تمر مصر الآن بمرحلة حرجة ودقيقة للغاية فهى تقف على فوهة بركان على وشك الإنفجار فى أى لحظة والله وحده يعلم ما ستكون عليه العواقب بعد أن أعلنت اللجنة العليا لإنتخابات رئاسة الجمهورية نتيجة تلك الإنتخابات العجيبة والتى أسفرت عن صدور قرار بإعادة الإنتخابات بين الدكتور محمد مرسى مرشح الإخوان المسلمين وممثل التيار الإسلامى السياسى والفريق أحمد شفيق ممثل نظام مبارك الذى لم يسقط حتى الآن وما إن أعلنت اللجنة تلك النتيجة حتى خرجت مظاهرات فى العديد من المحافظات تعلن رفضها لما أعلنته لجنة الرئاسة مشككة فى تلك النتيجة خاصة بعد أن رفضت اللجنة كافة الطعون التى قدمت من بعض المرشحين . والحقيقة لقد وضعتنا تلك النتيجة بين خيارين كلاهما مرّ فقد أصبحنا بين مطرقة الإخوان وسندان الفلول فأصبحنا كمن يستتر بالرمضاء من النار .
هذه النتيجة تضعنا الآن فى مواجهة بعض الأسئلة الهامة وهى : - من هو المسئول عن تعثر الثورة لإستكمال مسيرتها وتحقيق أهدافها ؟ - ما هى أوجه الفرق بين كل من المرشحين الذين سيخوضا جولة الإعادة ؟ - ما هو الحل للخروج من هذا المأزق ؟ المسئول عن تعثر الثورة فى تحقق أهدافها هم : مجلس الجنرالات : فكثير منا يعتقد أنه المسئول وحده عن تعثر الثورة فى إستكمال مسيرتها وتحقيق أهدافها والحقيقة أن المجلس العسكرى ليس هو المسئول الوحيد عن تعثر الثورة بقراراته التى إتخذها والتى كان لها أبلغ الأثرعلى مسار الثورة مثل الإستفتاء على ذلك الإعلان الدستورى الذى أصر مجلس الجنرالات عليه بالرغم من رفض كل قوى الثورة له ما عدا تيار الإسلام السياسى إلى جانب إصراره على عدم إنشاء مجلس رئاسى لإدارة شئون الدولة لحين الإنتهاء من وضع الدستور الجديد الذى مازال يواجه صعوبات كثيرة لعملية مخاضه وإجراء الإنتخابات البرلمانية الغير عادلة بين مختلف القوى السياسية قبل الإنتخابات الرئاسية والتى أسفرت عن برلمان لا يمت للثورة بأى صلة ، فهو برلمان ضعيف غير قادر حتى على إسقاط أى حكومة .
الإخوان المسلمين : أيضاً كان لهم دور كبير فى تعثر مسيرة الثورة فالإخوان كانوا هم آخر من إلتحق بالثورة بعدما لاح لهم فى الأفق نجاحها وكانوا أول من غادروا الميدان وهرولوا للإجتماع بعمر سليمان وهم الذين وافقوا مجلس الجنرالات فى كل قراراته التى إتخذها وذلك من أجل تحقيق مصالحهم وأهدافهم (دفع الشعب للموافقة على الإعلان الدستورى بإستخدام الشعارات الدينية – الموافقة على تمرير المادة (28) التى تحصن قرارات اللجنة العليا للإنتخابات – الموافقة والتمسك بحكومة الجنزروى بالرغم من رفض كافة القوى السياسية لها – التمسك بإجراء الإنتخابات البرلمانية أولاً وذلك من أجل تحقيق حلمهم بالسيطرة على البرلمان وهو ما تحقق لهم) هذا إلى جانب تخليهم عن الثوار فى العديد المليونات ومهاجمتهم تحت قبة البرلمان وإلصاق تهم العمالة والبلطجة وتعاطى المخدرات وتهكمهم على سيدات مصر التى تم سحلهن وتعريتهن.
وعندما تعارضت مصالحهم مع ما يريده مجلس الجنرالات إنقلب الإخوان عليهم وحاولوا التحايل مرة أخرى على الثورة بدعوات لعمل مليونيات تحت زعم إنقاذها و لم تنجح تلك المحاولات وذلك نظراّ لرفض الثوار أن يكونوا أداة فى يد الإخوان يستخدمونها وقتما يشاءوا ويتخلون عنها متى أرادوا هذا إلى جانب تأكد الثوار من عدم وفاء الإخوان بتعهداتهم والدفع بخيرت الشاطر ومن بعده الدكتور مرسى خير دليل على ذلك .
السلفيون : أخطأوا أيضاً فى موافقتهم للإخوان فى كل ما فعلوه وإن كان هذا الوضع تغير منذ فترة قريبة نتيجة لوجود خلافات فى الرؤى بين الفصيلين .
