الفن الحرام فى حياة الجماعة كنت أطرب بالأصوات الجميلة، كانت تأخذنى إلى عوالم أخرى، أشعر فيها بإنسانيتى. يعود الفضل إلى أمى فى هذا الأمر، على الرغم من كون أمى وكعديد من أمهات القرى لا تعرف القراءة والكتابة فإنها كانت فنانة، تملك ذائقة يفتقد إليها كثيرون من مثقفى اليوم، ومن أمى تعلمت أن الفن والجمال فطرة غرزت فى الإنسان، ومن الصعب قتلهما، غير أنه من الممكن أن تصيبهما أتربة تعوق الرؤية لدى صاحب هذا القلب المعطوب، ورغم كونى كنت حافظًا للقرآن ودائما ما يسبق اسمى لقب الشيخ أو مولانا، فإننى عندما كنت أقف أمام صوت جميل سواء لرجل أو امرأة كان يتلبسنى شعور بالوقار، يرتقى بى نوعا ما. بالطبع كنت أغالب هذا الشعور على اعتبار أنه محرم داخل دائرة الإخوان، غير أن الشعور بروعة الفن كان دائما ما يغالب دينهم، كنت أستيقظ كل يوم على صوت الراديو وهو يرسل تلك النغمات إلى أم كلثوم وعبد الحليم وعبد الوهاب وغيرهم، كانت طقوسًا خاصة بأمى، بمجرد أن تستيقظ فى الصباح تتوجه مباشرة إلى الراديو وتدير المؤشر وتتركه يرسل دفقاته التى تأخذ الألباب، حتى القرآن المنبعث من الراديو كان يأخذ الألباب على عكس القرآن الذى نسمعه فى أغلب مساجدنا، والذى يكون أقرب إلى نعيق الغربان، فكل من وجد فى نفسه الرغبة تجرأ على الإمامة وابتلانا بصوته القمىء. ولعشقى للنغم فقد نغمت أنا أيضا، خصوصا عندما كنت أقرأ القرآن، كنت أقرأ القرآن بصوت حسن، استخدم شيخى حسن قراءتى للقرآن ووظفه فى جعلى عضوًا فى فريق الإنشاد داخل الجماعة بالقرية. كانت لحظات جميلة عندما تقف أمام الجميع وتبدأ فى ترتيل أناشيد بنغم يعلوه الإحساس، وأنت ترى الجميع يتفاعل مع هذا الطفل صاحب الصوت الرقيق. كان الإنشاد هو البديل عن الغناء الداعر المحرم فى الإسلام كما علمونا، أناشيد هى أقرب للمارشات العسكرية، جميعها تتحدث عن الجهاد والقتال والدعوة فى سبيل الله. أول من ساعدنى على اكتشاف موهبتى فى الإنشاد كان أستاذ اللغة العربية بمدرستى الابتدائية. هو نفسه الأستاذ الذى بصق فى وجهى أو هكذا أوحى لى عندما أخطأت فى مسابقة المتفوقين عن غير قصد، استخدمنى تلك المرة فى الإنشاد فى أثناء حفل أقامته المدرسة احتفالا بالمتفوقين. عمل على استغلال هذا الأمر بالطريقة المثلى شيخى بجماعة الإخوان المسلمين، ساعدنى هذا الأمر على أن يعلو نجمى وأن أظهر بصورة جيدة داخل تلك الشعبة من جماعة الإخوان، فأنا منشد معظم التجمعات واللقاءات. كنت فى الصف الأول الإعدادى عندما كنت أقف فى المساجد مغردًا أناشيد الصحوة الإسلامية، أو فى لقاءات الإخوان المغلقة. أسعدنى هذا الأمر جدا. كنت أدندن تلك الأناشيد فى معظم أوقاتى حتى وإن لم يكن هناك من يسمعنى. حتى وأنا أسطر تلك الكلمات الآن حضرنى نشيد لم أنشده منذ عشر سنوات تقريبا وأخذت أردده، الأغرب أننى كنت أردده وكأنى ما زلت عضوًا فى جماعة الإخوان، هل ما زلت أحملهم داخلى؟ أم أن النغم لا دين ولا إله له، فهو ملك للجميع؟ كنت إلى جانب الإنشاد عضوًا فى فريق الأشبال للتمثيل داخل الشعبة، شاركت فى مسرحيات كانت جميعها تدور فى فلك القصص القرآنى والسيرة النبوية. أذكر من الشخصيات التى قمت بتأديتها دور الفتى المؤمن فى قصة أصحاب الأخدود، وأيضا قمت بتأدية دور آخر عن هجرة الرسول. كنت أميل إلى تلك الأمور الفنية أكثر من اللعب والأيام الرياضية التى كانت تقيمها الجماعة. تلك الأمور كانت تقام بصورة عشوائية وغير منظمة، لم تأخذ الشكل الحرفى المطلوب. غير أنها كانت تضفى على حيواتنا ونحن أطفال لمسات من البهجة. فى عام 1998 أقامت مدرستى حفلا غنائيا. كنت مشاركا فى هذا الحفل. أستاذ التربية الموسيقية كان فى حاجة إلى بعض الطلبة يقيم بهم الحفل ليظهر بالصورة المناسبة أمام بعض مسؤولى الوزارة ممن سيحضرون الحفل. كنت واثقا من أدواتى فأنا منشد قريتى، جميع إخوان قريتى يقرون بصوتى الجميل الذى يغلفه الطرب الأصيل، غير أنى لم أدرك أمرين، أولهما: أن مدرستى الإعدادية كان مقرها فى قرية مجاورة وأغلب طلابها لا يعرفوننى، ثانيا: أن الحضور معظمهم أساتذة تربية موسيقية ومتخصصون فى هذا المجال، لكنى أدركت الأمرين فور أن بدأت أنشد مباشرة، ذلك أنه قد تعالت ضحكات الجميع، حتى أن أحدهم قد سقط على الأرض من شدة الضحك. تعجبت من الأمر، ربما كان عبث الطفولة الذى يغلف تلك المرحلة، نظرت إلى أستاذى غير أنه أشار لى أن أكمل، أخذت أردد النشيد فى نفس الوقت الذى ظلت فيه الضحكات، شعرت أن هناك أمرًا ما، غير أنى لم أكن أتوقع أن صوتى بهذا السوء، الجميع فى جماعتنا أخبرنى أننى أملك صوتًا جميلًا، هل كذبوا على؟! إلا أنهم شيوخ، والشيوخ لا يكذبون. عدت لأكمل فقرتى، صاحب ترتيلى للنشيد بعض قطرات الدمع التى سقطت من عينى لتبلل صوتى الذى أضحى حزينا، صرت أغنى والجميع يضحك، وفى الخلف أنظر إلى أستاذى ليخبرنى أن أستمر، وفى نهاية إنشادى نظرت إلى السماء وكانت تلك هى المرة الأولى التى تمنيت فيها أن أموت، ولم تكن الأخيرة. لم أصدق أن صوتى بهذا السوء، وإلا ففيم كانت تلك السنوات الثلاث التى غردت فيها فى معظم احتفاليات الإخوان فى قريتى؟ هل كذبوا على؟ لا، لا، ربما كنت مرهقًا فلم أحسن الإنشاد، وربما كان الطلبة يضحكون من شىء آخر. لم أعد إلى الإنشاد مرة أخرى بعد تلك الحادثة، لا أعلم لماذا؟ ربما لم أقوَ على أن أبلل صوتى بدمعاتى مرة أخرى! حتى قراءة القرآن بصوت منغم أوقفتها، صرت أقرأ قراءة عادية كمن يقرأ من جريدة. مرت ثلاثة أعوام على تلك الحادثة حتى كان عام 2001 وكنت حينها فى الصف الثالث الثانوى، وفى أثناء حضورى لصف التربية الموسيقية علمت من أستاذ المادة أن الوزارة تقيم حفلًا غنائىًّا بالاشتراك بين عدة مدارس وأننا سنشترك. دبت الطمأنينة بقلبى قليلا عندما علمت أننا سنشترك ككورال خلف المطرب، لم أكن أود أن أمر بتجربة غنائية فاشلة أخرى. شدنى الحنين مرة أخرى