بعد انجلترا نجحت مصر فى إقامة ثانى أقدم سكك حديد فى العالم عام 1853 ومعها الهند فى العام نفسه ، عام 2012 وفى سكك حديد مصر أيضا لم أستطع أن أعمل "هنديا" أمام تلك المرأة . أنا مهندس أعمل فى صناعة الكبريت بشركة النيل بالأسكندرية(ماليش فى الثورة والمناظرات والهرى ده فوكك من ماى ماذر) ، صناعة الكبريت أوسخ صناعة على وجة البسيطة ،لست فى حاجة إلى إخباركم عن رائحة كبريتات الهيدروجين (ريحة البيض المعفن أو شرابك النتن اللى بتشمها جنب مصانع الكبريت على طريق العلمين وانت طالع الساحل مع الحتة).
كل يوم فى محطة مصر بجوار بائع الجرائد أراها حين استقل القطار إلى الأسكندرية وحين عودتى ،ليست بطويلة ولا قصيرة ، ،قمحية اللون متأنقة دوما رغم غياب الماركات والديزاينيرز عن ملابسها ، ترى فى عينيها السودوتين حزنا وتواضعا شديدين وكأنها لا تعلم كم هى جميلة .
ظللت أتابعها كل يوم منذ بداية شهر فبراير ولم أراها مرة واحدة تستقل قطارا أو تقطع تذكرة ،كلما رأيتها أجد صعوبة فى التنفس ثم ابتلع ريقى وبعدها اطقطق أصابعى(الحركة دى ب"تيت" المفاصل) وأسير بخطوات كسلى نحوها ثم ابتلع ريقى واطقطق اصابعى لأعود بخفى حنين محدثا نفسى"يابن الجبانة روح كلمها !"
استجمعت قواى بعد شهرين ونصف وقررت أن أذهب واتحدث إليها ، فجأة وجدت نفسى أمامها قائلا: "لو سمحتى ، بصى اللى يحصل يحصل .... الصراحة أنا بشوفك هنا كل يوم و معجب بيكى ! " شزرتنى بنظرة منيلة بنيلة قائلة وقالت فى هدوء " نعم؟! على فكرة أنا متجوزة ومستنية جوزى وابنى !"
أصبح وجهى من الخجل مثل الطماطم الإسرائيلى ولكن لمحت أصابع يدها اليسرى وقد خلت من الدبلة فأيقنت أنها تكذب وقلت "بس بس أنا عمرى ما شفت جوزك وابنك، أنا بقالى فوق الستين يوم باشوفك قاعدة لوحدك !" ردت " دانتا بتراقبنى بقى ، لو سمحت امشى بدل ماكلم الشرطة"(مش فاكر سمعت كلمة شرطة دى فين ؟! دى قديمة أوى).
فى اليوم التالى مررت بجانبها متعمدا ، أسرعت نحوى بعينيها مغرورقة بالدموع وهمست " أنت ليه جيت تكلمنى،ليه جيت تقولى أنا معجب بيكى ، مينفعش تروح تقول لواحدة أنت متعرفهاش أنا معجب بيكى ، انت لا تعرف انا مين ولا ظروفى ايه ، أنا مستنيا جوزى وابنى وهما هيرجعوا لو مش انهاردة يبقى بكرة ولو مش بكرة يبقى بعده" قلت فى هدوء"اوك أنا اسف ممكن أساعدك ، هما فين وليه عمرى ما شفتهم معاكى؟" همست هى قائلة "طارق زعلان منى عشان مهتمة بشغلى على حساب البيت وعشان مش بعمل أكل وبجيبلهم دليفرى طول الوقت وجاسر زعلان عشان ضربته عشان مبيغسلش سنانه " استطردت قائلة " بقالهم شهرين غايبين وأنا مش عارفة أكل مش عارفة أضحك مش عارفة ،مش عارفة العب مع أخو جاسر الصغير " أخرجت هاتفها المحمول و قالت " بص طارق سابلى voice mail ....اسمع كدة . بدأنا فى السماع إلى الرسالة الصوتية ... "ايوة يا لميا ،أنا وجاسر فى بورسعيد فى ماتش الأهلى والمصرى ، طبعا انتى نايمة ومالكيش علاقة بالبيت كالعادة ، احنا لازم نسيب بعض ، انا قلعت دبلتى وقلعتك دبلتك يا لميا ، لما نرجع انا وابنك نتكلم"
أخذت لمياء تعيد الرسالة حوالى عشرين مرة ثم نظرت إلى عيناى وقد ملأتهما الدموع فصرخت " صدقنى ماماتوش ، انت بتعيط ليه ، طارق وجاسر ماماتوش ...طارق وجاسر ماماتوش ....طارق وجاسر ماماتوش ..هيرجعوا ، أنا هاستنى ، هو قالى أنه راجع عشان نتكلم، طارق بيحبنى ..متعيطش لو سمحت مستحيل يكونوا ماتوا !"