كنت دوماً استنكر القول بأن العسكر ستنقلب على الحكم أثناء المرحلة الأنتقالية لأن العسكر يحكُموا اساساً فكيف ينقلبوا على أنفسهم. وكنت دوماً استنكر رد الفعل المبالغ فى الخوف من بعض الناس تجاه ما سيفعله العسكر فالبعض يظن ان بعد المظاهرات امام وزارة الدفاع فأن أنتخابات الرئاسة قد تُلغى وتُعلن الأحكام العرفية وهذا في رأيي طرح يفتقد الى حسن تقدير الأمور لأن الذي ذهب الى وزارة الدفاع كان "حازمون" عن جهل وهرع لنجدتهم بعض الحركات الثورية. لكن حال الإقدام على ألغاء أنتخابات الرئاسة فأن العسكر ستُوحد الصف الثورى والشارع الديني وبعض من حزب الكنبة وراء مطلب واحد لأن الفار سيلعب فى "عب" الكل وساعتها لن يصمد عسكر او معسكر امام الغضب الشعبي. لذلك ان مطمئن من سير عميلة أنتخاب الرئيس كما هو مقرر فالعسكر رحل منذ ان أعلن ان المرحلة الأنتقالية ستنتهي يوم 30 يونيو 2012 وجأ هذا الأعلان متوج لجهد الثوار والضغط الشعبي الذى وصل الى ذروته فى الموجة الثانية للثورة أثناء أحداث محمد محمود ومن بعدها مجلس الوزراء. فماذا بعد؟ سيأتى رئيس جديد لكن ما أخشاه فى هذا الصدد ليس رحيل العسكر ولكن عودة العسكر مرة آخرى. نحن نشاهد تطورات تجعلنا نعتقد بأن هناك أمور تُدبر وقد تصبح عراقيل امام الرئيس القادم أياً كان اسمه او تياره. مثلاً، الرئيس القادم سيدخل مكتبه وسيجد عنده بجانب كل الملفات الداخلية ملف الغاء تصدير الغاز الى أسرائيل. بالفعل أوقف العسكر تصدير الغاز لكن هل توقفت التداعيات؟ ثم ان هناك توترات على الحدود بين مصر وأسرائيل بسبب خِلو المنطقة "ج" فى سيناء من أى وجود عسكرى الا ل4000 جندي من الشرطة يقومون بمهمة حراسة الحدود التى من المفترض ان تكون مهمة اصيلة للجيش لولا اتفاق كامب ديفد. لكن التحديات تزداد كل يوم فبعد الهجرات الغير شرعية للأفارقة زاد الضغط على قوات الحدود لأن المزاج البدوى الأسلامي الوسطي السمح آخذ فى التحول الى أسلام جهادي غاضب المزاج ومن ثم نخشي ان نصحوا يوماً لنجد جبل الحلال تحول الى تورا بورا وعلى الرئيس القادم التعامل معه. كان من الممكن ان يكون التعامل أسهل، لولا ان العسكر فضّل ان يقطع الغاز الطبيعي عن أسرائيل قبل شهراً او يزيد من وصول رئيس شرعي جديد ليدير البلاد، فلماذا العجلة بعد ان تأخرنا لأكثر من سنة؟ ولو كان الأمر مجرد نزاع تجارى فماذا عساه الرئيس القادم ان يفعل حال دفع الشركة الأسرائيلية ما عليها؟ هل يعيد الغاز ويفقد شعبيته؟
ملف آخر قد ينفجر فى أى لحظة الا وهو ملف مجلس الشعب. حكم المحكمة الذى كان مفترض النطق به يوم 6 مايو تم تأجيله لمدة شهر. ولم يتسنى لنا ان نفهم هل هو 30 يوم عمل وبهذا نصل الى 30 يونيو ام 30 يوم والسلام وبهذا ننتظر الحل يوم 6 يونيو؟! فى الحالاتان سيكون علي الرئيس القادم التعامل مع هذه القضية فى أول ايامه بالقصر الجمهوري مع كل ما يحمله هذا الملف من حساسية مفرطة. أعادة الأنتخابات البرلمانية ستصبح أجبارية وهذه المرة هناك أسئلة من النوع الحارق. فكيف ستُقسم الدوائر؟ وماذا عن نسبة العمال والفئات؟ وهل سيكون نظام قوائم وفردي وبأى نسب؟ ثم ماذا سيحدث لو كان عندنا رئيس للدولة وبرلمان وعسكر ولا يوجد بينهم ورقة تنظم العلاقة؟ هل الأعلان الدستوري كافى ام ان مادة أخرى مثل 28 ستنفجر يومها فى الرئيس؟
فى رأيي هناك فرق بين منصب الرئيس وسيطرت الرئيس ناهيك عن كفأته. فأياً كان شخص الرئيس القادم فأن عليه التعامل مع الملفات بمنتهى الكفأة والسرعة، هذا ان أفترضنا انه أطِلع عليها وفهم ما فيها و"صارح" الشعب بالحقائق. اما لو أختار عدم الشفافية سَيرث كل أخطاء الماضي ويصبح أسيرها وقد تتسبب فى غَرَقُه. وأظن ان شيئاً من هذا حدث للعسكر فأختلف أدائهم من التعظيم للثور الى الضرب بالعصى. ثم ماذا سيحدث لو ان الدولة العميقة (جيش وداخلية وقضاء وخارجية) أستعصت على الرئيس فإنصاع لهم على عكس هوى الثورة؟ الشاهد ان هذه المؤسسات لن تنفتح بسهوله لكائن من كان وأقطابها يعرفون ان التفريط فى مواقعهم تساوي انهيار شبكاتهم وهم لا يؤمنوا بثورة الا عبر الأصلاح ويخشون من موقف ينزلق بالدولة الى الهاوية او مواجهة غير محسوبة مثل تلك التى جرت مؤخراً مع السعودية!
هذا وعلى الرئيس القادم تنشيط جرعات العدالة الأجتماعية وتفعيل ميزان العدل بدأً من التصديق على الحكم المرتقب يوم 2 يونيو ضد مبارك ان لم يُصدق عليه العسكر او تم تأجيله ثم نجدة خزينة الدولة الخاوية ثم التعامل بكل حنكة مع الشارع الثورى الذى يراقبه عن قرب ولن يمهله الا القليل. فهل حقاً نخشي من ذهاب العسكر ام من عودتهم حال فشل الرئيس المرتقب؟