هل فهم أحد لماذا رفض البرادعي الترشح لانتخابات الرئاسة؟ 1- من أجل عدم المشاركة في لعبة بدون قواعد أو حُدِّدَت نتائجها سلفا.
2- لمخالفتها كل القوانين والقواعد والأعراف والتقاليد.
3- من أجل عدم تفريغ الثورة من مضمونها وتحويلها إلى مجرد سلسلة من الاحتجاجات الإصلاحية.
4- لمعرفته الأكيدة بالمؤامرة بين العسكر والإخوان وتوزيع السلطة بينهما.. وأن الرئيس سيأتي بالتوافق بين المؤسسة العسكرية وتيارات الإسلام السياسي بعد التفاهم على مجلسي الشعب والشورى والحكومة.
5- لفهمه أن العسكر والإخوان قرروا إنهاء الثورة وإعادة إنتاج النظام وذلك بالتضحية بمبارك وأولاده وبعض أركان حكمه والحفاظ على النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي بالكامل.
6- لثقته بأن العسكر والإخوان سوف يقومون بكل ما هو ضروري ولازم لوضع دستور يحافظ على شكل الدولة والنظام اللذين أعيد إنتاجهما، وسيكون هذا الدستور انعكاسا لاتفاقات العسكر والإخوان وليس لإرادة أغلبية الشعب المصري.
هناك نقاط أخرى كثيرة، من بينها التلويح أو التلميح بتهديدات شخصية، أو تهديدات لها علاقة بحرب أهلية. ولكن السؤال المزعج الآن: هل يعتقد أحد أن تنازل المرشحين الأربعة (بسطاويسي والحريري والصباحي وخالد علي) لأحد منهم سوف يدخله في منافسة حقيقية مع عمرو موسى أو أبو الفتوح أو حتى مرسي أو شفيق؟!! أشك كثيرا، لأن العسكر والإخوان قرروا كل شئ وفرضوا كل شئ، وهدموا كل شئ.. وحددوا قواعد كل شئ بشكل مسبق. وأسوأ شئ في الموضوع أن هؤلاء المرشحين الأربعة لن يتنازلوا ولن يتحدوا.. لأن فكر العواجيز مسيطر تماما، سواء في المعارضة أو في السلطة بشقيها العسكري والديني. إن المشاركة الآن في هذه الانتخابات، وبعد أن اتضح كل شئ، هي خطوة لاستكمال ضرب الثورة والقضاء عليها.. قد يبدو هذا الكلام متهورا ومتطرفا ويائسا.. ولكنني أراه على العكس تماما، في غاية التفاؤل، لأن لا شئ يمكنه مواجهة الفاشية والاستبداد العسكري والديني، إلا الثورة. والأولى أن يتوحد المرشحون الأربعة وينزلوا إلى الشارع لقيادة ثورة شعبية حقيقية. وأعتقد أنهم إذا أعلنوا الآن انسحابهم من الانتخابات الرئاسية، فسوف يقوضون كل حسابات العسكر والإخوان، وبضعونهم أمام أمر واقع، ألا وهو إعادة حساباتهم أو إجراء الانتخابات وتوزيع السلطة بينهم.. وستكون ثورة حقيقية بدلا من الهلفطة السياسية والميوعة والتهافت على أي شئ رخيص، ما يؤدي في كل الأحوال إلى أن المرشحين الأربعة (صباحي وخالد علي وبسطاويسي والحريري) سيواصلون مسيرة المعارضة العتيقة وتجميل نظام العسكر والإخوان...
إن انسحاب المرشحين الأربعة هو تقويض لقواعد اللعبة المفروضة وتأكيد لنهج الثورة. واستكمال هذه الخطوة هو نزول الأربعة إلى الشارع.. ومن المؤكد أن جماهير الشارع ستكون أكثر من الجماهير التي يمكن أن تنتخب أربعتهم مجتمعين.. إن العسكر والإخوان يلعبون بالوقت لتقويض الثورة وتفريغها من مضمونها، بل ويسمحون بين الحين والآخر بهبات واعتصامات لتفريغ ما قد يكون اختزنه الشارع من ضغوط.. وستتكرر الأمور بشأن الدستور إلى أن يتم جر كل النخبة للعمل مع العسكر والإخوان كإطار تجميلي يمنحهم الشرعية..
البرادعي لا نبي ولا يحزنون. هو رجل متسق مع نفسه. يدرك جيدا قيمة الثورة ودماء الشهداء. يعرف أن التغيير الحقيقي هو التغيير الشامل لكل النظام. كما يؤكد أيضا أن الشباب هم الذين يجب أن يقودوا وليس العواجيز وكبار السن.
لا داعي للهجوم على البرادعي. فالكل يعادية من العسكر إلى الإخوان إلى اليبراليين إلى اليساريين.. الكل يعاديه، لأنه ليس مع العواجيز وكبار السن.. إنه، ورغم الخلافات الكثيرة معه ومع نهجه، يفضح الجميع من اليمين إلى اليسار. فكما يتكالب ويتهافت كبار السن والعواجيز من جانب العسكر والمتأسلمين والفلول على السلطة، يتهافت ويتكالب عليها أيضا اليساريون والليبراليون بمختلف اتجاهاتهم.. وسيخسر اليسار والليبراليون معركة الرئاسة خسارة مخزية..
يجب ألا نحول حسنات البرادعي إلى مساوئ وتقاعس من جانبه. لا داعي إطلاقا، ورغم كل الخلافات الجذرية معه، أن نتهمه بالابتعاد عن الميدان. ونحن جميعا نعرف أثره وتأثيره في الميدان رغم المرات القليلة التي تواجد فيها هناك. العبرة ليست بالنزول إلى الميدان، لأن الميدان لم يعد فقط يرمز إلى مكان للاحتجاجات أو الثورة. فالأولى بالمرشحين الأربعة الأشاوس أن يقوضوا قواعد اللعبة وأسس المؤامرة وينزلوا إلى الميدان ليقودوا الناس في ثورة ضد العسكر والإخوان.
إن الحديث هنا لا يدور عن خسارة اليسار أو اليمين.. الحديث يدور حول أوهام الاتحاد بين 4 من مرشحي اليسار بعد أن أغلقت أبواب التنازلات وبدأت لعبة معروفة النتائج سلفا. علما بأن الاتحاد في الميادين والشوارع أكثر فائدة. الحديث يدور عن دماء الشهداء التي يتاجر بها الجميع من اليسار إلى اليمين، وعن أهالي الشهداء وعن الجرحى والمصابين، وعن الفقراء والأميين والمهمشين وأطفال الشوارع.. إن ما يجري هو صراع حقير بين النخبة المتآمرة ضد الثورة والشهداء والمصابين وكل الفقراء والمهمشين والمعدمين في مصر.
وينبغي ألا يندهش أحد عندما يتكرر كل ما يجري ويدور الآن حول الدستور. ذلك الدستور الذي سيوضع بعد استفتاءات تآمرية وانتخابات تشريعية هزيلة ومثيرة للشكوك وانتخابات رئاسية محسومة سلفا... فأي دستور يمكن أن يوضع في ظل مجلسين تشريعيين جاءا في ظروف غامضة؟ وأي دستور يمكن أن يوضع في ظل رئيس مدعوم من النخبة ومكمل لدورها المقوض للثورة والتغييرات الجذرية؟