حين تقرأ هذا العنوان سيقفز السؤال التالى إلى ذهنك...وده وقته؟؟؟!!! أنت طبعا تتحدث من منطلق أنه فى ظل كل تلك الأحداث التى نعيشها فمن المتوقع و المنتظر أن أحدثك عن توقعاتى بشأن الحكومة الجديدة أو رأيى فى مظاهرات القصر الرئاسى أو وجهة نظرى فى التيار الثالث أو تعليقى على منح السيد الرئيس وسام الجمهورية لراعى استقلال القضاء و رافع لواء السيادة الوطنية سيادة المستشار عبد المعز أو موقفى من جماعة الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر ورغم أن كل هذه الأشياء مهمة إلا أننى أرى أن الحديث عن التحرش أهم منها جميعا هذا إذا لم تعتبره متصلا بها جميعا!!! فمازالت كلمات الدكتور حازم الببلاوى التى كتبها فى كتابه (أربعة شهور فى قفص الحكومة) عن أن الواجب الأساسى للحكومة – أى حكومة – هو حفظ الأمن للمواطنين ترن فى أذنى،إذ أننا لا يمكن أن نتحدث عن مجتمع باعتباره آمنا فى الوقت الذى لا يستطيع نصفه الإحساس بهذا الأمن فى الشارع و إذا كان خروج الأمريكان قد كسر نفسك و أهان كرامتك فأنا أتصور أنه من المنطقى أن تشعر بإحساس امرأة تطعن فى كرامتها كل يوم مع كل انتهاك لجسدها بالقول أو الفعل وإذا كنا نتحدث عن أمر بالمعروف و نهى عن المنكر فأعتقد أننا حين نتحدث عن التحرش فإننا نتحدث عن المنكر شخصيا بيد أننى حين ذكرت التحرش فى عنوان مقالى لم أقصد به التحرش الجنسى فقط –وهو الأمر الذى سأعود إليه لاحقا – ولكن كنت أتحدث عن مجتمع طفحت فيه بالوعة التحرش فصبغت الكثير أفراده بلون قاذوراتها ووصمتهم برائحتها العفنة...كنت أتحدث عن التحرش بمفهومه الواسع حرصا على توضيح فكرتى...أنا أطلب منك أن تتذكر ذلك الميكروباص الذى ينحرف أمامك فجأة دون سابق إنذار أو يترك بعضا من السنتيمترات بينه وبين سيارتك أو يلهب سمعك ب(كلاكسات) أنت لا تعرف لها عددا أو هدفا أو طريقة تسكتها بها!!!! أطلب منك أن تتذكر تلك المرة التى أردت فيها أن تعبر الشارع فوجدت السيارات تتعمد الإسراع حتى لا تنتظرك بل إن البعض يرسل إليك تحذيرا ضوئيا و (يقلبلك نور) لو راودتك نفسك بخصوص العبور قبله أطلب من أن تتذكر ذلك اليوم الذى كنت فيه مرهقا بعد يوم عمل أو دراسة كامل و تتمنى أن تطير بك مواصلتك إلى سريرك ثم يقرر راكب لطيف بالنيابة عن الجميع أن تلك هى اللحظة المناسبة للاستماع إلى نغمات (هاتى بوسة أبت) التى تنبعث من موبايل صينى كريه أطلب منك أن تتذكر ذلك الموظف الذى كنت تلمح السعادة فى عينيه و هو يخبرك أن الختم غير موجود أو أن الموظف المختص فى أجازة و أن عليك الحضور مجددا و ربما يحدث معك كما حدث مع صديقى الذى ظل يتردد لمدة خمسة أيام على مصلحة حكومية من أجل بعض الإمضاءات و حين احتد أجابته الموظفة بأنها حامل و (مش طايقة نفسها) المسكين سألها:حضرتك حامل..أنا ذنبى إيه؟؟...بتجيبينى كل يوم ليه؟؟؟ حينها منحته ابتسامة هادئة واثقة و أجابته: بجيبك كل يوم عشان بتوحَّم عليك!!!!!!!!!! أو ذلك الذى يجلس أو يقف فى مواجهتك فى المترو ثم يبدأ فى تأملك من شعر رأسك و حتى أخمص قدميك دون أن يعبأ برد فعلك تجاه هاتين العينين المقتحمين لخصوصية جسدك حتى على فيس بوك و تويتر فأنت أحيانا ترى أناسا يتعمدون مضايقة الآخرين بصور أو تعليقات أو رسائل لسبب أو آخر ،أصبحنا نستمتع بمضايقة بعضنا البعض،أصبحنا نتعامل فى كثير من الأحيان كأعداء وليس كمواطنين نعيش فوق نفس الأرض و تحت نفس السماء ورغم أن التحرش بشكل عام قد أغرق شوارعنا و حياتنا،إلا أن التحرش الجنسى تبقى له خصوصية خطيرة و هى أنه يستهدف الكرامة و عزة النفس مباشرة،فحين نربى بناتنا على أن أجسادهن تمتلك فى ذواتها نوعا خاصا جدا من أنواع القدسية و الاحترام و نخبرهن أن جسد المرأة حق لرجل و احد فقط هو زوجها و الذى يمثل زواجها به (ميثاقا غليظا) أو سرا من أسرار الكنيسة السبعة ،ثم تخرج المرأة إلى الشارع لتجد أن جسدها قد أصبح مباحا لكل من يمد يده أويدفع جسده تجاهها...لا تحدثنى و قتها عن امرأة سوية نفسيا أو عن إحساس بالأمن بالمناسبة..كاتب هذا المقال ليس عضوا فى جمعية نسائية و لا سبق لى التظاهر فى مظاهرة نسوية – وهى أمور تشرّف و لا تعيب – ولكنه فقط إنسان يشعر بالضيق و الحنق إذا داس أحدهم حذاءه أو اصطدم بكتفه،وقد يكتسب لمحة من العنف إذا شعر أن هذا كان مقصودا بغرض الاستهانة به أو التقليل من قدره...لذلك حاولت قليلا أن أتخيل إحساس إنسانة بريئة تمتد إلى جسدها الأيادى عن قصد بغرض الحصول على متعة رخيصة...أى إحساس بالمهانة و انعدام القيمة ذلك الذى يغمر بنتا كهذه؟؟؟ كيف نتوقع انتاجا عمليا أو تحصيلا علميا من امرأة تنتهك آدميتها بشكل يومى؟؟؟؟ ونحن أيضا كرجال...كيف ننظر فى عيون أمهاتنا و زوجاتنا و بناتنا و صديقاتنا؟؟؟ أكاد أسمع صوت أمل دنقل و هو يقول(كيف تنظر فى عينى امرأة أنت لا تستطيع حمايتها؟؟؟) الموضوع كان بالنسبة لى مقززا...لكنه لم يكن يحتل مكانة عالية فى قائمة الأمراض الاجتماعية من و جهة نظرى حتى قرأت تدوينة لفتاة عظيمة تدعى شيرين ثابت لا أعرفها بشكل شخصى اسمها (موقع إباحى) كانت على شكل (تويتات) بدأتها كلها ب (هل تعلم؟؟؟؟) – أتمنى أن تبحث عنا على الإنترنت و تقرأها- و أخذت فى سرد معلومات عن التحرش و خبرات من حياتها و حياة صديقاتها،حين قرأت ما كتبته..شعرت أن شيرين قد عرَّت و أدانت مجتمعنا كله،وحين أقول كله فأنا لا أستثنى أحدا لأننا جميعا شركاء فى الجريمة سواء بالتحرش أو بالسكوت عن المتحرش أو باعتبار الأمر مسألة روتينية أمن نسائنا ليس رفاهية يا سادة،والحديث عن التحرش ليس حديثا نخبويا،نحن نتحدث عن أبسط حقوق الإنسان،نتحدث عن (آمنهم من خوف)و عن (آمنا فى سربه) حين يصل الأمر بمجتمع يتعامل مع التحرش بسؤال (هيا كانت لابسة إيه؟؟) فإذا كانت محجبة (تبقى مشيتها مش كويسة) و إذا كانت منتقبة (شوف عاملة إيه فى عنيها) و ينسى السؤال عن المتحرش أو توجيه اللوم له فنحن بصدد مجتمع يعانى من خلل نفسى و فكرى عميق ،مجتمع يستسهل إلقاء اللوم على الضحية لأنه لا يريد مواجهة الجانى و لا يريد مواجهة نفسه بالعجز عن مواجهة الجانى،لهذا جاءت