقتصاديا له ميزانيته وموارده ومشاريعه الخاصة, علي أن تحتفظ الحكومة المركزية بالتخطيط العام والتنسيق والمراجعة, وهذا لا يقلل من دور الحكومة المركزية وأهميتها. المحافظ وحكومته المحلية إذا جاز التعبير سوف تكون عنصرا مساعدا للحكومة المركزية وتخلق منافسة بين المحافظات لتحقيق أعلي معدلات النمو والإنتاج والانضباط والنظافة لينتهي دور المحافظ الحالي الذي ينحصر في تنفيذ تعليمات الحكومة المركزية ولا يمتلك أي صلاحيات ملموسة مكتفيا بدور البوسطجي الذي يحمل الطلبات إلي الحكومة المركزية التي لا تعترف إلا بالعاصمة والمناطق القريبة منها. وبمناسبة العاصمة والمناطق القريبة منها, فقد أخطأت الحكومة أيضا حينما خضعت لضغوط البهوات أصحاب الصوت العالي وألغت محافظتي حلوان و6 أكتوبر, وكأنهما سبة وعيب رغم أن تفتيت العاصمة لمصلحة الأهالي والخدمات وليس العكس, ولكنه من الواضح أن أصحاب الصوت العالي مازالوا يكسبون!! نقلا عن صحيفة "الاهرام" المصرية