لم أقل أنى فرحت ( نسبيا ) وهو ما لم يكن متوقعا أبدا ... بفوز رئيس خلفيته من الإخوان المسلمين . لكن الحقيقة وأننى رغم يقينى حتى ما قبل إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة بنصف ساعة أن الفريق شفيق هو الفائز بعودة الحزب الوطنى طبعا وإحكام قبضته على مفاصل الدولة التى أشبعونا وصفا لها تارات قبل الثورة بأنها " رخوة " ثم تارات بعد الثورة بأنها " عميقة ".. فرحت للخلاص من الفريق وهو ما لم أتوقعه من نفسى . كل ما سأقوله هنا سيبدو دفاعا عمن أنتقدهم وأرفض منهجهم فى التفكير ولم أتخيل يوما أننى قد أقبل بحكمهم لبلدى رغم اعترافى بوجودهم فى الشارع المختطف منهم منذ عقود لأسباب ليس كلها المثقفون منها براء . لاحظت أن أصدقائى الأقباط الغاليين تباعدوا وبعضهم استنفر تجاهى لما علم بأننى لن أنتخب ما بين شرين .. ولهم الكثير من العذر فأنا من كانت تقول أن حتى الحكم العسكرى أهون من الحكم الإسلامى أو من فكرة أن تحكمنا دولة دينية خصوصا وأن أقطابها وأنصارها لا يرون ولن يروا أنها كذلك ترديدا لمقولات مستهلكة من نوع " أن الإسلام لم يعرف الدولة الدينية " . نعلم كما يعلم الإخوان أن ما يقصده المواطن المصرى العادى والمثقفون المصريون والمسيحيون والبهائيون والشيعة بدولة مدنية لا علاقة له ربما بتصور أو تفسير الإخوان والسلفيين لدولة " مدنية " .
فى ذات الوقت لاحظت أن أصدقائى من مؤيدى حكم الإخوان ابتعدوا عنى بريبة مضاعفة عن أى وقت سابق لأنهم رأوا مثل أصدقائى المسيحيين أن عدم انتخاب مرشحهم يعطى الفرصة لخصمه رمز النظام الذى قامت الثورة ( التى شاركتُ فيها ) ضده والفريق الآخر ظل ينظر لى بوصفى صوت مهدر سيذهب كذلك لصالح خصم مرشحه وهكذا . لم أنزعج كثيرا فأنا أقف على مسافة من الفريقين بقناعاتى وبإيمانى بالثورة وبقناعة تتأمل سخرية الواقع الذى جعل الإخوان يبدون حماة الثورة وجعل فريق عسكرى يتوعد الشعب كما فعل مرارا بعد إجباره على مغادرة منصب رئاسة وزراء مبارك .. جعله يبدو رمزاً لمدنية الدولة والمنقذ لها .
المؤلم أن البعض بدأ مهاجمتى تلميحا وإسقاطا وتحرشا .. من كل الأديان والاتجاهات .. ولم يتأمل بعض هؤلاء أن اختيارهم العبثى السخيف لمرشحين أجلهم وأحترمهم كخالد على مثلا هو ما أوصلنا إلى ثنائية " مرسى / شفيق " التى كادت تصيب الشعب بانهيار عصبى . لم يتأمل الكثيرون مواقعهم التى وضعوا فيها عقيدتهم الدينية قبل عقيدتهم الوطنية فصاروا يقتربون ممن يخافونهم الذى نعيب عليهم انتماءهم للدين أى للإسلام قبل أو بلا مزاحمة من أى انتماء آخر للوطن . ووجدت نفسى حين أرد على الذين يشككون فى عدم ارتداء رئيس الدولة لقميص واقٍ بل ويشبهونه بجمال مبارك فى توكيدهم على ارتدائه لذلك القميص .. وجدت نفسى حين أدفع بضرورة التحلى بشئ من الثقة والتصديق لإعطاء الفرصة التى تبدأ بعدها المحاسبة بل والمحاسبة العسيرة .. متهمة من بعض أقرب الأصدقاء بتغيير مواقفى . أنا التى تكتب عن الإيرانيين المهدر دمهم والتى ستكتب عن المصريين الذين سيهدر دمهم والتى كتبت من أزمنة فى بداية حياتى الصحفية عن عدم استعدادى لتصديق وجود حد الردة فى الإسلام وكتبت فى ذلك المعنى بعد الثورة أيضا وسبنى وشكك فى دينى المتشددون وأعلنت عن رفضى تطبيق الشريعة الإسلامية قبل الثورة وقمت بالتوقيع على ذلك ( قبل الثورة ) فى عرائض وأعلنتها مواقع مسيحية وتضامنى