ردود أفعاله دائما من عينة (إيه اللى مشّاها لوحدها؟؟؟) أو (إيه اللى وداها هناك؟؟) أو (إيه اللى لبسها عباية بكباسين؟؟؟) طرق التحرش نفسها تدلك على أن الموضوع خرج عن نطاق الإعجاب بجمال هذه أو تلك فالأمر الآن ليس بهدف الثناء على مواصفاتها باعتبار أن الأسطورة قالت ( البنات بتحب الكلام الحلو)،الموضوع أصبح الهدف منه إثبات رجولة زائفة و إذلال كائن أضعف،المتحرش الآن يهدف إلى إذلالها و احتقارها و ترسيخ الإحساس بالدونية الذى يعانيه بداخلها أيضا هو يتعرض لكل ضغوط الدنيا ولابد أن يضغط على أحد أضعف منه مهما كانت الأساليب و الطرق فمسكة من مكان حساس أو كلام عن جسد الضحية بأسلوب نخَّاس أو قوَّاد أو وصف لها بالعاهرة أو وصلة من الشتائم التى أصبحت بناتنا تعرفها أكثر من شبابنا (وبتسألوا البنات بتشتم على تويتر ليه؟؟؟) كل هذه أساليب تعكس الرغبة فى الإذلال و إن تغلفت بغلاف جنسى إن كثيرا من الشباب أصبح يتعامل مع كل من تعجبه على أنها عاهرة يمكنه أن يساومها على جسدها أو أن يمسك ما أعجبه منه دون مساومة، أو أن يتكفل بإطلاعها على عضوه الذكرى أو ممارسة العادة السرية أمامها وهذا ما تعكسه حقيقة أن 64% من المتحرشين لا يخجلون من الاعتراف بالتحرش...هم لا يشعرون بالخطأ أو يعتبرونه مبررا يمكننا أن نتحدث لساعات عن أسباب أصبحت محفوظة مثل تأخر سن الزواج و الظروف الاقتصادية و الاحباطات الاجتماعية ولكن هذا لن يفسر وجود متحرش فى سن الثانية عشر!!!!! يمكننا أن نتحدث عن زى الفتيات و لكن لماذا يتم التحرش بالمنقبات أو المحجبات المحتشمات؟؟؟ كيف نتحدث عن استحقاقنا لدخول آفاق سياحية جديدة و شركات السياحة تخبر أفواجها بأن علي السيدات ارتداء الحجاب و توقع بعض التحرش اللفظى أو الجسدى؟؟؟؟ كيف نتحدث عن نفسنا باعتبارنا مجتمعا يحترم نفسه و نحن نتحدث عن 82% من نسائنا يعانين من التحرش الجنسى؟؟؟؟ أخشى أن التفسير القائم على الاحترام هو التفسير الوحيد المقبول...لأننا حين شعرنا باحترامنا لأنفسنا لم نمارس هذا الفعل الدنىء،و أنا هنا أتحدث عن مدينة التحرير الفاضلة فى أيام الثورة لست خبيرا فى علم الاجتماع حتى أحدثك عن خطة عمل للقضاء على المشكلة ولكننى متأكد أن الموضوع يحتاج إلى تدخل على مستوى الدولة فى الإعلام و المدارس و الجامعات و المساجد و الكنائس لأن الموضوع أصبح أخطر من أن يتم السكوت عنه ليس عيبا أن نصارح أنفسنا بعيوب مجتمعنا و إن بدت قبيحة مخجلة و لكن العيب كل العيب أن نتعامل مع أمراضنا التى تستفحل كل يوم بعقلية (كله تمام يافندم و الوضع تحت السيطرة) تحية إلى شيرين ثابت التى كشفت حقيقة مجتمعنا أمام أعين الكثيرين،وتحية إلى دينا عماد التى واجهت المتحرش و لم تتركه إلا ماثلا أمام النيابة و تحية إلى شباب و بنات يدركون خطورة الموقف و ينظمون سلاسل بشرية ضد التحرش لتوعية الناس ،وتحية إلى كل فتاة لن تسكت عن حقها بعد اليوم ،و أخيرا تحية إلى كل (ذكر) قرر أن يتحول إلى (رجل) و يتوقف عن التحرش أو يمنع حدوثه أمام عينيه عاشت مصر و تحيا الثورة