حوار: هدى أبوبكر جاء اختيار المستشار هشام جنينة ليتولى رئاسة الجهاز المركزى للمحاسبات، خطوة إيجابية نحو إعادة تفعيل دور الجهاز الرقابى الأول فى مصر، بعدما تحول إلى مجرد شكل ديكورى استخدمه النظام طوال السنوات الماضية لتجميل صورة الديمقراطية المزيفة التى دائما ما كان يحاول أن يرسمها.
المستشار هشام أحمد فؤاد جنينة، نجل أحد شيوخ القضاء الكبار، ومن أبرز القضاة المنتمين إلى ما عُرف ب«تيار الاستقلال» داخل القضاء، فهو قاضٍ لم يختلف أحد على نزاهته وعدالته وسمعته الطيبة.
«الدستور الأصلي» التقته فى مكتبه بمقر الجهاز المركزى للمحاسبات، وحاورته حول رؤيته لتطوير عمل الجهاز، وأهم الملفات المطروحة على مكتبه، ليكشف لأول مرة عن سبب استبعاده من تولى حقيبة وزارة العدل، ويروى تفاصيل لقائه مع الرئيس محمد مرسى وماذا طلب منه من أجل تفعيل الدور الرقابى للجهاز المركزى للمحاسبات…
رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات: الخصخصة والصناديق الخاصة أهم ملفين أتابعهما.. وشكلت لجنة من الجهاز لجمع المعلومات عن صناديق رئاسة الجمهورية
لن أقبل عدم خضوع «الرئاسة والدفاع والداخلية» لرقابة الجهاز.. ومش مستعد أضحى بسمعتى
■ كيف جاء اختيارك لهذا المنصب؟ وما أسباب قبولك؟ - أنا لم أكن أتوقع طبعا الاختيار، كان مفاجأة بالنسبة إلىّ، وعندما اتصل بى نائب الرئيس المستشار محمود مكى ليبلغنى بهذا التكليف من الرئيس، كانت لدىّ رغبة شديدة فى التفكير أولا، إلا أن المستشار مكى قال لى لا تتردد ولا تفكر لأن هذا الموقع موقع هامّ فى الدولة، وأنت بدأت مسيرة إصلاح فى القضاء فاستكملها فى هذا المكان، وبالفعل أقنعنى ووافقت فى نفس المكالمة.
لكنى لم أسعَ إلى هذا المكان إنما كُلفت به من قِبل الرئيس مباشرة، وهو من اختارنى، حتى إننى كنت أعتقد أن المستشار مكى هو من زكّانى، لكن مكى قال لى إنه علم بترشيحى من الرئيس، وبحكم صلته بى طلب منه إبلاغى، فاعتبرت أن هذا تكليف وثقة من رئيس الجمهورية فلم أتردد فى قبوله، واعتبرت المنصب استكمالا لمسيرة الإصلاح التى بدأتها فى القضاء، أنا وزملائى، والآن أستكملها فى مكان آخر الدولة تحتاج إلىّ فيه، رغم أن تركى القضاء ليس سهلا علىّ، ورغم علمى أن المنصب يعتبر تعيينا جديدا فى وظيفة جديدة، من ثَم أنا خرجت خارج منظومة السلطة القضائية والآن لست قاضيا، وهذا أمر صعب علىّ جدا، فمنذ 1976 وأنا أعمل فى القضاء.
