رغم الجدل حول تشكيلها ومنتَجها، تدخل الجمعية التأسيسية للدستور الأسبوع القادم مرحلة الحسم النهائى لمواد مسودة الدستور التى وضعتها لجان الجمعية الأربع وقامت لجنة خاصة بصياغتها. كل المؤشرات تدل على أنه سيتم «سلق» المناقشات بسرعة فى جلسات ليلية للانتهاء من مواد الدستور فى يوم أو يومين، لكى يتم الدخول بعد ذلك فى المرحلة النهائية وهى التصويت على المواد، بينما سيكون الأسبوع القادم الأخطر لأنه سيشهد الصورة النهائية التى سيكون عليها الدستور الذى سيحكم مصر فى السنوات القادمة.
وبلغ الأمر أنه عند اكتشاف المستشار الغريانى أن مجلس الشورى سيعقد جلسات يوم الأحد القادم وأن قاعة المجلس ستكون مشغولة طوال النهار، بدلا من تأجيل الجلسات قرر، على طريقة فتحى سرور، أن تبدأ المناقشات فى الساعة الخامسة مساء بعد انتهاء مجلس الشورى من جلساته التى ستُعقد يومى الأحد والإثنين.
الأسبوع القادم تشهد الاجتماعات، بدءا من الأحد المقبل قراءة الاقتراحات على كل مادة، وما تريده الأغلبية من الإخوان والسلفيين الذين يستحوذون على أكثر من 67 صوتا هو الذى سيتم تمريره، وتتأهب جماعة الإخوان، لتمرير مسودة الدستور حسبما تريد، رغم المظهر الخارجى الذى يوحى بالمناقشات الديمقراطية والتوافق.
النية فى سلق الدستور ظهرت واضحة فى مناقشات الجمعية التى انتهت يوم الإثنين الماضى عندما تذمر عدد من الأعضاء، خصوصا عضوة الإخوان هدى غنية، من أسلوب المناقشة الذى اعتمد على قراءة كل مادة على حدة ثم طرحت آراء الأعضاء واقتراحاتهم عليها وتبين أن المادة الأولى التى كان يظن أن هناك إجماعا عليها سوف تستغرق فى المناقشة ساعة كاملة. وقالت النائبة إن المناقشة بهذا الأسلوب ستجعل الجمعية تستغرق أكثر من 260 ساعة لتمرير مسودة الدستور. وبسرعة علق الغريانى «الوقت أزف ولو سرنا بهذا الأسلوب سنستغرق فى مناقشة ثلاث مواد فقط أكثر من ثلاثة أشهر» وبسرعة قام الغريانى بأداء صلاة المغرب واستخار وقرر بعدها أن يتم تقديم الاقتراحات بالتعديلات كتابة ويتم طرح كل اقتراح بتعديل للتصويت فإذا حاز غالبية الأصوات يتم تمريره، أما إذا لم يحز التعديل غالبية الأصوات يتم الإبقاء على النص الموضوع من اللجنة.
المعلوم أنه حسب لوائح الجمعية يتم التصويت على المواد بأغلبية 67 عضوا من أعضاء الجمعية، فإذا تعذر ذلك يتم التصويت بأغلبية 57 صوتا على الأقل. وكانت هذه المادة باقتراح من الليبرالى عمرو موسى (الذى عاد وعارضها بعد ذلك) وفى كلتا الحالتين فإن الأغلبية محسومة لصالح الإخوان والسلفيين.
ولكى نكشف الصورة بوضوح الآن قبل عملية أخذ الرأى النهائية الأسبوع القادم والاستقرار على مسودة دستور مصر الذى قام بطبخه تيار الإسلام السياسى والتى سيتم التصويت عليها فى الأسبوع بعد القادم يجب أن نوضح اتجاهات الرأى السائدة الآن فى الجمعية ووزن كل منها.
