الساعة 12 ظهرا، ربما تكون هي نقطة الانطلاقة والإضاءة والإشراق الوحيدة التي يمكن أن تعثر عليها في حياة محور 26 يوليو، غير ذلك من ساعات آناء الليل وأطراف النهار لا يمكنك أن تعثر علي أي نقطة مضيئة أخري في حارات واتجاهات هذا المحور. ولأني عشت ومازلت أعيش زمنا من عمري علي محور 26 يوليو، حيث أقيم بمدينة 6 أكتوبر منذ 18 عاما وأكثر وعاصرته في نشأته وصباه وطيشه ورداراته المرورية، أستطيع أن أقول إن الساعة 12 هي الساعة الوحيدة التي تستحق منا الغناء والمديح في حق المحور وفضفضته واتساعه وزمان مثلما غنينا ياوابور الساعة 12 يا مقبل ع الصعيد، يمكن لنا أن نغني يا محور الساعة 12 يامشرق ع المهندسين، دونا عن هذه الساعة فأنت في مشهد يومي مكرر ممل منتزع من فيلم تسجيلي بطيء الصورة والحركة أو بالمعني السائد، أنت في مشهد لا يستمتع ولا تستفيد به إلا شركات الاتصالات والإعلانات ومحطات «الإف أم»، وياويل مريض السكر أو الضغط فحياته ممكن لو لم يتصرف ويهدئ من عصبيته واختناقه وزنقته ممكن أن تصعد إلي بارئها في لحظة. أعترف أنه ومنذ اشتريت سيارة خاصة وأقمت وعشت بها ع المحور رايح جاي توطدت علاقتي الخاصة بمحطات الإذاعة المصرية خصوصا محطات إذاعة القرآن الكريم وراديو مصر والبرنامج الموسيقي وإذاعة الأغاني والإف أم، وليس هذا - بإستثناء إذاعة القرآن الكريم - لحسن البرامج الجيدة واللقاءات الإذاعية المفيدة ورقي الذوق الفني والغنائي لهذه المحطات وإنما لأنني إذا لم أتنقل بالمؤشر بين هذه المحطات فقد أستقر في محطة الانفلات العصبي والتبول الاضطراري بحكم أنني واحد ضمن الآلاف حولي من جيران المحور مريض سكر. أقول لا أكتب هذا انتقاد لاختناق الحركة المرورية اليومية علي المحور لاسمح الله، ولكني أكتبه لأحكي لكم كيف نجح المحور في أن يجعلني مستمعا مطيعا للإذاعة ومدمنا ومتأملا ومتابعا وقارئا جيدا لجميع الإعلانات التي تلاحقك أينما نظرت وأنت علي هذا الطريق. فمثلا تجدني أضحك جدا عندما أستمع إلي حركة قطارات مصر من راديو مصر وأنا أري العشرات من حولي محبوسين داخل سياراتهم بالساعةوالاتنين ومنهم بالتأكيد من هو مسافر بالقطار إلي بلدته خاصة يوم الخميس آخر الأسبوع الذي يشبه العاصفة الرملية أو الترابية فبالكاد تستطيع أن تري من زحام السيارات والميكروباصات ملامح الطريق وتفاصيله، كذلك أركز وأطرطق أذني جدًا وأحاول بصعوبة أن أفهم ما يقوله مقدم برنامج «ميوزيك بوكس» في إذاعة الأغاني لأنه يتحدث بسرعة شديدة للغاية وبكلمات نصفها إنجليزي والأخري نصفعها عربي وعامي مكسر بل أحيانا لا يتحدث لا بالعربية ولا العامية وإنما بطريقة الإشارات وإفهم أنت إشارات مسموعة لأول مرة، وأما الضحك كله والاستغراب كله فيتملكني عندما أفرغ من الاستماع لمحطات الإذاعة وأبدأ في قراءة إعلان بنك الإسكندرية الذي يسألك فيه : أنت ليه بتحب مصر؟ ياإلهي فهل أصبح حب مصر مسئولية وتهمة إلي هذه الدرجة بلغ الحد بأن نسأل عليها كل يوم ونحن واقفون علي طريق المحور، ربما لأن البنك بنك إسكندرية ويريدنا أن نحب إسكندرية لا نحب مصر وبالتالي نحب بنك مصر أو ربما أن بنك إسكندرية لأن اسمه إسكندرية فالمسئولون عنه كانوا مسافرين ولا يعرفون أننا نحب مصر لأنها فازت ببطولة كأس الأمم الأفريقية بأنجولا وكنا ليل نهار ومع كل فوز وكل دور نعبره حتي وصلنا إلي الدور النهائي ونحن نلوح بالأعلام ونهتف مصر.. مصر.. تحيا مصر. لاأريد أن أطيل.. فطريق المحور وساعاته الطويلة التي نعيش معه وعليه فيها علمتنا، أننا نعيش في دولة الموبايل والإعلان، وأن الحياة مسرح قومي كبير إعلاناته علي المحور وفضائيات وبرامج لا نسمع بها ولا نراها إلا علي المحور.