وقع جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس المتخصص في نشر وثائق سرية في مصيدة الجنس التي سقط فيها قبله كثير من الشخصيات العامة, بعضهم مناضلون كانوا أقوياء في مواجهة خصومهم لكنهم ضعفاء أمام غرائزهم ونزواتهم. كان السقوط في مصيدة الجنس أحد عوامل انهيار رجال ضعفوا امام نساء رغبوا فيهن أو فتنوا بهن أو وقعوا في إغوائهن أو التقطت لهم صور معهن في مواضع جنسية. ولأن العجز عن السيطرة على ميول غرائزية يمثل نقطة ضعف خطيرة فقد استغلته أجهزة أمن ومخابرات وسيلة لاصطياد زعماء وسياسيين بوسائل شتى من بينها توريطهم في علاقات جنسية وتصويرهم أو تلفيق تهم ذات طابع جنسي وتوجيهها ضدهم. لكن قضية أسانج في السويد ليست ملفقة فهناك بلاغان ضده قدمتهما أنا أردين وصوفيا ويلين اللتان أقام علاقة جنسية مع كل منهما. وهما ليستا مدفوعتين من أجل الإيقاع به, ولا تعملان لمصلحة الولاياتالمتحدة أو غيرها. فقد اتهمته كل منهما بالتحرش بها نكاية في الأخرى, وقبل ان يشرع في نشر الوثائق الأمريكية السرية التي أثارت غضب الولاياتالمتحدة ودولا أخرى بنحو عام كامل. ولذلك يصعب الحديث عن مؤامرة محبوكة ضده بالرغم من وجود تعسف واضح في ملاحقته قانونيا بطريقة لا تخلو من إساءة استغلال القانون والقضاء, فقد طلب القضاء السويدي إلى الانتربول الدولي إلقاء القبض عليه بموجب مذكرة توقيف أوروبية بالرغم من أنه لم يوقفه خلال التحقيق معه في العالم الماضي. كما يبدو موقف مسئولين أمريكيين كبار مخجلا بمعايير الديمقراطة والشفافية والتعبير الحر فقد سلكوا مسلكا لا يحدث مثله إلا في دول غير ديمقراطية وهو البحث عن ترزية قوانين لتفصيل إجراءات قانونية تتيح محاكمة اسانج بتهمة التجسس. غير أن هذا كله لاينفي أن سلوك أسانج الشخصي هو الذي أتاح ملاحقته, فقد وقع الشخص العام الذي يواجه أكبر قوة عالمية ضحية سلوكه الخاص الذي أوقعه في مصيدة صنعها هو ويحاول خصومه الآن وضعه فيها, وهذه حالة عرف التاريخ مثلها بشكل متكرر فمشكلة أسانج ليست فيمن يسعون لاصطياده بل في ضعفه الواضح امام النساء وعجزه عن ضبط سلوكه وعدم قدرته على أن ينأى بنفسه عن مواضع يمكن أن تضعه تحت طائلة القانون. فقد سلك سلوكا أبعد ما يكون عن الانضباط الذي ينبغي أن يتحلى به اصحاب الرسالة وغيرهم ممن يخوضون معارك عامة كبيرة فالانتصار في هذه المعارك يتطلب قوة اخلاقية ومعنوية هائلة لا تتوافر لدى من يضعفون أمام النساء أو المال أو يتركون أنفسهم نهبا لعلاقات قد يترتب عليها ما يشينهم أو يسهل الايقاع بهم حتى إذا كان القانون لا يحظرها. والحال ان ضعف اسانج الشخصي أوقعه في معضلة أدت إلى اتخاذ إجراءات قانونية في حقه فصار سهلا لمن يريدون الايقاع به ملاحقته فقد أقام علاقة جنسية مع فتاتين بشكل متزامن مستهينا بما قد يترتب على ذلك, ولذلك كانت مصيبة كبيرة عندما عرفت كل منهما أنه على علاقة مع الاخرى فاتفقتا ضده وقدمت كل منهما بلاغا