تفاصيل ما يجري مناقشته بين العسكر والإخوان وراء الأبواب المغلقة غير واضحة لكن النزاع بينهما سيستمر في ظل تشابك المصالح وغياب الأرضية مشتركة لكي تتطلع مصر إلى نظام سياسي مماثل لتركيا يجب على مرسي التخلي عن حلم الجماعة طويل الأمد لفرض الشريعة الإسلامية
علامات التوصل إلى تسوية كانت واضحة في خطاب مرسي الذي أشاد فيه بسخاء بدور القوات المسلحة
الوضع تغير في تركيا عندما تحطم النفوذ السياسي للجيش بعد مجيء حكومة إسلامية معتدلة أعلنت التزامها بعلمانية الدولة
في تقرير نقلته صحيفة "واشنطن بوست"، عن وكالة أسوشيتدبرس، قالت إنه في الوقت الذي تقلد منصب الرئاسة في مصر أول رئيس منتخب بحرية، يبدو أن جنرالات مصر الأقوياء يتجهون لنسخ النموذج التركي؛ للإبقاء على سلطاتهم بينما يسمحون بخروج نظام مدني كامل تزينه زخارف الديمقراطية.
وأوضحت أنه ذلك النموذج ليس على غرار ذلك الذي يتفاخر به الكثيرون في تركيا الحديثة؛ ولكن يعود تاريخه إلى الثمانينيات والتسعينيات عندما أدار شؤون تركيا المدنيين تحت العين الساهرة للمؤسسة العسكرية التركية التي سعت للهيمنة على البلاد لحماية الطبيعة العلمانية للدولة؛ على الرغم من أن مصر لم تكن أبدا علمانية مثل تركيا، فإن الجنرالات يبدون على نحو مماثل رغبتهم في منع الإخوان المسلمين من احتكار السلطة.
وقالت الصحيفة إن الجنرالات سعوا للاستيلاء على السلطة حتى قبل إعلان فوز مرشح الإخوان محمد مرسي في جولة الإعادة لانتخابات الرئاسة؛ إلا أنها رجحت أن الجانبين الآن يتفاوضان على اتفاق لتقاسم السلطة وراء الأبواب المغلقة؛ حيث يحتفظ "العسكري" حاليا بسلطات تشريعية كاملة، ويسيطر على عملية صياغة الدستور الجديد، وهو دائما صاحب القول الفصل فيما يتعلق السياسة الخارجية والأمنية.
ورأت "بوست" أن بذور مثل هذا الترتيب زرعت بعد وقت قصير من الإطاحة بمبارك في فبراير 2011، عندما "أمر الجنرالات بترجمة دستور تركيا لعام 1982 إلى العربية"، وفقا لستيفن كوك الخبير في شؤون منطقة الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية، وهو الوثيقة التي خولت للجيش التركي مراقبة الساحة السياسية؛ على حد قولها.
وأبرزت الصحيفة تأييد وحيد عبد المجيد، الذي وصفته بأنه من الداخل السياسي، وكان لاعبا رئيسيا في تحول مصر، لنفس التصور بأن المشير طنطاوي وجنرالات المجلس العسكري يسعون لتكرار النموذج التركي؛ فهم يريدون وضعا خاصا في الدستور، ليكونوا مستقلين عن السلطة التنفيذية، بل أقوى منها".
غير أن الصحيفة الأمريكية أشارت إلى أن الوضع قد تغير في تركيا خلال العقد الماضي، مشيرة إلى أن النفوذ السياسي للجيش تحطم بعد مجيء حكومة منتخبة يقودها إسلاميون معتدلون أعلنت التزامها بالسياسات العلمانية.
وبررت الصحيفة سعي الجيش المصري للاستيلاء على السلطة بالنظر إلى دوره بوصفه الحاكم الفعلي للبلاد منذ الإطاحة بالنظام الملكي قبل 60 عاما؛ ولاسيما أن جميع الرؤساء الأربعة منذ ذلك الحين هم أصحاب خلفيات العسكرية؛ علاوة على أنه في الآونة الأخيرة، بنى الجيش امبراطورية اقتصادية واسعة تمثل أكثر من ربع الناتج المحلي الاجمالي في مصر، وفقا لبعض التقديرات.
وعادت الصحيفة للحديث عن الصفقة بين العسكر والإخوان؛ لافتة إلى أن تفاصيل ما يجري مناقشته وراء الأبواب مغلقة بين غير واضحة، لكن المحللون يعتقدون أن النزاع بين الجانبين سيستمر؛ وربما يتوصلان إلى تفاهم هش ويستأنفان الصراع في ظل اشتباك المصالح، وغياب الأرضية مشتركة.
ولكنها أشارت إلى أن علامات التوصل إلى تسوية، ولو مؤقتة، كانت واضحة في خطاب مرسي الذي ألقاه بعد إعلان فوزه، وأشاد فيه بسخاء بدور القوات المسلحة منذ الإطاحة بمبارك قبل 16 شهرا.
واختتمت الصحيفة تقريرها بالقول إنه لكي تتطلع مصر إلى نظام سياسي مماثل لتركيا اليوم، يتضمن جيشا تقتصر مهامه على الدفاع عن الأمة وحكومة تحظى بقاعدة شعبية قوية- يجب على مرشح الإخوان أن يتخلى عن حلم الجماعة طويل الأمد لفرض الشريعة الإسلامية في البلاد؛ وانتهاج مسار معتدل بدلا من ذلك، لافتة إلى أن مرسي يتعين عليه تهدئة مخاوف قطاعات واسعة من المصريين الذين يخشون من الإسلاميين"؛ وحينئذ فقط "يمكنه مواجهة العسكر".