■ ولكنك فى البداية كنت مرشحا لمنصب وزير العدل، ثم فوجئنا باختيار المستشار أحمد مكى رغم رفضه فى البداية، ما كواليس ترشيحك للوزارة ثم اختيار مكى لها؟ - المستشاران أحمد مكى وحسام الغريانى كلاهما رفض المنصب من قبل، وأنا واحد من الذين ألحوا على المستشار أحمد مكى لقبول المنصب، لأننى أعلم جيدا أنه زاهد فى قبول أى منصب، والذى حدث أنه بعد اعتذار الغريانى ومكى كان البحث عن قاضٍ من تيار الاستقلال، فكانت البداية بشيوخ القضاء، وحين رفضوا بدؤوا البحث فى الصف الثانى، فوقع الاختيار علىّ والمستشار أحمد سليمان، وتقابلنا مع الدكتور هشام قنديل كل على حدة، وعلمت بعد ذلك أن رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل بالتشاور مع رئيس الجمهورية اتفقا على تكليفى بالمنصب، ولكن حصل اعتراض من المجلس العسكرى -وزارة العدل من الوزارات السيادية التى يكون فيها الاختيار بالتشاور مع المجلس العسكرى- فالمجلس العسكرى كان يريد الإبقاء على الوزير السابق المستشار عادل عبد الحميد، وكانت حجته أنهم يريدون أحدا كبير السن فى المنصب، وهذا يعنى بالطبع استبعادى والمستشار سليمان، ويصبح لا بديل أمام المؤسسة الرئاسية إلا عادل عبد الحميد، فكان لا بد من إيجاد بديل للحيلولة دون استمرار عادل عبد الحميد فى الوزارة، ولذلك مارسنا ضغوطا على المستشار أحمد مكى لقبول المنصب، لأن اتجاه المجلس العسكرى كان بقاء عبد الحميد وخدم على ذلك المستشار أحمد الزند.
■ ما سر تولى «قضاة الاستقلال» كثيرا من المناصب المهمة فى البلد؟ - أنا حين شرفت بلقاء الدكتور أحمد فهمى رئيس مجلس الشورى -جاءنى للتهنئة- سألته: إيه الحكاية؟ وقلت له: أنا لا أعرف الدكتور محمد مرسى ولا أعرفك ولا أنا من الإخوان، ليه اخترتونى؟ قال لى: إحنا بنختار بناء على الموضوعية وده كان شغلنا الشاغل فى منصب حساس مثل الجهاز المركزى للمحاسبات ووزارة العدل، فكنا نبحث ضمن المجموعة التى وقفت فى وجه النظام فى أشد وأقوى أيامه وقوته، وقالت لا فى وجهه، فى الوقت الذى قال فيه غيركم نعم، فكنا حريصين أن نختار من يقول كلمة الحق ويقف فى وجه النظام، وأن لا تكون هذه الشخصيات بعيدة عن الاختيار فى المواقع المهمة فى الدولة، من هنا كان اختيار المستشار أحمد مكى واختيارى واختيار المستشار محمود مكى.
■ ولكن هناك اتهامات توجه إليكم أن بعضكم ينتمى إلى الإخوان؟ - على الإطلاق، ليس من بين قضاة هذا التيار من ينتمى إلى الإخوان، لا المستشار حسام الغريانى ولا غيره. هو عشان دقنه اللى مربيها يتقال عليه إنه إخوان؟ والمستشار أحمد مكى ليس من الإخوان، والمستشار محمود مكى كان ضابط شرطة، وأنا أيضا كنت ضابط شرطة فى بداية حياتى، ومسألة التصنيف بهذه الصورة أنا ضدها. وبعدين هما الإخوان دول مش مصريين؟ كلنا مصريون، اليمينى واليسارى والليبرالى والدينى وغير الدينى، كلنا مصريون، وليس لى علاقه بالانتماءات السياسية والمعتقدات أو الديانة، بل أتعامل مع الشخص كإنسان مصرى له حقوق وعليه واجبات، وكون الإخوان كفصيل سياسى أو دينى أو حزبى وصل إلى السلطة فأحكم عليه من أدائه، ولا أتخذ ضده موقفا عدائيا لمجرد أنه يحمل اسما دينيا.
■ وما الحوار الذى دار بينك وبين الرئيس حين التقيته؟ - كان لقاء طيبا وحمل كثيرا من الود وتقديرا كاملا لكونى أحد رجال القضاء، وشعرت معه بدعم كبير جدا لدور الجهاز المركزى للمحاسبات كأكبر جهاز رقابى فى مصر، وهو حريص على دعم هذا الدور وتقويته بكل السبل، وقال لى بصراحة إنه يعوّل علىّ وعلى الجهاز خلال الفترة المقبلة فى القضاء على الفساد المالى والإدارى فى مصر.
