اسمها بالعامية المرارة.. بالفصحي الحويصلة المرارية.. بالإنجليزية «gallbladder» ومرضها لا يعني بالنسبة لنا أكثر من التعبير عن كظم الغيظ حتي تنفجر. كما أن اسمها يذكرنا بطعم حياتنا الصعبة. أما حقيقتها التشريحية فهي لا تزيد عن كونها مخزن، مجرد مخزن لا يزيد علي خمسين سنتيمترًا يخزن العصارة المرارية التي يفرزها الكبد. والعصارة المرارية هي أحد إفرازات الكبد المهمة جدا، بل هي أهم إفرازات الكبد، يفرز منها حوالي لتر أو أكثر يومياً. الخلايا الكبدية لها توزيع عبقري بحيث إنها تفرز علي قنوات مرارية صغيرة ورفيعة علي مستوي الخلية نفسها وتتفرع كالشجرة وتكبر الفروع حتي تصل إلي القناة المرارية الكبيرة المشتركة، وهي تصب في الجزء الثاني من الاثني عشر، تحميها عضلة تعمل في اتجاه واحد بحيث تذهب العصارة إلي الاثني عشر ولا تعود في الاتجاه الآخر، تفتح العضلة تلقائياً علي فترات طوال الوقت، تحمل العصارة المرارية السموم التي يتخلص منها الجسم - عن طريق الفلتر الكبير الذي يسمي الكبد - وتلقيها في الأمعاء التي لا تمتصها بل تتركها تنتقل في هدوء حتي تخرج مع البراز. تحمل أيضا العصارة المرارية مواد مفيدة للهضم والامتصاص من الكبد إلي الجزء الثاني منهم الاثني عشر. في حالة ما إذا أكل الإنسان أكلة دسمة مفاجئة تستجيب المرارة وتبدأ عملها المخلوقة من اجله وهو تقديم الدعم لمواجهة هذه الأكلة، المرارة مخزن صغير نائم في حضن الكبد لكنه منفصل عنه تماما. يخزن خمسين سنتيمترًا من العصارة المرارية ويلقيها دفعة واحدة في مواجهة الأكلة ليدعم عمل العصارة المرارية، إذن - بالمنطق - لو تم استئصال المرارة لأي سبب فكل ما سنعاني منه هو عسر هضم الأكلات التي تحوي نسبة عالية من الدهون، والغريب أنه بعد فترة من استئصال المرارة تبدأ القناة المرارية في التمدد قليلا كتعويض عن وجود المخزن وكمحاولة لسد النقص. تضخ كمية أكبر من العصارة المرارية لهضم الدهون. العصارة المرارية تحمل معها السموم التي استخلصها الكبد، من ضمنها تكسير كرات الدم الحمراء، المفترض أن عمر كرات الدم الحمراء في الجسم ثلاثة أسابيع وبعدها لابد أن تموت ويأتي غيرها، والكبد هو ما يتعامل مع الكرات الميتة ويخرج بقاياها أو المخلفات الناتجة عن تحللها عن طريق القناة المرارية إلي الأمعاء فلا تمتصها الأمعاء وتطردها عن طريق التبرز. لو لأي سبب حدث انسداد في القناة المرارية تعود مخلفات الكرات الميتة والمواد المتحللة أي السموم إلي الدم وتصبح «bilirubin» نسبة الصفراء في الدم عالية، نسميها بالعامية الصفرا الرقم الطبيعي لهذا المسمي بليروبين في دمنا (1) إذا ارتفع نتيجة انسداد القناة المرارية يبدأ الجسم والعينان في التحول إلي اللون الأصفر عندما يصل إلي رقم (3) يعرف كل من ينظر إلي المريض أنه مصاب بالصفراء. علي الجانب الآخر من الكبد يوجد البنكرياس وهو أهم عضو للهضم وخلايا البنكرياس نوعين الأول يفرز هرمونات من ضمنها الإنسولين الذي نعرفه جميعا، والذي عندما يقل إفرازه أو يتوقف تماما يصاب الإنسان بمرض السكري ويصبح في حاجة إلي الحقن بالأنسولين تعويضا عن الهرمون المختفي. علي الجانب الآخر يفرز البنكرياس إنزيمات للهضم، لا يمكن الاستغناء عنها، تقوم بهضم كل شيء. والخلايا تتجمع بنفس طريقة الشجرة الموجودة في الكبد وتصل إلي قناة البنكرياس التي تفتح في نفس النقطة التي تفتح فيها القناة المرارية والمحاطة بنفس العضلة رأس البنكرياس ملتصقة تقريبا بهذه الفتحة الفتحة، تشبه الحلمة لذلك سموها فتحة الحلمة «Papillary orifice» ، أما المنطقة المتسعة التي تلي الفتحة والعضلة وهي ما يهمنا الحديث عنها فاسمها «Sphincter of oddi ampulla of vater» هذه المنطقة بها القناة المرارية، قناة البنكرياس، الاثني عشر، البنكرياس نفسه، وعدد لا حصر له من الشرايين والأوردة. هذه المنطقة قد تصاب بخلل يحتاج علاجه إلي جراحة كبيرة، هذه الجراحة اخترعها طبيب جراح اسمه ويبل وسميت باسمه، يستأصل كل هذه الأجزاء ويعيد توصيلها. وهي أصعب أنواع الجراحات التي تجري في هذه المنطقة. نفس المنطقة وما يحيطها تصاب بالعديد من الإصابات التي تحتاج إلي تدخل أبسط من تلك الجراحة المعقدة. منها جراحة استئصال المرارة نفسها واستئصال المرارة قرار تقديري للجراح أو الطبيب الباطني. الجراح يفضل الاستئصال وله أسبابه العلمية المعقولة، فإذا كانت المرارة بها حصوات لماذا يتركها الجراح لتنزلق واحدة منها فتسد القناة المرارية وتصبح الجراحة جراحتين. أو إذا كانت مصابة بالالتهاب لماذا يتركه لتنفجر كالزائدة الدودية تماما. ثم لماذا لا يعجل بالجراحة قبل أن تتدهور حالة المريض العامة وتظهر أمراض جديدة تزيد من مضاعفات ما بعد الجراحة. أما الطبيب الباطني فهو بفضل العلاج والانتظار ربما تكون شكوي المريض سببها القولون أو المعدة وربما تهدأ المرارة بعد فترة من العلاج الدوائي والنظام الغذائي. والقاعدة في جراحات استئصال المرارة الآن هي استخدام المنظار الجراحي، وغالبا لا يلجأ الجراح إلي الفتح إلا في حالة ما إذا دخل بالمنظار الجراحي فوجد التصاقات وتداخلات تحتاج أن يفتح ويدخل بأصابعه. أو إذا كانت المرارة شديدة الالتهاب بحيث يزداد احتمال انفجارها. النوع الآخر من الجراحات في هذه المنطقة يصنف من ضمن الجراحات البسيطة وهي استخراج حصوة من القناة المرارية. الأغلب في هذه الحالة هو الجراحة التقليدية، وإن كان يمكن استخدام منظار القنوات المرارية يدخل هذا المنظار من الفتحة التي تكلمنا عنها والتي تلتقي فيها القناة المرارية بقناة البنكرياس بالاثني عشر يشقها قليلا ويمر ويسحب الحصوة، العلاقة بين الحصوة المعترضة القناة المرارية والمتسببة في سدها وبين الحصوات الموجودة في المرارة، علاقة مستقلة، فقد يكتفي الجراح بإخراج حصوة القناة المرارية وتسليكها فتتدفق العصارة المرارية وتقل نسبة الصفرا في الدم ويشفي المريض رغم وجود حصوات أخري مستقرة في المرارة. أما المرض الأخطر علي الإطلاق والذي يمكن أن يصيب هذه المنطقة هو السرطان، وسر خطورته أن المريض به لا تظهر عليه أعراض في المراحل الأولي، وبالتالي يظهر وينتشر وينتقل قبل أن يكتشفه أحد في هذه الحالة لا يتدخل الجراح ويصبح القرار الأمثل هو توسيع القناة المرارية لتقليل الأعراض وفقط.