إلى الشرطة التي أحالت البلاغين إلى القضاء وحققت النيابة فيهما ثم حفظتهما وغادر هو السويد, لكن الفتاتين المصرتين على ملاحقته جددتا بلاغهما وقدمت كل منهما ما تعتبره أدلة جديدة في غضون ذلك تداخلت هذه المسألة الخاصة مع قضيته العامة بعد أن اصبح موقعه الالكتروني صداعا في رأس القوة الأكبر في العالم ودول أخرى تريد كلها رأسه. لكنه لاينبغي أن يلوم إلا ضعفه الإنساني وتهوره في ميدان العلاقات النسائية, فضلا عن استخفافه بالطرف الآخر في هذه العلاقات وموقفه المتخلف تجاه المرأة على نحو يتعارض مع إيمانه القوي بالحرية فلم تكن استهانته بعواقب إقامة علاقة جنسية مع فتاتين في آن معا إلا تعبيرا عن استخفاف بهما وظهر هذا الاستخفاف ايضا ممزوجا بقسوة وغلطة في علاقة اخرى عابرة كشفتها طالبة في جامعة ملبورن كانت قد قابلته في حانة قرب الجامعة ووجدت نفسها مقبلة عليه ومرتاحة إليه وروت الطالبة لصحف بريطانية انهما تبادلا عنواني بريدهما الالكترونيين في تلك المقابلة التي قبلها فيها لكنها رفضت دعوته إلى الخروج معا فاتصل في اليوم التالي بمنزل أهلها برغم أنها لم تعطه الرقم وبعث لها رسائل وصفتها بأنها قاسية تضمنت أحاديث اباحية. ونشرت صحيفة ديلي ميل بعض هذه الرسائل في عددها الصادر يوم17 ديسمبر الحالي مصحوبة بتصريحات للفتاة أكدت فيها أنها لم تفكر في الابلاغ ضده ولا تعتبره برغم كل هذا شخصا سيئا. والأكيد أنه ليس كذلك فعلا لكن أسوأ ما فيه ضعفه الغريزي وقلة حرصه واستهانته المفرطة الأمر الذي يعطي خصومه مداخل حين يحاولون الايقاع به, وهذه نقطة ضعف خطيرة في أي شخص عام يحمل رسالة قد تضعه في مواجهات أو تدخله في مواجهات أو تدخله في معارك ضد قوى كبيرة لأن صموده يتوقف على عوامل من أهمها مدى مناعته أخلاقيا. ويختلف هذا النوع من الشخصيات العامة أصحاب الرسالة عن غيرهم وخصوصا أولئك الذين يعانون نقطة الضعف هذه لكنهم يمتلكون قوة السلطة أو المال أو النفوذ أو كلها مجتمعة مثل رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني الذي تتراكم قصص علاقاته النسائية منذ سنوات دون ان تنال منه حتى الآن. فأمثال برلسكوني يملكون القوة التي تمكنهم من موازنة تداعيات ضعفهم تجاه المرأة وكذلك الحال بالنسبة إلى ساسة ورجال دولة يقيمون علاقات هربا مما أسماه رئيس الوزراء البريطاني الاسبق توني بلير في مذكراته سجن ضبط النفس الذي تفرضه عليهم المسئولية السياسية فقد تحدث بلير في مذكراته التي صدرت في نهاية الصيف الماضي عن حاجة بعض الساسة للخروج من عالم الصراعات والمشكلات إلى ما أسماه جزيرة نائية من المتعة, ومن سجن ضبط النفس إلى فضاء الغريزة الحر. لكن أسانج ليس واحدا من هؤلاء الذين يتحصنون وراء قوتهم السلطوية أو المالية بل هو واحد ممن يواجهون اصحاب هذه القوة استنادا إلى قوة أخرى اخلاقية تستدعي أكبر مقدار من ضبط النفس الذي لم يتوافر لديه الكثير منه. نقلاً عن صحيفة الأهرام المصرية