بالشعارات مع أقباط أطفيح وماسبيرو والتى كتبت مقالات أتخيل لو كنت مسيحية الميلاد كيف سيكون شعورى وأنا أتعرض لسماع الآذان بالإكراه فى محطات مترو الأنفاق وفى ساعة الفجر ليتم إجبارى على الاستيقاظ من نومى .. فتم لعنى وتوعدى بأنى من أهل النار وأن موقفى هو موقف الكافرة .. وظل بعض القراء يرفضون تصديق ديانتى التى تطوع أقارب لى بإجابتهم بشأنها.. وذات يوم فى بدايات حياتى الصحفية كتبت ضد إهدار دم سلمان رشدى على رواية لم أكن قرأتها بعد ( آيات شيطانية ) وحين اشتريتها من الولاياتالمتحدة وقرأتها كنت أتوقف لألتقط أنفاسى من شدة الشعور بالأذى ولم أغير رأىّ أن من يرغب فليرد عليه بمقال ، بكتاب ، برواية ، وليس بالرصاص .. اليوم - ورغم عدم مشاركتى اعتصام التحرير الأخير أو المظاهرات من فترة أمام وزارة الدفاع – أقول أنا أصدق أن محمد مرسى لا يرتدى قميصا واقيا من الرصاص وأنها ليست حركة استعراضية وأزيد : هل يجب أن نراه – لا قدر الله – مصابا بالرصاص فى صدره ليكف المتشككون عن التشكيك فى كونه لا يرتدى فانلة داخلية بيضاء بل قميصا مضاداً للرصاص ؟ .
كيف أحترم صحافيين استغلوا استخدامه لكلمة " الخادم " للشعب لكى يستخدموها بإسفاف كصفة وشتيمة له على أغلفة جرائدهم ؟ . أنا ضد فكر الإخوان كله وضد كل ما فعلوه على مر تاريخهم ولا أريدهم أن يحكموا مصر ولن أقبل ما يسعى إليه السلفيون بتصميمهم على وزارتى التعليم والصحة وعلى تغيير صياغة المادة الثانية من الدستور من " مبادئ الشريعة " إلى " أحكام الشريعة ".. لكن الحقيقة أن بعض من يتهمون الإخوان بالفاشية هم أنفسهم " فاشيون " بامتياز وبلا خجل!! . هذه طبيعة بشرية .. أن نرى القذى فى عين جارنا ولا نرى الخشبة فى أعيننا والحقيقة أنى مللت تماماً من حالة صب الآخرين فى خانات . أنا ربما أفعلها أيضا مع أنصار الحزب الوطنى وأنصار مبارك وكل الثورات تفعلها وتدعم تلك الحالة لكنى لا أتحمل إساءة تأويل مواقفى واعتراضاتى حين يتعلق الأمر ببعض المنطق وشئ من العدل .. وكل من المنطق أو العدل أو حتى الواقع يحتم أن نعطى الفرصة لرئيس ربما لا يحسن اختيار الكلام المنمق ولا يبدو سينمائيا ولا تحبه الكاميرا وليس كاريزميا لكنه ( بتلك العلات أى " بعبله " ) يكسب مصداقية لدى رجل الشارع بمظهره وبتلك العلات ، والناس لديها " عقدة " على أية حال ممن يتكلمون جيدا ويفعلون عكس كلامهم أو لا يفعلون شيئاً .. لأن معايير المثقف غير معايير الأمى أو نصف المتعلم . بعض المثقفين والطبقات التى ترى نفسها " أعلى " قليلا من البشر أعلنوا عن فاشية عميقة مضادة – ليس للرصاص بل للحرية – حين استعرضوا تحقيرهم لملابس زوجة محمد مرسى . وأقول ببساطة : ماذا أريد من ملابس زوجة الرئيس سوى أن لا يسعى زوجها ولا حزبه إلى فرض تلك الملابس علىّ أو على بناتى إن كانت لى بنات ؟ . وماذا أفعل بزوجة رئيس جمهورية مصر تكون أنيقة وفاسدة مثلا ؟ . ألم تكن سوزان مبارك كذلك ؟ . ألم تربِّ ولديها الوسيمين بل والسينمائيين على الفساد وقهر الناس واستحلال الأموال واستغلال منصب والدهما ؟ . نريد المظهر إذن ؟ .. مثل من نعيب عليهم تصنيفنا على أساسه وتدخلهم بل واعتداءهم على مظهرنا !؟ . ولماذا يكون مظهر معين " أرقى " وأفضل من غيره ؟. أقولها رغم رفضى الشخصى الكامل للحجاب وللنقاب . لكن كيف أحترم نفسى لو سعيت لمنع الأخريات من ارتدائه ؟ ... هو أو غيره ؟ .