الثوار : هم أيضاً أخطأوا عندما صدقوا بسلامة نيتهم النابعة من نبل أخلاقهم تلك الوعود الذائفة التى قيلت لهم عن عن تحقيق مطالب الثورة فقاموا بترك الميدان وكلهم ثقة في تحقق هذه الوعود فكان الحال هو ما نحن عليه الآن .
أما الفرق بين المرشحين لإنتخابات الإعادة : فهو واضح للجميع كوضوح الشمس فهما على طرفى نقيض فالدكتور مرسى هو مرشح تيار الإسلام السياسى الذى بات يتخوف منه غالبية المصريين مسلمين وأقباط وذلك نتيجة لتاريخهم الطويل فى عدم تنفيذ وعودهم وإستخدام الشعارات الدينية البراقة لحصد التأييد الشعبى ولفظ ومعاداة ومحاولة سحق كل من يختلف معهم فى الرأى وما حدث مع الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح خير شاهد على ذلك مما يعكس مدى رفضهم لمبدأ الديموقراطية وقبول الآخر حتى وإن إختلف معهم هذا إلى جانب تصريحاتهم النارية وروئاهم التى تكشف عن تزمّت واضح لمختلف شئون الحياة مع سعيهم الدؤوب للإمساك بكل مقاليد السلطات فى البلاد ( تشريعية – تنفيذيه – نقابية – وقريباً السلطة القضائية وإعلامية) وهو ما يثبت إيمانهم الكامل بمبدأ المغالبة لا المشاركة وهوعكس ما يعلنون عنه، هذا بالإضافة لشبهة إتهامهم بتلقى دعم وتمويل من الخارج وإن كان لم يثبت ذلك بدليل قطعى حتى الآن .
أما المرشح الثانى وهو الفريق شفيق فهو يعد من أحد أقطاب النظام السابق الذى قامت الثورة من أجل الخلاص منه وهو مالم يتحقق حتى الآن فهو يمثل صورة لنظام مبارك البغيض الذى نكّل بالشعب المصرى فأصبح سؤال لسان حال الغالبية الآن هو : هل قامت الثورة من أجل خلع النظام لإعادة إنتاجه مرة أخرى ؟؟!!
إن الإنتماء العسكرى للفريق شفيق يعد أحد أركان فكرة رفضه فهو سيصبح إمتداداً للحكم العسكرى إذا نجح فى جولة الإعادة فى الوقت الذى قامت فيه الثورة من أجل إرساء دعائم الحكم المدنى والتخلص من الحكم العسكرى إضافة إلى تصريحات الفريق شفيق بإستخدام القوة إذا خرج عليه من يعلن رفضه له وهو ما يعيد للأذهان مشاهد القتل وسلخانات أمن الدولة ومعاقل التعذيب والتنكيل بالمواطنين هذا إلى جانب إتهامه فى العديد من قضايا الفساد والتى لم يثبت فيها إدانته حتى الآن وإتهامه أيضاً بأنه أحد المسؤلين عن معركة الجمل التى راح ضحيتها العديد من شهداء الوطن الشرفاء ففى الوقت الذى كانت تراق فيه تلك الدماء البريئة كان سيادة الفريق يعدهم بالبنبون !!!
هذا إلى جانب عدم إعترافه بالثورة فى بدايتها عندما قال عنها أنها حركة وليست ثورة .
كيفية الخروج من هذا المأزق : لم يعد خافياً على أحد أن غالبية الشعب أصبح رافضاً لكلا المرشحين بمختلف إنتمائاتهما فالشعب لا يريد مرشدا يحكمة ويتملكه ويأتمر بأوامره وتعليماته ويرسى دعائم المملكة الإخوانية ولا يريد فلوليا يعيد إنتاج النظام بشكل وإسم جديد وينكّل به مرة أخرى ويحصى عليه أنفاسه وخطواته ويكبت حريته فى التعبير عن آرائه بكل حرية دون خوف أو نفاق .
وبما أن الشعب هو : مصدر السلطات وأنه فوق الدستور وفوق أى قانون وهو صاحب الشرعية المطلقة فى البلاد وبما أنه يرفض كلا المرشحين وبما أنه يتشكك فى نتيجة الإنتخابات فعليه الآن أن يختار رئيسه ويسميه بنفسه ويضعه على مقعد الحكم بإرادته المنفرده وعلى مجلس الجنرالات أن يرضى بحكم الشعب وينهى مهمته العظيمة بتمكين الرئيس الذى يختاره الشعب من الجلوس على مقعد الحكم وعلى كل القوى الوطنية أن تتحد من أجل تنفيذ رغبة هذا الشعب العظيم حتى وإن إختلفت الرؤى.
فلابد أن تستكمل الثورة مسيرتها لتحقيق أهدافها .
إن تغليب مصلحة الوطن العليا الآن ودائماً هى أسمى معانى الشرف الوطنى .
إتحدوا يرحمكم الله وكفانا ما سال من دماء طاهرة وما حل بالبلاد من خراب .
إتحدوا حتى لا تذهب دماء شهدائنا الأبرار هدراً وهباءً منثورا .