شرحت له بعض المعوقات التى يواجهها الجهاز، أبلغته أننى التقيت الزملاء فى الجهاز كى أتعرف على خبايا الجهاز ومشكلاته، فهناك مشكلات داخلية وخارجية، ونقلت له أن القانون الذى ينظم عمل الجهاز يحتاج إلى تعديل، وكذلك نقلت له عدم تعاون بعض الجهات فى الدولة مع الجهاز ورفضها أن تخضع لرقابته، وأبلغته رفضى أن تكون أى جهة بمنأى عن رقابة الجهاز المركزى للمحاسبات وفقا للقانون، بما فيها مؤسسة الرئاسة أو وزارة الدفاع أو الدخلية أو أى وزارة.
فالقانون يقول إن هذه الجهات تخضع للرقابة لكنها ترفض، منها بعض جهات تابعة لوزارة الدفاع، يعنى مثلا دور القوات المسلحة، المشروعات الاقتصادية، صناديق الإسكان الخاصة بالقوات المسلحة والشرطة، هذه الجهات بها مليارات الجنيهات لا ملايين، وهذا يعتبر مالا عاما ولا نعرف أوجه إنفاقه، من ثَم يغيب عن الجهاز الرقابى الأول فى مصر تتبع هذه الأموال وأوجه إنفاقها، وهو ما يعد بابا كبيرا للفساد.
وأكدت له أنه أمر مهم وضرورى تتبع كل الأماكن والجهات التى تخضع للجهاز وذكرت له هذه الأماكن، لأننا فى الجهاز حريصون على أداء عملنا بما يرضى الله وينال ثقة الناس، وأنا ماعنديش استعداد أخسر سمعتى اللى اكتسبتها فى القضاء عشان أى منصب، وأتمنى أن أؤدى عملى بذات الأداء الذى أديت به فى القضاء من خلال عملى بالجهاز، وأغادره بنفس السمعة التى خرجت بها من القضاء.
أما فى ما يتعلق بسرية المعلومات والأمن القومى فلا يصح الاطلاع عليها، ومافيش أى مواطن مصرى يقبل أن يخترق الأمن القومى، وهذه فى أمور مثل التسليح وصفقات الأسلحة، وما يتعلق بالأعمال المخابراتية ونشاطها، كلها أمور لا يمكن أن نقترب منها، لكن على سبيل المثال نفاجأ أن شركات منشأة تابعة لجهاز المخابرات العامة ولا تخضع لرقابة الجهاز رغم أنها تباشر أعمالا استثمارية، تبنى وتبيع عقارات، فهذا نشاط تجارى لا بد من مراقبته، لأنه مال عام، فلماذا لا يخضع لرقابة الجهاز؟
■ وماذا كان رد الرئيس عليك؟ - وافقنى على ضرورة أن يمارس الجهاز المركزى للمحاسبات رقابته وفقا للقانون على كل جهات الدولة التى تخضع لرقابته، وهناك خلاف كبير جدا بين منظومة كلها تتجه نحو الفساد وإخفاء الحقائق والمعلومات، ومنظومة مختلفة على رأسها شخص يريد أن يكشف الفساد، وإلا لم يكن ليختارنى.
وأنا ماعنديش شك فى تعاون الوزراء مع الجهاز، وأنا فوجئت باتصال من رئيس الوزراء يطلب منى أن أذهب للتفتيش عنده، فى الوقت اللى ماكانش فيه حد يجرؤ إنه يروح يفتش فى مجلس الوزراء أو يقترب من وزارة الدفاع أو الرئاسة، وكذلك وزيرا العدل والسياحة اتصلا بى، لأن هناك رغبة حقيقية لدى النظام أن تخضع جميع المؤسسات لرقابة الجهاز.
■ جاء اختيارك من خارج الجهاز.. فكيف كان رد فعل العاملين به على اختيارك خصوصا مع مطالبتهم بأن يكون اختيار رئيس الجهاز من أبنائه؟ - كنت أعلم هذا بالطبع قبل مجيئى، والعاملون بالجهاز كانوا متخوفين ومتوترين من ناحيتى، فأنا بالنسبة إليهم شخص مجهول وكنت لا أعلم إذا كانوا سيتعاونون معى أم لا، لذلك كنت حريصا حين جئت أن أبدد هذه المخاوف وأن أزيل الحائط بيننا، وأنا فى تواصل معهم وألتقى كل يوم مجموعة منهم، لأن عدد أعضاء الجهاز يتجاوز 12 ألفا وباسمع مشاكلهم ومعوقات العمل، وحرصت أن أقول لهم إننى لم أسع للمنصب، وأنا أعلم مطلبكم أن يكون الرئيس أحد أبناء الجهاز، والجهاز ملىء بالكفاءات والخبرات التى تستحق المنصب، ولكن لا ذنب لى فى اختيارى، وأبلغتهم أننى أتمنى أن أكون آخر رئيس جهاز من خارجه.
■ الجهاز المركزى للمحاسبات يتبع رئيس الجمهورية، ألا يعد ذلك أمرا ماسًّا باستقلاله؟ - هناك مطالب بإلغاء أى تبعية للجهاز، الجهاز فى بداية نشأته كان يتبع مجلس الشعب ثم عدل القانون وأصبح تابعا لرئيس الجمهورية مباشرة، التبعية المنصوص عليها تبعية شرفية أكثر منها تبعية مهنية، فالرئيس غير معنىّ بشغل فنى خاص بحسابات وميزانيات ومخالفات إدارية، إنما التبعية شرفية لرفع مكانة وشأن الجهاز أمام كل أجهزة الدولة، لأنه الرقيب عليها كلها، رفعا لقدره وإعلاء لمكانته نص القانون على أن يتبع مباشرة الرئيس، ولكن مع الحساسية الشديدة من التبعية والخوف من أنه مساس باستقلاله، الأشخاص زائلون، ورغم قناعتنى بأنه لا أحد يستطيع أن يتدخل فى عملى أو يملى علىّ أو يؤثر، مع ذلك أؤيد المطلب بإلغاء هذه التبعية الشرفية.
الأفضل أن يكون الجهاز مستقلا غير تابع للرئاسة، لكننى مؤمن بشىء هو أننى لو لدىّ قانون محكم، والمسؤول غير سليم بحيث لو اترفعت عليه سماعة التليفون يخاف، إذن ما فائدة القانون؟ الأشخاص يصنعون رفعة المكان أو المنصب وليس العكس، والقانون مش هيضفى على الإنسان فاسد الطباع نزاهة، ولكن حسن اختيار القيادات فى المواقع عندى أهم من القانون.
■ ماذا عن مراقبة مخصصات رئاسة الجمهورية وتحديدا الصناديق الخاصة؟ - الرئيس مهتم جدا بالصناديق الخاصة، وقالى دى مصيبة المصائب، مئات المليارات فى هذه الصناديق ولا رقيب ولا حسيب عليها ولا تخضع لرقابة الجهاز، رغم أن هذه الصناديق بما فيها من مبالغ ضخمة يمكن أن تسد عجز الموازنة وتغنينا عن قرض صندوق النقد الدولى «ولا سؤال اللئيم».
■ وهل بدأت فى جمع معلومات عن هذه الصناديق؟ - بالفعل هناك لجنة شُكلت من الجهاز، وهناك عمل يجرى الآن فى جمع كل المعلومات الخاصة بالصناديق وبمجرد الانتهاء من عملها ستعرض النتائج على الرئيس، وخلال فترة قصيرة سأعلنها على الرأى العام لأن هذا من حقه، فالرقابة الشعبية أعلى أنواع الرقابة، ومافيش سرية بعد كده، السرية فى حدود ما يستلزم السرية، لكن السرية والتوسع فى هذا اللفظ أمر غير مقبول وكلمة سرية تصيبنى بالحساسية، وأتمنى أن هذا الفكر يسود ونتعاون جميعا من أجل أن نقضى على الفساد المالى والإدارى، لأن هذا هو مدخل الإصلاح الاقتصادى والمالى للبلد.