أولا: «الإخوان المسلمون» ونوابها المنتمون إلى حزب الحرية والعدالة ومعهم السلفيون ونواب حزب الوسط يشكلون نحو 50 نائبا (30 للإخوان و17 للسلفيين وثلاثة ل«الوسط»)، والمتحالفون معهم من الليبراليين المتأخونين يزيدون إلى أكثر من 70 نائبا. ولنعطى نموذجا فإن النواب الذين يضمن الإخوان والسلفيون أن أصواتهم معهم حسام الغريانى رئيس الجمعية نفسه، ونائبا حزب الحضارة محمد الصاوى وحاتم عزام، ونائب حزب الإصلاح والتنمية أنور السادات (رغم كل إسهال البيانات اليومية التى يصدرها وتتضمن تهديدات للإخوان)، ونواب حزب غد الثورة التابع لأيمن نور أو حزب المؤتمر الذى يتزعمه عمرو موسى. كل هؤلاء سيبقون فى عيون الرأى العام ليبراليين متأخونين ما داموا شاركوا فى عملية التصويت النهائية دون انسحاب. نواب جماعة الإخوان وحزبها يسارعون لوضع جداول زمنية للانتهاء من الدستور لمواجهة أى محاولة توحى بالتأخر. وقد وصل الحال بمحمد البلتاجى قائد حشد وتعبئة الجمعية وراء مسودة الدستور -على طريقة كمال الشاذلى- إلى أن اتهم فى جلسة الإثنين الماضى كل من يقول باستمرار الخلافات على مسودة الدستور بأنه يهدف لإحباط الشعب وإغراقه فى الفوضى. ولم ينسَ البلتاجى أن يخاطب أعضاء الجمعية فى لهجة تهديدية بأنه يجب التصويت على مواد الدستور الأسبوع القادم، وهو ما تحقق فعلا ونفذه الغريانى فى نفس الجلسة، وهناك من يتهامس داخل الجمعية التأسيسية بأن الرئيس الحقيقى لها هو محمد البلتاجى وأن الغريانى مجرد منفذ.
والمعروف أن الإخوان يلحّون فى نفى الخلافات والإسراع فى التصويت على مسودة الدستور بعد أن نجحوا بمساعدة رؤساء اللجان خصوصا رئيس لجنة نظام الحكم جمال جبريل فى الإبقاء على سلطات رئيس الجمهورية كما هى فى دستور 1971. ويحاولون خداع الرأى العام بأنه تم تقليص هذه السلطات.
وفى نفس الإطار مع الإخوان يأتى السلفيون وحزب الوسط الذين يستحوذون على 20 مقعدا وقد نجحوا فى ابتزاز الجميع بفرض المواد الدينية التى يريدون فرضها على الدستور وبالتشاور التام مع الإخوان. وهكذا فإن كل المواد المتخلفة والرجعية التى قرر السلفيون إضافتها بدءا من المادة الجديدة (والتى ستكون المادة الثالثة فى الغالب) والتى ستحدد مفهوم مبادئ الشريعة الإسلامية بما لا يخالف القرآن والسُّنة والمذاهب الفقهية الأربعة وحتى مواد الحريات الخاصة بحقوق المرأة والطفل والتى سيضاف إليها كلمات «بما لا يخالف الشريعة الإسلامية» هى التى سيتم فرضها على الجميع. والغريب أن مستشار الرئاسة محمد فؤاد جاد الله أيَّد موقف السلفيين واتهم المحكمة الدستورية بتفسير مبادئ الشريعة بصورة خاطئة وطالب بنزع الأمر منها. وهو ما يؤكد أن هناك توافقا تامًّا بين السلفيين والإخوان على هذه المواد والتصويت سيكون بالغالبية عليها.
أما القوة الثالثة داخل الجمعية فإنها تضم ما يسمى ممثلو التيار المدنى، علاوة على عدد من المستقلين، ويضم أيمن نور وعمرو موسى ووحيد عبد المجيد وأنور السادات وغيرهم، وهؤلاء قد يكتبون مقالات فى الصحف أو يصدرون بيانات يعارضون فيها الإخوان «شكلا» ولكن عند الجد فإنهم يتفقون معهم.