قبل سنوات حينما قرر الرئيس المخلوع حسنى مبارك، بجبروته وتكبره وظلمه وطغيانه أن يجتمع بالمجلس الأعلى للقضاء ذهب إلى القضاة فى دار القضاء العالى. والآن بعد أن قامت ثورة 25 يناير التى أسقطت الاستبداد والفساد والتكبر والطغيان، وظننا أن الأمور تسير نحو الأحسن، فاكتشفنا أنها تسير نحو الأسوأ، وعقب أزمة سياسية طاحنة سارت الأمور نحو الأسوأ عندما قرر المجلس الأعلى للقضاء الذهاب إلى مرسى فى قصر الرئاسة. إن ما تحدثنا عنه طويلا، وطالبنا به هو استقلال القضاء، واستقلال القضاة، وعدم سقوطهم تحت السلطة التنفيذية، لكن ذهابهم إلى مرسى هو حدث غير مألوف، وكان من الطبيعى أن يذهب إليهم، كما فعل سابقه، وكما هو معتاد، خصوصا أنه هو من اعتدى على القضاء، واعتدى على السلطة القضائية وهمشها ومنح نفسه سلطات إلهية لم يحُزها أحد من قبل.
لكن موقف المجلس الأعلى للقضاء نفسه يثير التساؤل، خصوصا أنه أصدر بيانا قال فيه إن قرارات الرئيس مرسى الأخيرة، التى حصنها ضد الطعن أمام القضاء، يجب أن تطبق فقط على القرارات والقوانين التى لها صلة «بالأمور السيادية»، ودعا المجلس فى بيان بثه التليفزيون المصرى القضاة إلى مواصلة العمل فى المحاكم والنيابات العامة رغم توصية نادى قضاة مصر بتعليق العمل بالمحاكم والنيابات، حتى إلغاء الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى، وجمع فيه بين سلطات الدولة الثلاث (التنفيذية والتشريعية والقضائية).
إن دعوة المجلس الأعلى للقضاء المحاكم إلى عدم تعليق العمل، لهى دعوة مستترة لمرسى أن يستمر فى غيِّه، وجبروته وديكتاتوريته، ويستمر فى إعلانه الدستورى الذى رسخ فيه لفكرة الحاكم الديكتاتور، دون حتى أن يستمع إلى الأصوات من حوله التى تدعو إلى حل «التأسيسية» وعمل «تأسيسية» جديدة ممثلة لكل طوائف الشعب. لقد قام مرسى بعمل انقسام رهيب فى الشارع، ليس فى أوساط النخبة فحسب، بل فى أوساط القضاة أنفسهم.
يجب على مرسى أن يدرك أن عليه العمل على توزيع السلطات واحترام مبدأ الفصل بينها وعدم التدخل فى شؤون القضاة، ومن حق الدكتور محمد مرسى سلطة اتخاذ القرارات اللازمة لتقرير المعاشات أو إنشاء مرافق أو نحو ذلك، باعتباره رئيسا للسلطة التنفيذية، ودون أن تمتد هذه السلطة إلى إصدار قرارات تنعكس على قضايا تنظر أمام المحاكم أو تتعلق بالشأن القضائى، لكن لا يجوز تناول شؤون القضاء إلا من خلال الدستور الدائم للشعب وتشريعات مجلس الشعب المنتخب.
على مرسى أن يرجع إلى دساتير العالم كله، لكى يدرك ما السلطة القضائية التى نصت كل الدساتير فى مصر وغيرها على احترامها؟ بل نص الدستور على أن السلطة القضائية مستقلة تتولاها المحاكم وتصدر أحكامها وفقا للقانون، كما أن القضاة مستقلون ولا يجوز لأى سلطة التدخل فى شؤون العدالة، وينص الدستور المصرى السابق على أن يلعب القضاء دورا هاما فى الرقابة القضائية على دستورية القوانين وتفسير نصوصها التشريعية، كما يقوم بدور هام فى تشكيل الأحزاب السياسية بما يدعم الديمقراطية فى مصر ويحمى حقوق وحريات وقيم المجتمع والمواطن المصرى، على مرسى أن يعرف، إذا كان لا يعرف، أن السلطة القضائية هى سلطة الفصل فى المنازعات المعروضة أمامها. وهى ثالثة سلطات الدولة. ويشاركها السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية هى فرع الدولة المسؤول عن التفسير الرسمى للقوانين التى يسنها البرلمان وتنفذها الحكومة. وهى المسؤولة عن القضاء والمحاكم فى الدولة ومسؤولة عن تحقيق العدالة. كما أنها مسؤولة عن مسيرة وتقاليد القضاء فى الدولة ومصداقية القوانين التى تطبقها.
إذا كان الرئيس لا تصله أخبار عن حالة الشارع المعرض للانقسام، فعليه أن يقرأ الصحف، أو يشاهد فى الفضائيات، ما الذى تفعله جماعته فى الشارع، وكيف تسهم فى انقسام الشارع وتهويشه ووضعه على حافة الخطر.
هذا الخطر سيتضح أكثر اليوم مع المليونيتين المنتظرَتين، واحدة للقوى المدنية فى ميدان التحرير، وأخرى للإخوان المسلمين أمام جامعة القاهرة، التى من المتوقع أن تشهد اشتباكات بين طلاب الجامعة، وأعضاء الجماعة الذين لا يرون إلا ما يرى مرشدهم، ولا يسمعون إلا ما يقول فقط.
إن ما فعله مرسى خلال خمسة أشهر فقط بأن وضع مصر على حافة الحرب الأهلية ليؤكد فشل مشروع جماعة الإخوان المسلمين، وفشل مشروع النهضة، وفشل كل ما كانوا يتحدثون عنه.