إلى هذا العالم، فقررت أن أتناسى ما كان وأن أحيا ما هو كائن. غير أن القدر أبى إلا أن يضعنى تحت قدميه مرة أخرى، ذلك أننا فى أحد أيام المران استعدادًا للحفل حضرت مسؤولة من وزارة التربية والتعليم لمتابعة المران، وفى أثناء ترديدنا الأغنية حدث خروج عن النص، فأوقفت المسؤولة المران وطلبت من كل منا أن يغنى مقطوعته منفردًا. وكانت الفاجعة، هل أضع نفسى فى تلك السوءة مرة أخرى، ليتنى لم أشترك فى هذا الأمر من بدايته، لكنى أحب الموسيقى حقًا، ولم أكن لأفوت أمرًا مثل هذا. طلبت منى مسؤولة الوزارة عن النشاط الفنى أن أغنى قطعة من الأغنية، وقد كان، لكنها أوقفتنى مع أول كلمة، وردتنى بكلمات رقيقة علمت من خلالها أن صوتى ليس بالجيد، وأن هناك أمورًا أخرى تقنن الصوت، فليس بالتنغيم وفقط يكون الصوت طربًا. كان عزائى حينها أننى كورال، أسند المطرب الأساسى فى غنائه، فليس مطلوبًا منى أن أمتلك صوتا جميلا. رأيتها وهى تقوِّم طريقتى فى الغناء، تحدثنى بشكل أكثر تخصصًا ودراية، فهمت من حديثها أن العيب ليس فى الصوت، إنما العيب فى تقنين الصوت، فى تمرينه على هذا الأمر، وتلك التمارين والتدريبات لم يكن يهتم بها الإخوان. هناك أمور من المحظورات، وإن اضطرت إليها الجماعة فقد تأتيها بغير اهتمام فقط من أجل سد بعض الثغرات. قد تدعى الجماعة أنها لا ترفض الفن، والموسيقى، والتصوير، وأنها تقف عونًا له لا حائلا ضده، لكن هل فكر أحدكم يوما أن يستوقف إخوانيًّا ويسأله ما نوع هذا الفن الذى تبيحه الجماعة؟! بالطبع لم يكن شيخى على علم بتلك الأمور، كنت قد أنشأت دائرتى السرية التى تسير بالتوازى مع دائرة الإخوان، تلك الدائرة السرية هى عالمى الخاص الذى لا أجده داخل تلك الجماعة. فأنا أقرأ كتبًا غير التى يقرأها شباب الجماعة، أسمع موسيقى غير التى يسمعونها، أشاهد أفلامًا سينمائية غير عمر المختار والناصر صلاح الدين الأيوبى، وفى أحيان أخرى كنت أغازل ابنة الجيران لأقتنص منها بضع ضحكات تنهض بهذا القلب الذى كاد يموت من كثرة ما أبغضوا إلينا النساء، وكيف أنهم يذكروننا دائما بخطورة الاقتراب من هذا العالم الذى لا طائل من ورائه سوى الخسران. كان أمرًا مثيرًا للدهشة والتناقض فى الوقت ذاته، فأنا فى الصباح أشترك مع فتيات فى بروفات كلها غناء وعزف وموسيقى، وفى المساء أجلس فى المسجد أقرأ القرآن وأقيم الصلوات. كان عالما لكم أحببته، فى دينهم يسمونه نفاقًا، وفى دينى أسميه «هكذا يحيا الإنسان»، فكل ما يدخل السرور على هذا القلب هو حلال، طالما لم يضر الآخرين. وتذكرت مقولة أحد شيوخ الأزهر عندما قال «آتونى بما ينفع الناس وأنا آتيكم بالدليل الذى يؤيده من القرآن والسنة». وفى الليلة المنشودة التى سيقام فيها الحفل -والذى أقيم على مسرح المدرسة السعيدية بالجيزة وحضره حينها محافظ الجيزة- كنت أشعر كأنى إنسان غير الإنسان، وكأنى تبدلت إلى شخص آخر. هذا العالم الذى أحيا داخله، والذى هو من المحظور الاقتراب من أسواره، وأنا داخل دائرة الجماعة، ها أنا أعيش الآن بين أفراده كواحد منهم، وليس مجرد متفرج من خارج الأسوار، كلما انتظمنا للاستعداد للحفل كلما انتظمت كل أركانى وتهيأت للحدث. أين الرعشات؟! أين الخيالات؟! أين الخوف؟! هل هناك علاقة بين أن أمثِّل الدور الحياتى الذى أعشقه وبين ذهاب رعشات أطرافى وخوفى؟ اصطففنا على المسرح وبدأ الغناء، ومع الغناء والعزف بدأت أشعر بأن هناك إنسانًا آخر يحل فى هذا الجسد مع كل مقطع موسيقى وكل نوتة موسيقية تعزف، هل حل فى جسدى جسد آخر غيره؟ هل حلت بى روح أخرى؟ أم أنى تطهرت من عبودية الماضى فوجدت نفسى؟ لكن ما فات أيقظ فى نفسى التساؤلات من جديد. ذلك أن نفسى راودتنى عن سؤال ما، كيف رآنى شباب الإخوان منشدًا أملك الصوت الحسن؟! منذ بضعة أسابيع وقبل انتخابات الرئاسة 2012 انتشر على «اليوتيوب» فيديو لمنشد إخونى يغنى من أجل الدكتور محمد مرسى مرشح الإخوان المسلمين. كان صوته فى منتهى السوء، وأخذ الجميع يتندر على هذا الصوت، غير أن أحدكم لم ينتبه إلى أن هذا المنشد كان يصدق نفسه بالفعل، لو نظرنا إلى تعابير وجهه لوجدناه يستشعر كل كلمة يقولها حتى إنه كاد يبكى من فرط اللذة فى مواطن عدة فى النشيد. كان النشطاء يتداولون الفيديو على شبكة الإنترنت للسخرية، فى الوقت الذى كنت أجلس فيه مع نفسى لأعيد تقييم الماضى، أعادنى الفيديو إلى منشد آخر عاش سنوات يظن أنه عبد الحليم حافظ، حتى اكتشف بمجرد أن ساقته الظروف فى طريق أناس أكثر تخصصًا أنه إنسان عادى، إلا أنه عاشق للموسيقى ويملك ذائقة فنية وفقط، غير أنه لا يصلح أن يكون مطربًا، هو بالكاد يصلح أن يكون سنيدًا، كورال يساعد المطرب الفنان والموهوب بحق. الإخوان لم يكذبوا علىّ عندما أخبرونى أنى أملك صوتًا جميلًا، ذلك أن الفن فى مرتبة متأخرة جدًا، وقد يكون لا مرتبة له من الأصل ولا منزلة. لهذا تساوى لديهم المطرب والسنيد، وتبدلت الأماكن بكل سهولة لنجد من لا يستحق فى المكان غير المناسب. هدم تلك الفرضية التى زرعها فى نفسى الإخوان ساعد فى هدم فرضيات أخرى، وهى أن رؤيتهم تلاشت أمام أول إنسان متخصص، يفهم دوره ويدرك ما يناط به، أو بدقة أكثر إنسان يعى أين يضع خطواته. عندما تحاور إخوانيًّا وتجده يصدق نفسه بالكلية لا تتعجب، فإن كنت أنت ترى أنه لا يفهم، فأعلم أن هناك ملايين الإخوان يؤيدونه فى كونه يفهم، لكنهم لا يؤيدونه لأنه فنان أو مطرب أو مسرحى أو ذو بصيرة، هم فقط يؤيدونه لأنه إخوان مسلمون. انتهى الحفل ومع آخر أغنياته وقف الحضور واشتد التصفيق، كانت متعة لا تعادلها متعة، متعة أنك قدمت أمرًا تحبه، وفى نفس الوقت هناك من يهنئك ولا ينهرك، بل ويهنئك بشدة ولا يكفِّرك. كنت قد اشتريت أيام الجامعة أحد أشرطة الكاسيت والتى تحوى خطبة لأحد الدعاة المشهورين والمحسوبين على التيار المعتدل، كان يتحدث فى تلك الخطبة عن القراءة وأهميتها، وأخذ الشيخ يصنف أولويات القراءة، وفى البداية كان هذا الأمر غير محبب إلى قلبى، فالقراءة لا تقيدها أولويات، أخذ يعدد الداعية أولويات القراءة وبدأ بالطبع بالقرآن الكريم، ثم كتب الحديث فالفقه فالسيرة، وذكر عشر مراتب للقراءة، وكان الأدب فى المرتبة العاشرة، بل وشدد على عدم الانجراف فى تلك القراءة الأدبية إلا فى ما يخدم المراتب الأخرى، ذلك أنها قراءة ليست بذات أهمية. كان هذا الأمر يسبب لى ألما لكونى أعشق الأدب بكل درجاته، خصوصا فن الرواية، بل إننى أزيد فى انحلالى وفسقى وأقرأ آدابًا مترجمة لروائين كفار وملاحدة! حاولت أن ألتزم بما ورد فى تلك الخطبة وقررت أن أنفض عنى هذا الذنب، توجهت إلى مكتبات الأزهر واشتريت عدة مجلدات فى الفقه والسيرة والتفاسير وعدت بها إلى المنزل، وضعتها أمامى وحاولت جاهدًا أن أقرأ ما قال عنه الشيخ إنه الفلاح، أمسكت بأول كتاب وكان فى السيرة النبوية لأحد الشيوخ الصاعدين على السطح حديثا أيضا والمحسوب على تيار الإسلام الوسطى، وبعد أن قرأت بضع صفحات وجدت الشيخ فجأة قد خرج عن السياق وأرسل كلمات تكفيرية وجهها إلى التيار العلمانى. فور أن سقطت عيناى على تلك الكلمات قمت بإغلاق الكتاب، أمسكت الآخر فكان على نفس النهج التكفيرى، الرافض لكل ما هو غير ما يبتغون، ويا ليت كان الرفض خلافًا فى الرأى أو الرؤية، إنما كانت تلك الكتب تصور أن الخلاف عقائدى. تركت تلك القراءات وذهبت إلى المكتبة واشتريت رواية «أولاد حارتنا» لنجيب محفوظ، كانت قد صدرت حديثا عن «دار الشروق» بعد سنوات من المنع، ذهبت إلى درس القرآن وأنا أحمل فى يدى تلك الرواية، فما كان من زملاء الحلقة إلا أن نهرونى لأننى اشتريت رواية لهذا الأديب الكافر، ومال على أحدهم وأخبرنى أن هناك كتابًا لأحد شيوخ السعودية صدر حديثا فى ثمانية مجلدات يتحدث عن الكتب التى حذر منها العلماء، وكان يحمل فى يده أحد تلك الأجزاء. أعطانى الكتاب لكى أقرأه وأنقذ نفسى من تلك الضلالات، كعادتى نظرت فى الفهرس أولا، فصدمت عندما وجدت أن الشيخ محمد الغزالى قد وضع كتاب من كتبه بين تلك الكتب، كتاب (هموم داعية). لقد تعدى الأمر مجرد الروايات والقصص وصارت حتى الكتب الدينية محل نقد، هذا الدين يصلح وهذا الدين لا يصلح. لكن أى علماء هؤلاء من أعطوا أنفسهم الحق فى تحديد من يصلح ومن لا يصلح من العلماء؟ وفى تلك اللحظة بدأ السلفيون يدخلون على خطوط حياتى بجوار الإخوان. فور الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب كأول مجلس منتخب بحرية بعد الثورة طار إلى مسامعى أن المسؤول عن لجنة التعليم داخل المجلس أحد أعضاء حزب النور السلفى، فعلت ضحكاتى بشكل هستيرى، ولكنه ضحك كالبكاء. ليس لدى ما يمنع أن يتحكم الإخوان وأخواتها فى كل الوزارات، لكن رجاء خاص، أطلقوا أيديكم عن كل ما له علاقة بالثقافة والتعليم، فأصحاب الدعوة القائلة إن الأدب علم لا ينفع لا يتسنى لهم أن ينهضوا بالتعليم.