ما بين الإعلام والإعلان علاقة وطيدة لأن كليهما لا يمكن ان يستغني عن الآخر.. ورغم التعارض الشديد في الدور والرسالة والمسئولية إلا ان التداخل في طبيعة العمل الإعلامي والإعلاني وصل بهما إلى منطقة واحدة من حيث الأهمية والتأثير رغم خطورة هذا التداخل الذي أفسد دور الإعلام وشوه طبيعة الرسالة الإعلانية. في الفترة الأخيرة ثار جدل طويل حول الصورة السيئة التي ظهر بها الإعلان المصري وكيف تحول إلى وحش كاسر اجتاح في طريقه الكثير من الثوابت والتقاليد بل والأخلاقيات التي ينبغي ان تحكم هذه النوعية من الأنشطة ان الأزمة الحقيقية الآن ان الفواصل والحدود التي كانت تحدد دور الإعلام ومسئولية الإعلان قد اختلطت وأصبح من الصعب تحديد هوية كل نشاط من هذه الأنشطة.. ان الإعلام في بديهياته نشاط ثقافي وفكري هدفه الحقيقة وهي بكل المقاييس مسئولية أخلاقية، اما الإعلان فهو نشاط تجاري هدفه الإعلان والترويج، والإعلام يلتزم بالوقائع بينما الإعلان لا يرفض المبالغة للوصول إلى الهدف.. ومنذ اختلطت الأدوار أصبح الإعلام دعاية وأصبح الإعلان غابة من الأشكال التي أفسدت دور الاثنين معا.. منذ تسلل الإعلام بضراوة إلى بلاط صاحبة الجلالة اساء لدورها ومسئوليتها وخسرت الصحافة في ظل هذا الخلط الكثير من مصداقيتها وخسر الإعلان شفافيته ومسئولياته. لقد تحول الإعلان في أحيان كثيرة إلى وسيلة إعلامية لتضخيم الأدوار وتزييف الحقائق وتسربت الصفحات الإعلانية لتأخذ مكان الدور الإعلامي ولجأ المسئولون في مؤسسات الدولة إلى شراء الصفحات الإعلانية تحت شعار إعلامي فزيفوا الحقائق وقدموا للناس أوهاما وأحلاما أبعد ما تكون عن الحقيقة.. هناك مجالات كثيرة ضللت الناس من خلال الإعلانات الكاذبة عن مشروعات وانتاج وأرقام أبعد ما تكون عن الحقائق.. وأصبح مندوب الإعلانات في الصحيفة أهم وأخطر من أكبر الكتاب فيها. وفي ظل الإعلانات الكاذبة تحولت الصحف أحيانا إلى أبواق لصاحب القرار، وأمام إغراءات مالية مذهلة أصبح سوق الإعلانات أهم كثيرا من كل ما يكتب أصحاب الفكر. خضعت الصحف لسطوة الإعلان تحت دعوى تغطية النفقات وتمويل النشاط الإعلامي.. ومع هذا خضعت أيضا لسطوة المسئولين الذين يدفعون الملايين في حملات إعلانية لتجميل القبح وتشويه الحقائق.. ومع اتساع صفحات الإعلانات في الصحف جاء هذا كله على حساب المادة الإعلامية ممثلة في الخبر والرأي والتحليل والتعليق والخدمات الصحفية المختلفة، وقبل هذا كله جاء على حساب المصداقية أهم وأخطر عناصر النشاط الإعلامي.. فتراجع دور الفكر والثقافة وأصبحت الصفحة الإعلانية قادرة على ان تطيح برأي الكتاب وأصحاب الرأي. كانت المهزلة الأكبر ما فعله الإعلان بالفضائيات والقنوات التليفزيونية، فقد بدأ سيطرته بالتدريج في دقائق معدودة حتى أصبح مهيمنا على كل أنشطة الفضائيات ابتداء بالبرامج وانتهاء بالمسلسلات مرورا على أسعار المذيعين في سوق الإعلام. أن سعر المسلسل الأن يتحدد على ضوء الإعلانات التي يمكن الحصول عليها وبدأ النجوم