■ وماذا عن منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية؟ - تخضع لمراقبة الجهاز ما دامت تتلقى أموالا من الداخل والخارج، وهدفنا هو حماية المجتمع من تأثير المال الذى تموّل بها هذه المنظمات سواء داخليا أو خارجيا وتوجيهها فى اتجاه يضر باستقرار المجتمع أو الأمن القومى، وهذا المفهوم ليس معناه أننا نعطى لأنفسنا الحق فى التدخل فى عملها على الإطلاق، نحن نؤمن برسالتها ودورها وأنا حريص على دعم دورها وزيادة عددها، ولكن دورنا ينحصر فى الرقابة المالية على هذه المنظمات حتى لا تفسد «كتر الفلوس يعلم السرقة». ■ قلت إن جماعة الإخوان ليست فوق القانون.. ولكن كيف تخضع لرقابة الجهاز وهى ليست جمعية أهلية؟ - قانونية الجماعة من عدم قانونيتها مسألة أخرى، هناك قولان، الأول أنها ليس لها غطاء قانونى وشرعى، والآخر أن لها غطاء قانونيا وشرعيا، وعلى أجهزة الدولة أن تحسم هذا الخلاف، فالجهاز غير معنى به.
الإخوان يقولون إنهم جمعية منشأة ومشهرة من قبل قيام ثورة يوليو، لكنها حلت بقرار فى ما بعد، إلا أنهم غير معترفين بقرار الحل، ويصرون على أنها مشهرة ومسجلة وفقا للقانون عند بداية نشأة الجماعة، فعلى الجهات الحكومية أن تبحث هذه النقطة القانونية، وأنا كجهاز أراقب المال العام سواء داخل جمعيات أو منظمات، ومش معقولة أراقب منظمات المجتمع المدنى التى تتلقى تمويلا داخليا أو خارجيا وأترك جماعة الإخوان، لأنه يعتبر كيلا بمكيالين، وأنا تعودت كرجل قانون أن لا أكيل بمكيالين، فإذا طبقت القانون على منظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية أطبقه على جماعة الإخوان فى ما يتعلق بمصادر التمويل وأوجه الإنفاق ولكن لا شأن لى بعملها.
■ ما أهم الملفات التى بدأت العمل بها؟ - ملف الخصخصة وملف القطاع العام الذى بِيع، نريد أن نعرف الأموال أنفقت إزاى وفين، وأيضا ملف الصناديق الخاصة، الموارد من أين أتت وكيف أُنفِقَت، وهذان أهم ملفين مطروحين الآن.
■ وهل قانون الجهاز يحتاج إلى تعديل لكى يتمكن من أداء دوره الرقابى على أكمل وجه؟ - نعم هو فى حاجة إلى تعديل تشريعى، وأتمنى فى التعديل المقبل للقانون أن تكون رقابة الجهاز سابقة وليست لاحقة، بمعنى لا أنتظر المصيبة تحصل وأقول إنها حصلت، لأن العمل الحكومى والإدارى لا يتم فى لحظة، بل يستغرق شهورا وسنوات، مثل عقد الصفقات، أو عقد قرض قد تكون شروطه غير مناسبة أو بها مخالفة، أو أى عقود بها تجاوزات مالية، فلا أنتظر حين يوقع العقد وأقول إنه مخالف، بل أراجعه قبل توقيعه، وهذه هى الرقابة السابقة، فلا بد للجهاز من أن يجمع بين الرقابتين.
الرقابة السابقة يتولاها حاليا المراقبون الماليون التابعون لوزارة المالية، وخضوعهم تحت سطوة وزير المالية يجعلهم غير أحرار فى كتابة تقاريرهم بالشكل القوى الذى يعمله المراقب عندنا بالجهاز، وأنا ألتمس لهم العذر نتيجة الضغوط عليهم من الوزير، وأنهم تحت رحمته، لذلك فإن الأقدر أن يقوم بهذا الدور مراقبو الجهاز، وأنا أفكر أن تنقل تبعيتهم للجهاز المركزى حتى يتحرروا من قيود السلطة عليهم ويكون المراقب مستقلا غير تابع لأى وزير.
