لماذا لا يخرج علينا الدكتور محمد مرسى بأسباب اختياره هشام قنديل دون غيره من مرشحين كثر؟ وما هى مؤهلاته لهذا المنصب؟وكذلك يخرج علينا هشام قنديل رئيس الوزراء المكلف (هو رئيس الحكومة الأول فى عهد ورئاسة الدكتور محمد مرسى) بأسباب اختياراته للمستشارين والوزراء المعاونين له فى حكومته، ومؤهلاتهم الشخصية، وخبراتهم العلمية والعملية؟ هذا ليس عيبًا ولا هو حرام، فقد فعله قبلهما سيدنا عمر بن الخطاب الذى وضع لنا الأسس والاعتبارات فى اختياراته للولاة والعمال الذين يستخلفهم فى أقطار الدولة الإسلامية، وهو نفسه الخليفة الراشد الثانى العادل الذى ينشد الإخوان المسلمون الآن (ويتمنون) أن يحقق محمد مرسى ولو جزءًا ضئيلا من العدل الذى تحقق فى إحدى الولايات التى فُتحت فى عهد هذا الفاروق.
فقد وصلنا (بالتواتر ومن كتب التاريخ) أن عمر بن الخطاب أمير المؤمنين وضع شروطًا فيمن يتولَّون الإمارة، فكان يقول «لا يصلح الوالى إلا بأربع خصال، إن نقصت واحدة لم يصلح له أمر: قوة على جمع المال من أبواب حلِّه، ووضعه فى حقِّه، وشدة لا جبروت فيها، ولين لا وهن فيه»، كما كان لا يُوَلِّى عملا لرجل يطلبه، وكان يقول فى ذلك «من طلب هذا الأمر لم يُعَن عليه»، اقتداءً برسول الله؛ إذ قال لطالب عمل «إِنَّا لا نَسْتَعِينُ عَلَى عَمَلِنَا بِمَنْ يَطْلُبُهُ».
لم ينظر عمرُ إلى صلاح (وقوة إيمان وشدة عبادة) الرجل فى ذاته، ولكن إلى صلاحه للولاية، لذلك كان يولى أناسًا ويكون أمامه من هو أتقى منهم وأكثر علمًا، وأشد عبادة، وكان يقول: إنى لأتحرج أن أستعمل الرجل وأنا أجد أقوى منه. وكان يستعمل رجلا من أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، مثل عمرو بن العاص، ومعاوية بن أبى سفيان، والمغيرة بن شعبة، ويدع من هم أفضل منهم (نسبًا ودينًا وخلقًا وعلمًا وفقهًا) مثل عثمان بن عفان، وعلى، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، ونظرائهم، لقوة أولئك على العمل الموكل إليهم والبصر به، ولإشراف عمر عليهم وهيبتهم له. فهو الذى قال لأصحابه «أريد رجلا إذا كان فى القوم وليس أميرهم كان كأنه أميرهم، وإن كان أميرهم كان كأنه رجل منهم». فأشاروا عليه وأخذ بمشورتهم. وكان رضى الله عنه يرجح الأقوى من الرجال على القوى، فقد عَزل عمرُ شرحبيلَ بن حسنة وعيّن بدله معاوية، فقال له شرحبيل: أمن سخطة عزلتنى يا أمير المؤمنين؟ قال: لا، ولكنى أريد رجلا أقوى من رجل. ومما أُثر عن عمر فى هذا المعنى قوله «اللهم إنى أشكو إليك جلد الفاجر وعجز الثقة».
فلا شك أن جزءًا كبيرًا من حسن الإدارة والنجاح في العمل يرتبط -بشدة- بحسن الاختيار، وحسن الاختيار لا بد أنه يعتمد على معايير وأسس، لماذا لا تعلن تلك الأسس على الناس كافة، كما تعلن الأسماء؟
لماذا لا يعلن فى السيرة الذاتية لكل وزير سبب اختياره والأعمال التى نجح فى تحقيقها والأعمال المرجو أن يحققها فى الفترة المقبلة (محددة المدة طبعا)، فكيف سيُحاسب الوزير إذا لم ينجح؟ وكيف أحاسبه ولم أختاره؟ وكيف أحاسبه أصلا وأنا لا أعرف المطلوب منه، ولا أعرف ما الذى يستطيع أن يؤديه ويقوم به؟ وهل سياحسبون أصلا لو أخفقوا فى ما أوكل إليهم، أم سيتم تقليدهم الأنواط والأوسمة على تحملهم هذا الشعب؟
هشام قنديل وحده الذى سيتحمل تبعات اختياراته لوزرائه (كما سيتحمل محمد مرسى وحده تبعات اختياره هشام قنديل وفريقه الرئاسى)، لكن الشعب الذى شارك فى تشكيل الحياة السياسية التى تقوم الآن بدورها فى صياغة العملية التنفيذية من حقه أن يعرف خبرات المسؤولين عن إدارة شؤون البلاد فى الفترة القادمة، ومؤهلاتهم، وهل تدخلت الواسطة والمحسوبيات فى عملية الاختيار أم أن الاختيار كانت أساسه الكفاءة والخبرات (كما قال قنديل)؟ وإذا كان أساس الاختيار هو الكفاءة والخبرة، فما الذى يضير هشام قنديل أو مرسى أو غيرهما من أن يعلنا الأسباب الحقيقية (أؤكد الحقيقية وليست الشكلية التى تقال للإعلام حتى يصمت ويصم) لاختياراتهم (إن كانت اختياراتهم وحدهم ودون فرض من أحد).
إذا أردتم أن تحققوا عدل عمر عليكم أولا أن تنتهجوا نهجه وتسلكوا طريقه (بالفعل لا مجرد الشعارات).
رحم الله عمر وأبا بكر والخلفاء الراشدين ومن بعدهم عمر بن عبد العزيز، الذين ملأوا الأرض عدلا بعدما ملئت جورًا وظلمًا.