حين كتبت على الفيسبوك أول ما حضر لذهنى فى مواجهة الحملة اللا أخلاقية ضد ملابس زوجة من أصبح رئيسنا ، وكان الآية القرآنية : " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قومٌ من قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساء عسى أن يكن خيراً منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون " .. حين كتبت هذا كاد الأصدقاء ينفضون من حولى . هل هو عار أن أستشهد بما أؤمن به متى رأيته ضروريا وذا معنى ؟ . هذه فاشية أخرى و" خاصة " يعانى منها المثقفون ب " تخويفهم " لبعضهم البعض . ولكن الحقيقة أنى لا اسعى لاحترام أحد ليس فى مقدوره احترام الناس من تلقاء نفسه.
أما النواب السلفيون الذين لم يقفوا لنشيدنا الوطنى أو لا يقفون لعلم مصر فهؤلاء وكل من تسول له نفسه التشبه بموقفهم يجب اتخاذ إجراء ضدهم مثل سحب الجنسية أو السجن أى وضع تشريع يُجرّم مثل ذلك السلوك والعدوان على رمز الوطن الذى زرعه جنودنا وهم يحررون خط بارليف فى سيناء من جيش إسرائيل المعتدى . هنا يجب أن ننتظر من رئيس الدولة ما يؤكد وعوده وتطميناته حول مدنية الدولة كما ننتظر منه الكثير وينتظر غيرنا ما يقترب من المعجزة منه فى مئة يوم وهو – للإنصاف – ما لا أظن أنهم كانوا سيطالبون به شفيق لو كان فاز . أحدث المآسى قتل شهيد السويس أحمد حسين عيد طالب الثالثة هندسة بيد من طلعوا عليه وخطيبته ليتحرشوا بهما ويستجوباهما ورأينا بيانا على الفيسبوك يتضمن اعترافا ممن يسمون أنفسهم " جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر " فى السويس ثم نفى نادر بكار أن يكون للسلفيين أية صلة بمقتل الطالب الشهيد وشارك " الحرية والعدالة " فى جنازته . لكن هذا لا يحل المشكلة . لا يعيد الشاب للحياة ولأسرته المتفجعة ولا يعيد لنا الشعور بالأمن . ماذا سيفعل رئيس الدولة مع كارثة افتتاحية كهذه ؟ . البعض يتساءل : هل كان المجرمون سيفعلونها لو كان شفيق هو الفائز ؟ . لو كان السلفيون هم مرتكبى الحادث أليس للأمر دلالة على الاستقواء بمجئ رئيس خلفيته دينية ؟. وإذا لم يكونوا هم ، أليست مهمة الرئيس والداخلية سرعة الكشف عمن يروعون الناس عمداً ؟ .
أما إصرارالسلفيين على حقيبتى التعليم والصحة فلا بد من مواجهته بحسم . التعليم يكاد يكون وزارة سيادية وربما أهم . من يريد التحكم فى أدمغة أجيال شباب مصر لكى يفرّخ تعليمنا مئات بن لادن وعمر عبد الرحمن ومن يحجبون ويزوجون طفلاتهن وينقبون زوجاتهن ومن يؤمنون أن سفر المرأة وعملها بلا رجل إثم يستلزم محرماً .. أجيال من الذين سيرون أن وجه وصوت المرأة عورة والموسيقى حرام وتدريس اللغة الإنجليزية فى المدارس خطر ومن يريد هدم الأضرحة وتماثيل أم كلثوم وعبد الوهاب فى دار الأوبرا المصرية ويتصدى للناس فى الشارع للتدخل فى ملابسهم وسلوكهم العام بناء على التحقق من هوياتهم الدينية ... هذا التنين المسموم لا بد من التصدى لخطره من البداية فلن نسمح بأن تصبح مصر لعبة فى يد أى مهووس كاره للحياة . أما التحرش والتربص بكل حرف ينطقه الرئيس فهو من لزوميات الشعب المصرى لا لزوميات منصبه فقط . وهو قبل هذا ضمنا منذ رضى بترشيحه رئيساً.. من حقه علينا أن يصدق ويقدر وينفذ ما يقول ويسعى – إن كان مؤمنا بكرامة المصريين – إلى فرض ذلك فى الداخل كما فى العلاقات الخارجية خاصة ونحن نقرأ كلاما عن الإعدام الوشيك للناشط المحامى أحمد الجيزاوى .. ونعلم كما يعلم الرئيس المصرى والملك السعودى أن المحامى سيتم عقابه بتهمة لفقها له السعوديون عقابا على انتقاده الملك ومواقفه ضد نظام الكفيل .
من حق مصر أن تتقدم ويتحقق العدل ولا نخسر الحرية . فهل أنت سيدى الرئيس أهلٌ لهذا ؟