الرئيس الذي ظل طوال سنوات حكمه مدعيا أنه حامي حِمَى الفضيلة والأخلاق والدين، ولاحق معارضيه بتهمة انتهاك هذه الادعاءات، لم يتمالك أمس نفسه وقام ب«سب الدين» ثلاث مرات لطاقم الأمن المرافق له إلى مثواه العادل في سجن طرة. جاء هذا بعد أن هبطت طائرة الرئيس السابق حسنى مبارك فى مهبط سجن طرة وبقيت به ثلاث ساعات دون أن تتحرك، وذلك بعد إصرار الرئيس المدان على الاعتصام داخلها ورفضه نقله إلى مستشفى سجن مزرعة طرة امتثالا للحكم الصادر ضده بالسجن المؤبد. ثلاث ساعات ظل مبارك خلالها ثابتا على موقفه الرافض، بينما حاول الحرس الخاص به إقناعه بضرورة العدول عن موقفه، إلا أن مبارك تمسك بعناده إلى حين مقابلة المشير حسين طنطاوي، ومع إلحاح أفراد الأمن على نزوله من الطائرة، قام الرئيس المخلوع ب«سب الدين» للطاقم الأمني ولأفراد الحراسة ثلاث مرات، حتى قام اللواء شاهين شاهين رئيس الحرس الخاص به بالاقتراب منه وأخبره بضرورة نزوله من الطائرة، وأنه سيكون بصحبة أبنائه داخل السجن، وذلك حسب لائحة السجن الداخلية التى تتيح له البقاء بصحبة نجلَيه جمال وعلاء، في ما يسمى ب«لمّ الشمل».
موقف المخلوع تَغيّر فور سماعه نصيحة رئيس حرسه، مما دعا نجله جمال إلى تقديم طلب فوري إلى اللواء محمد نجيب مساعد وزير الداخلية لمصلحة السجون مستندا إلى اللائحة الداخلية الخاصة بالسجن، ليتم اصطحاب مبارك من الطائرة إلى مستشفى سجن طرة حيث تم إيداعه العناية المركزة بمستشفى السجن، وفي الوقت الذى كان مبارك فيه محمولا على الناقلة كان جمال قد حصل على موافقة اللواء نجيب بالبقاء بصحبة والده داخل غرفة العناية المركزة التي تضم 5 أسرّة.
مبارك ظل في حالة ذهول، أخذ يتلفّت معها يمينا وشمالا، فقد فوجئ بنفسه داخل مستشفى سجن طرة بدلا من المركز الطبى العالمي، ليقضى داخل غرفة العناية المركزى بمستشفى سجن طرة نحو ساعة، قبل أن يصل إليه نجله جمال المحبوس احتياطيا على ذمة قضية التلاعب بالبورصة، حيث بدا الارتياح على مبارك الذى ينتظر نقل نجله الثانى علاء إلى سجن المزرعة بدلا من مُلحَق المزرعة الذى نُقل الشقيقان إليه في وقت سابق.
جمال أصر على قضاء الليلة بجوار والده داخل المستشفى لرعايته في اليوم الأول، بينما قام الأطباء بإعطاء مبارك منوِّما لينام مكتئبا، ورغم حالة المخلوع المستقرة فقد قام بتقديم طلب ليستبدل بالأطباء المعالجين له بمستشفى طرة والشرطة العجوزة، أطباء المركز الطبي العالمي، البالغ عددهم ثلاثة أطباء، لكن الطلب لم يُبَتّ فيه حتى الآن، فى الوقت الذى أكد فيه أطباء مستشفى طرة أن حالة مبارك مستقرة إلى حد كبير.
مصدر أمني أكد أن انضمام جمال إلى والده تم بشكل غير قانوني، مشيرا إلى أن الاستناد إلى لائحة السجون تحت ما يسمى ب«لم الشمل» لا ينطبق على مبارك ونجليه، فالبند الخاص بهذه الجزئية ينطبق على من صدر ضدهم أحكام بالسجن، أما جمال وعلاء فهما تحت الحبس الاحتياطي، لذا لا يجوز نقلهما من ملحق سجن المزرعة إلى سجن المزرعة حيث المستشفى الذي يرقد به مبارك.
المصدر ذاته أكد أن مبارك خالف قواعد السجن فى يومه الأول عبر استعانته برئيس حرسه الخاص اللواء شاهين شاهين خلال فترة وجوده فى المستشفى قبل دخوله غرفة العناية المركزة، بينما تحول المستشفى إلى ثكنة عسكرية نتيجة الحضور الأمنى المكثف داخل محيطه، حيث تمت مضاعفة الحراسة على السجن، وبشكل استثنائى وُضع حرس خاص من الداخل، بالإضافة إلى الحرس الموجودين داخل المستشفى ذاته، ليتحول المستشفى إلى مستشفى عسكرى ممنوع دخوله إلا للضرورة، بينما باتت غرفة العناية المركزة منطقة محرمة، لا يجوز الاقتراب منها. الحكم الذى ناله الرئيس السابق مبارك فى محاكمة القرن المنعقدة أول من أمس، والذى أعلنه المستشار أحمد رفعت بمعاقبته بالسجن المؤبد، قد لا يعلم كثيرون أن هذا الحكم يعنى أنه مدى الحياة، لأن الشائع بين العامة أن المؤبد هو السجن 25 سنة، لكن الحقيقة عكس ذلك تماما.
كلمة «مؤبد» في القانون معناها «مدى الحياة»، طبقا لما نصّت عليه المادة 14 من قانون العقوبات المصري، وهي التي عرّفت معنى المؤبد أو المشدد، حيث تنص على أنه السجن المؤبد في أحد السجون المخصصة لذلك وتشغيله داخلها بالأعمال التى تعيّنها الحكومة وذلك مدة حياته، في حال إذا كانت العقوبة مؤبدة أو المدة المحكوم بها إذا كانت مشددة فى السجن العمومى العادي.
وبالنسبة إلى ما هو معروف عن الإفراج عن المسجون بعد 20 سنة، فهذا يتم بعد تقديمه طلبا بالعفو عنه بعد قضاء 20 سنة في السجن، وفي هذه الحالة يرجع الأمر إلى مصلحة السجون بالموافقة أو الرفض، وهو ما يعنى أن مصير الرئيس المخلوع بعد 20 سنة سيكون في يد مصلحة السجون.