الكبار يسوقون المسلسل بإعلاناته وليس بما فيه من مقومات فنية أو درامية أو قيم أخلاقية.. وقد ترك ذلك آثارا سيئة على المستوى الفني للأعمال لأنه يكفي اسم النجم وقيمة الإعلانات التي سيحصل عليها وبعد ذلك لا يهم المستوى ولا القيمة.. ولعل ذلك كان سببا في ظهور أعمال فنية هابطة من حيث القيمة، وقد كان ذلك سببا في دخول أسماء كثيرة لمجالات الإنتاج الفني وهي غير مؤهلة لهذه الأنشطة فكرا وذوقا ورسالة.. ونجح الإعلان في ترويج الفن الهابط وتشجيع الإنتاج السيئ وقبل هذا كله نصب المال سلطانا على كل أسواق الفن ابتداء بالسينما وانتهاء بالمسلسلات. لم يكتف الإعلان بهذا الدور السيئ ولكنه تسلل إلى البرامج وأصبح آداء المذيع يقيم بحجم ما يجمع في برنامجه من الإعلانات دون تحديد قيمة البرنامج أو ما يقدمه للناس.. وحين تحولت المسلسلات إلى صفقات تجارية وأصبحت الأفلام مشروعا تجاريا وأصبح البرنامج يباع دون النظر لقيمة ما يقدم سيطرت مافيا الإعلانات على سوق الفن في مصر انتاجا وترويجا ونجوما.. في ظل الإعلان الهابط انتشر الفن الهابط وأيضا الجمهور الهابط الذي افتقد الذوق السليم الذي تربى عليه المصريون زمنا طويلا. لم يكتف الإعلان بالإطاحة بالفن الجميل ولكنه بدأ رحلة أخرى مع أنواع جديدة من الجرائم.. لقد كان سببا في انتشار أنواع من الأدوية تحت مسميات كثيرة في مقدمتها المنشطات الجنسية والعلاج بالأعشاب، وشجع ذلك على انتشار أنواع من المخدرات تحت دعوى الصحة العلاجية.. والأخطر من ذلك ان الإعلان فتح أبوابا كثيرة للخزعبلات والعلاج بالعفاريت والأرواح ونشر هذه الأفكار المتخلفة باسم الدين والطب والصحة.. ولا شك ان ذلك كله انعكس على سلوكيات الناس بكل جوانبها الأخلاقية والدينية. في ظل كوارث الإعلانات حدثت انقسامات خطيرة في السلم الاجتماعي في مصر.. نحن أمام شاشات تثير الحقد الطبقي بكل ألوانه وأنواعه نحن أمام أنواع من الأطعمة الجاهزة لا يقدر عليه بسطاء الناس ورغم هذا يلح عليهم آلاف المرات كل يوم.. ويشاهد الأطفال الصغار من أبناء العشوائيات نماذج مستفزة من المشروبات والأطعمة.. نحن أمام أنواع من الفيلات والقصور وأسعارها المحبطة بالملايين وهناك 13 مليون شاب بلا عمل. نحن أمام أنواع من السيارات والملابس التي تطارد البسطاء كل يوم على الشاشات نحن أمام كروت بنكية لا يعرف المواطن المصري كيف تعمل وكيف يحصل عليها.. والأخطر من ذلك ان نجد شابا يتقدم طالبا يد فتاة فيكون الرد.. الشبكة خاتم سوليتير حجمه قيراط وفي نهاية الإعلان ان البنك سوف يقدم لك قرضا لشراء الخاتم.. ان الخاتم السوليتير هذا ثمنه يتراوح بين 60 و70 ألف جنيه.. فأين هذا الشاب الذي يملك 70 ألف جنيه ليقدمها شبكة لخطيبته وهو لا يعمل وما هي الضمانات التي سيقدمها للبنك ليحصل على هذا القرض.. وإذا كانت الفتاة المصرية تعاني ظروفا صعبة في الزواج فهل يكون الحل قرضا من البنك بهذا المبلغ.. وللعلم هذا الإعلان يخص أحد البنوك المصرية.. في جانب آخر نجد أنواعا أخرى من الإعلانات