من قال إننا نريد بطلا على طريقة المنقذ؟ البرادعي لكل عصر بطله، ولكل بطل عصره، وبين الاثنين لابد من مقومات تستدعي البطل المناسب للعصر المناسب، مقومات لا تختار البطل فحسب بل تصنع صورته وتقدمه للجمهور، لم يكن غريبًا أن ربط الكثيرون بين البرادعي وبين سعد زغلول تيمنًا بالعودة المظفرة لزعيم الأمة من المنفي، بالطبع لم يكن البرادعي في المنفي وليس لديه حزب هائل كالوفد القديم، ولا هو زعيم سياسي محنك تربي بين الفلاحين والباشاوات معًا، لكن لجان الوفد في المناطق والأحياء والأرياف، أغاني «سيد درويش»، الاحتكاك المباشر بالمحتل الإنجليزي، كل ذلك ساهم في صنع صورة سعد زغلول كمخلّص يجمع بين أسطورة الحلم وواقع السياسة، تم ذلك بآليات عصره وإمكاناته، وهو عصر يختلف كليًا بطبيعة الحال عن زمن اليوم، وبالتالي فمن الخطأ رفض المقارنة فقط لأن البرادعي ليس زعيمًا شعبيًا وليست وراءه جموع من الساسة والفلاحين والبسطاء، فقد جاء البرادعي «الحلم والشخص» وفقًا لآليات عصر الميديا وتكنولوجيا المعلومات، لقد انتقلت صورته إلينا عبر الأقمار الصناعية، سمعنا رغبته في الإصلاح الداخلي عبر شاشة سي إن إن، ثم كبر الحلم واستدعي إلي هنا عبر تقنية الفيس بوك، إنه زمن آخر تمامًا له آلياته الخاصة، ولو كانت تلك الآليات مجرد «وهم افتراضي» لما أحدثت زيارة البرادعي لمصر كل هذا الصدي الدولي، هل تنتهي «حالة البرادعي» من تلقاء ذاتها كما تتمني السلطة؟ هل تعد مجرد حلم أنترنت ليس أكثر؟ يجوز، وقد لا يجوز، فالواقع أن الأمر ليس جديدا علي البرادعي فقط، بل جديد علي الإنترنت أيضًا، ولنتذكر أن الاستخدام السياسي الواسع للمدونات، ثم دور الفيس بوك في الاحتجاجات السياسية والمطلبية، كلاهما ظاهرة مصرية بامتياز، هل يضيف البرادعي إلي ذلك معركة جديدة؟ ربما، المؤكد أن كثيرًا من الجديد سوف تشهده الأيام الماضية. الأهم، أن علاقة البرادعي بعصره لا تنتهي بالطبع عند إدراكه دور التكنولوجيا واستجابته للنشاط الشبابي علي شبكة الإنترنت، بل تتضح تلك العلاقة في قناعته بنهاية عصر «المخلّص» أو «المنقذ»، بإصراره علي الحديث «بالجماهير» وليس «عن الجماهير»، بإدراكه أن الانتخابات الرئاسية بشكلها الحالي مجرد مهزلة صورية، بالحديث عن «دورنا» في التغيير وليس دوره، «سوف نعمل معًا» هكذا يقول وأهمية القول ليست فقط في أنه يدفع الناس للحركة، بل في الإقرار بأنه دون حركة جماعية لا معني لمجهوده هو نفسه، يرتبط خطاب البرادعي بعصره من خلال ابتعاده عن نموذج البطل التليفزيوني الذي انتهي مع القرن العشرين، وهو النموذج الذي أصبح من السهل ضربه لأنه خارج الزمن، نموذج البرادعي أكثر خطورة علي النظام الحاكم لأنه نموذج يناسب المصري البسيط، المصري الذي لا يريد الصدام المباشر الطنان المستفز، المصري الذي يحب صورة الرجل «الراكز» بالمعني الشعبي، الواثق من نفسه الذي رغم هدوئه الظاهري لا يتنازل عن حقه في أن يقابل من يريد وأن يقيم المؤتمرات والفعاليات التي ينتويها. لكن المشكلة الكبري التي صنعها البرادعي للنظام الحالي هي أنه هدم القناعة التي حاول النظام ترسيخها طوال 30 عامًا، قناعة أن لا أحد يصلح سوي الرئيس نفسه، تلك القناعة هي الموجهة نحو الجماهير، أما الموجه نحو الغرب فيضاف لها عنصر جديد هو التيار الإسلامي: لا يوجد سوي مبارك أو الإخوان، ظهور البرادعي في الصورة أربك الحجتين، فهو رجل ذو مكانة وخبرة ومعرفة، وهو لا ينتمي لا للوطني ولا للإخوان، وليس لديه مشكلة مع أي طرف، وهو ليس طالب شهرة أو مال لأنه لا يحتاج إلي هذا ولا ذاك، لقد ملأ البرادعي الفجوة التي حاول النظام الحالي توسيعها طوال العقود الماضية، وبهذا المعني فقط يمكن أن يصبح البرادعي بطل المصريين.