انتقلت فرنسا هذا العام من عصر الي عصر ومن جيل الي آخر فودعت رئاسة جاك شيراك بكل ما كانت تحمله من تاريخ وما كان يمثله الرئيس الفرنسي السابق من فكر جيل الحرب العالمية الثانية واستقبلت رئاسة نيكولا ساركوزي بكل ما يحمله لها من وعود وما يمثله من رؤي مستقبلية وأسلوب عمل جيل جديد يمثل انفصالا كاملا مع الماضي. فقد شكلت الحرب لدي السياسيين الأوروبيين فكرا يعتز بالاستقلالية في القرارات والحرية السياسية والمحافظة علي السلام وانعكس هذا الفكر في موقف شيراك من حرب العراق وتصديه لقرار إدارة بوش في عام2003 وصدامه المفتوح مع الرئيس الأمريكي ودعوته الي اللجوء للطرق الدبلوماسية سواء مع العراق أو إيران أو سوريا لتكون سياساته امتدادا لسياسة الزعيم الأول للجمهورية الخامسة شارل ديجول ولكل الرؤساء الذين جاءوا من بعده. ولكن جاء ساركوزي ليتغير الموقف الفرنسي فرغم انه أكد رفضه لغزو العراق إلا انه لم يغلق باب الحرب تماما. فقد ساند ساركوزي واشنطن في حربها ضد الإرهاب وأعلن في زيارته الاولي لكابول' لا يجب أن نخسر الحرب ضد الإرهاب هنا في أفغانستان' ولم يتردد في أن يعلن أن' خطر الحرب في إيران قد يتفجر أن اعتبر الإسرائيليون أن برنامجها النووي يهدد أمنهم' ومن جهة أخري أكد ساركوزي اعتزامه مراجعة موقف فرنسا من بقائها خارج الجناح العسكري في حلف الاطلنطي وهو القرار الذي اتخذه ديجول في الستينات حتي تظل فرنسا حرة في قرار الحرب. وان كان شيراك قد اختار المواجهات الصادمة سواء مع الولاياتالمتحدة أو مع دول أوروبا الشرقية قبل انضمامهم الي الاتحاد الأوروبي أو مع سوريا حول لبنان فان ساركوزي قد أختار المواجهة الصريحة واللقاءات الشخصية لتكون أسلوبه. فقد توجه الي واشنطن ليؤكد للرئيس بوش انه حليف لأمريكا ولكنه' حليف مرفوع الرأس' والتقي مع حلفائه الأوروبيين لكي يقنعهم بضرورة الموافقة علي' المعاهدة الأوروبية' بديلا للدستور وقرر أن تكون المواجهة حاسمة مع ليبيا رغم كل الانتقادات الداخلية والخارجية لكي تعود الي الساحة العالمية وتستطيع فرنسا أن تحسم معها العقود الاقتصادية وقرر التوجه بنفسه الي تشاد لإخراج طاقم الطائرة المحجوزين في قضية خطف الأطفال. وان كان الرؤساء في الماضي قد التزموا بالمحظورات التي لا يجب تجاوزها فقد اختار ساركوزي تجاوز كل المحظورات حتي مع خصومه داخليا فاختار حكومة تضم عناصر من الأحزاب المعارضة مثل الاشتراكيين والوسط وعندما تفجرت الإضرابات في الساحة الاجتماعية قرر التوجه بنفسه الي حيث الإضطرابات العمالية لعقد حوار مباشر مع الغاضبين. وأمتد هذا الأسلوب المباشر والصريح حتي في حياته الخاصة. هذا الأسلوب والفكر الجديد جعل ساركوزي يصبح موجودا بشدة علي الساحة الإعلامية وفي الحياة السياسية وأوجد حوله جدلا كثيرا ولكن ساركوزي لا يخاف الجدل بل هو جزء من تكوينه!!