المستفزة التي تشجع الإنفاق والإسراف بل والسفه والأغرب من ذلك تلك الإعلانات التي تسئ للغة الحوار والكلمات الفجة.. التي تتسم بالسوقية والإبتذال. ان القضية الأساسية الأن ان الإعلان كان سببا في إفساد أشياء كثيرة في حياتنا.. لقد أفسد الصحافة ودورها حين تحول إلى سيف مسلط على رقاب الصحف وتحول العشرات من الصحفيين الأكفاء إلى مندوبي إعلانات حتى ان جهاز الكسب غير المشروع تدخل في القضية لأن عددا كبيرا من الصحفيين جمعوا أموالا ضخمة من الإعلانات والجهاز يحقق في شرعية هذه الأموال وأحقية أصحابها فيها. لقد كان الإعلان سببا في إفساد الفن المصري حين تحول إلى سوق للإعلانات وليس للإبداع الجميل.. لقد أفسد الإعلان الأفلام السينمائية.. وأفسد المسلسلات وأفسد البرامج وحرم المشاهد المصري من البرامج الجادة وكثير من الوجوه الإعلامية المميزة.. ان اختيار البرامج على ضوء ما تجمع من الإعلانات – بعيدا عن قيمتها ورسالتها – قد هبط كثيرا بمستوى البرامج على شاشات الفضائيات. ان ما يحدث الآن من معارك وصراعات بين الفضائيات المصرية حول الإعلانات قد دخل بها إلى مواجهة ضارية خاصة أمام شركات عالمية كبرى تتصارع على المستهلك أمام سلع استهلاكية وغذائية وترفيهية تباع بمئات الملايين.. هناك صراع بين هذه الشركات الضخمة والضحية في النهاية هو المستهلك.. ان الإعلانات في المنطقة العربية التي تدور حولها المعارك لم تعد مصرية ولكن هناك أطراف دولية دخلت مرحلة من التصفيات أمام إغراءات مالية لا حدود ولا ضوابط لها، ومن يتابع ما يجري في الفضائيات من الحروب الإعلانية يدرك حجم المأساة ومخاطرها. كان الإعلان سببا في تقليص دور المادة الإعلامية وتشويه دورها واختزاله في كل الوسائل بحيث تحولت المعركة حول الإعلانات إلى مرض خطير أصاب جميع أجهزة الإعلام المصرية وأصبح يمثل تهديدا حقيقيا لدور الإعلام ورسالته.. وهنا ينبغي ان توضع الأشياء في سياقها بحيث يحافظ الإعلام على دوره ويبقى الإعلان في إطار واضح لمسئولياته. وما يجري الآن بين أجهزة الإعلام بكل أنواعها ومعاركها الدائمة من أجل الحصول على صفقة إعلانية يمثل الخطر الحقيقي على الإعلام المصري الذي تحول إلى لعبة في يد من يملكون الآلة الإعلانية الجهنمية التي سيطرت على عقول الناس. ..ويبقى الشعر مُتْ صَامِداً.. واتْرُكْ عُيُونَ القُدسِ تبْكِي فَوقَ قبرِكَ ألفَ عَامْ.. قد يَسقطُ الزمَنُ الردِيُء ويطلعُ الفرسانُ من هذا الحطَامْ قدْ ينتهي صخبُ المزادِ.. وتكشِفُ الأيامُ أقنعةَ السلامْ إنْ نامتِ الدنيَا.. وضاعَ الحقُّ في هذا الركامْ فلديْك شعبُ لن يضلّ.. ولنْ ينامْ.. مُتْ صامداً واتركْ نداءَ الصبحِ يسري هادراً وسَط الجْماجمِ والعظامْ اترك لهم عبثَ الموائدِ والجرائدِ والمشاهدِ والكلامْ أتركْ لهمْ شبقَ الفسادِ ونشوةَ الكُهانِ بالمالِ الحرامْ أطلقْ خُيولكَ منْ قيُودِ الأسْرِ مِن صَمتِ المآذنِ والكنائِسِ والخيَامْ إن الشُّعوبَ وإنْ تمادَي الظلمُ سوف تدقُّ أعناقَ السماسِرةَ العِظامْ إنَّ الشعوبَ وإنْ توارتْ في زمانِ القهرِ سوفَ تُطل من عليائِهَا ويعودُ في يدهَا الزمامْ.. فارفعْ جبينَكَ نحوَ ضوءِ الشمْسِ إنَّ الصبحَ آتٍ لنْ يطول بنا الظلامْ. مُتْ صامداً مُتْ فوقَ هذِي الأرضِ لا ترحَلْ وإنْ صلبوكَ فيها كالمسيحْ فغداً سينبتُ ألفُ صبحٍ فِي ثَري الوْطنِ الذبيحْ وغداً يُطلُ الفجرُ نُوراً من مآذننا يَصيحْ وغداً يكونُ الثأرُ مِن كهان ِهذا العصرِ والزمنِ القبيحْ فأنثرْ رُفاتكَ فوق هذي الأرضِ تنفضْ حُزنَها ويطلَّ من أشلائهَا الحلمُ الجريحْ وأطلقْ نشيدكَ في الدروبِ لعلهُ يوماً يعيدُ النبضَ للجسدِ الكسيحْ.. مُتْ صامداً ماذا تُريدُ الآن من هذي الحياهْ؟ مجدٌ وسلطانِ وتيجانٌ وجاهْ ماذا تقولُ وأنت تكبرُ كلما لاحتْ أمام القدسِ أطواق النجاهْ ماذا تقولُ وأنتَ ترفعُ أمة سقطتْ وضاعتْ تحت أقدامِ الطغاهْ ماذا تقولُ وأنت تبقَي في ضميرِ الناسِ حيّا كلمَا نادي المؤذنُ للصلاهْ ماذا تقولُ وأنتَ أقوي من زمانكَ أنت أكبرُ من جراحكَ أنت معجزةُ الإلهْ.. أيُّ الوجوهِ سيذكرُ التاريخُ.. جلادٌ حقيرٌ أمْ شهيد عطرَ الدنيَا ثراهْ..؟ فرقٌ كبيرٌ بينَ من سلبَ الحياةَ من الشُعوبِ ومَنْ أعَادَ لها الحَياهْ.. مُتْ صامِداً والعنْ زمانَ العجزِ والمجدِ المدُنسِ تحت أقدامِ الغزاهْ فلكلَّ طاغيةٍ مدًي.. ولكل ظلمٍ منتهاه.ْ مُت ْصامداً حتّي ولو هدمُوا بُيوتَ اللهِ واغتصبٌوا المآذنْ حتي ولو حرقُوا الأجنةَ في البطونِ وعربدوا وسطَ المدائنْ حتي ولو صلبُوكَ حيا.. لا تُهادنْ هل يستوي البطلُ الشهيدُ أمام مأجورٍ وخائنْ؟ كن قبلةً فوق الخليل وكن صلاة في المساجدْ زيتونةً خضراءَ تؤنسُ وحشةَ الأطفالِ حين يقودهمْ للموتِ حاقدْ كن نخلةً يساقط الأمل الوليدُ علي رُباهَا كلما صاحتْ علي القبر الشواهدْ.. مُت صامداً لا شيء يغني النَّاس عن أوطانِهم حتي ولو ملكوا قُصورَ الأرضِ جاهاً.. أو سكنْ كل الذي نبغيهِ من أوطاننَا أن نستريح علي ثراهَا حينَ يُؤوينا الكفنْ.. بعضُ الخيولِ يموتُ حزنًا إن تغربَ لحظةً يغدُو سجينَ المحْبسينِ فلا أمانَ.. ولا وطنْ أنت الشهيدُ فداً لأرضكَ لا تمتْ من غير ثأرٍ.. أو قصاصٍ.. أو ثمنْ اغمضْ عيونَكَ فوقَ عينِ القدسِ واصرخْ دائماً إنْ كل فيهَا العزمُ يوماً أو وهَنْ لا تأتمِنْ من خادَعُوكَ وشردُوكَ وضللُوكَ وضيعُوا الأوطانَ في سوقِ المحنْ.. كُنْ صيحةً للحقَّ في الزمن الملوثِ بالدمامةِ والعفنْ لا تخشَ كُهانَ الزمانِ الوغدِ إنَّ عروشهُمْ صارتْ قبوراً فأترُكِ التاريخَ يحكمُ والزمَنْ مُتْ صامِداً وابصُقْ علي شارُونَ والعنْ كل عهدٍ خانْ ابصقْ علي هذا الجبَانْ ابصق علي الخنزير والعنْ كل أزمنةِ التنطُّع والهَوانْ أتُري يفيدُ الحزنُ في وطن تخاذلَ واستَكانْ؟ وطنٌ يسلمُ سيَفهُ للعاجزِين ويسجنُ الفرسَانْ؟ العنْ بلادًا تستبيحُ خيولَها وتقدمُ القربانَ للشيطانْ مُتْ صامِداً واتُركْ زمَانَ العجْزِ للكُهَّانْ فلِكلَّ شيءٍ في الوُجُودِ نهايةٌ والوَيلُ.. كُلُّ الوَيلِ للطُغيانْْ. نقلا عن جريدة الأهرام