■ ما اللحظة التى يمكن أن يتقدم فيها المستشار هشام جنينة باستقالته؟ - إذا شعرت أننى لن أرضى الله وضميرى فى هذا المكان، لأنى ماعنديش استعداد أن أخسر نفسى وأخسر رضا الله، وأخسر سمعتى وثقة الناس، وأضحى بالجلوس على الكرسى، وقتها هاتركه فى صمت.
■ الآن يجرى كتابة دستور جديد للبلاد.. هناك قطاع كبير من الناس لديه تخوفات من أداء الجمعية التأسيسية، كقاضٍ هل لديك هذه التخوفات؟ - بالفعل استشعرت أن الجمعية التأسيسية تتجه لإرضاء فئات وفصائل وقوى سياسية فى المجتمع على حساب الصالح العام، وليس معنى أن مجموعة صوتها عالٍ تطالب بمطالب شخصية أرضيها على حساب المصلحة العامة، هناك من يوجه الجمعية لتحقيق مصالح فئوية على حساب المصلحة العامة، وهذا ما أتخوف منه ونقلت هذا لهم، قلت لهم أنتم تحملون أمانة ومسؤولية الشعب وضعها فى أعناقكم، لا بد للأمانة أن يحملها رجال يكونون أهلا لها ويغلبون المصلحة العامة على الخاصة، الدساتير لا تصاغ بهذا الفكر وهذه الصورة، الدساتير نظرتها لمصلحة الشعب والوطن، أتمنى من الغريانى والجمعية فور الانتهاء من الدستور أن يعتبروها مسودة أولى تطرح على النقاش المجتمعى على أوسع نطاق، ولا تعد الصيغة النهائية إلا بعدما يعرف رأى الشعب، ولا يسيطر فصيل على الدستور، بحيث نصل إلى مسودة نهائية متفق عليها من غالبية الشعب وساعتها يتم الاستفتاء عليها.
■ وماذا عن حرية الرأى والتعبير؟ ألا تعتبر أن هناك ردة عمَّا سبق الوصول إليه فى عصر مبارك؟ - لا تعتقدوا أن الميراث الطويل والفكر السائد فى قهر الصحافة، سوف يمحى فى يوم وليله، أنا مؤمن بحق الصحفيين أن يكون لهم ما يؤمنهم فى الكتابة، وحق للشعب فى أن لا تفتئت على حريتهم وحقوقهم من وسائل الإعلام، ولكن نحن لدينا خلل فى مواثيق شرف كتير، وهناك حالة انهيار أخلاقى وسلوكى وقيمى، وكلها أمور تحتاج إلى معالجة. حين التقيت رئيس الوزراء هشام قنديل، فتح هذا الموضوع والفوضى التى تحدث فى الإعلام، وقال لى ده دور النقابات، قلت له لا تعول عليها فى أعمال مواثيق الشرف، لأن هدفها إرضاء الناخب، سألنى إيه البديل، قلت إنشاء مجلس أعلى للصحافة والإعلام ينشأ بعيدا عن الحكومة ولا يكون مسيسا، يختار بعيدا عن تأثير الحكومة، ويضم صفوة النخب الصحفية والإعلامية ممن يُشهَد لهم بالنزاهة والحيدة وبعض رجال الفكر القانونى ذوى السمعة الطيبة، وبعض رجال المنظمات وبعض من المجلس القومى لحقوق الإنسان، هذه المجموعة من حقها أن تسأل وتضع ميثاقا للشرف الإعلامى والصحفى يكون لديه صلاحيات تتدرج العقوبات فيها وتنتهى إلى أقصى حد، إلى إغلاق الفضائية أو الصحيفة إذا ما تجاوزت، يُختارون من خلال القائمين على العمل نفسه، هذا أفضل حل ونبتعد تماما عن ساحات المحاكم وجرجرة الصحفيين بالمحاكم والنيابات.