عندما غادر الدكتور البرادعى سباق الرئاسة فى يناير الماضى قال ان هناك ثمة صفقة بين العسكر والإخوان وان الإنتخابات الرئاسية القادمة مجرد عملية شكلية. ساعتها انقلبت الدنيا وتوتر الشارع السياسي وشعر كثيرون من انصار البرادعى بمنتهى الضيق لإنفراده بأتخاذ القرار دون التشاور معهم. ثم انخرط الكثير منهم فى العمل العام كلاً فى مجموعته الإساسية او الجديدة وتلاشى الضيق من الدكتور البرادعى بين انصاره. وبعد حوالى ثلاثة اشهر عاد البرادعى الى الحياة السياسية وأثار العديد من الإسئلة، فعندما عاد قرر ان تكون عودته لإنشاء حزب سياسي، فى حين كان بوسعه ان "يضرب" تليفون للسادة مع حفظ الإلقاب محمد غنيم وابو الغار وعبدالغفار شكر وعمر الشوبكي ويجمع الكثير من الكتلة والثورة مستمرة واحزاب أخرى. لماذا آثر ان يبدأ من جديد؟ وهل نفهم انه يريد ان يبدأ على نظافة؟ اما ماذا؟ هل فى عودته شبه تنبوء بأن القضاء سيحل مجلس الشعب ومن ثم يريد البرادعى ان يكون منافس من الشارع عبر البرلمان هذه المرة؟ وهل العملية السياسية الآن لم تصبح "شكلية"؟ ننتقل الآن الى السيد عمر موسى، الأوفر حظاً حتى الآن فى سباق الرئاسة. كنت ومازلت وسوف اظل ازعم انه المرشح الإوفر بنيل تأيد العسكر فى الأنتخابات القادمة فهو بالنسبة للدولة العميقة (الجيش والقضاء والأمن والخارجية) يمثل الشخصية المقبولة التى يمكن التعامل معها بنوع من الإطمئنان بالمقارنة بباقى المرشحين. فعمر موسى وصل الى العمر الذى لا يرى فيه التغير الثورى وان وجد التغير طريقاً لقلبه فسيكون تغير اصلاحي تدريجي. ولا يهم ان لم يصل التغير الى مبتغاه او يتعطل فى المنتصف، فهو اساساً يريد ان يختم حياته بلقب "السيد الرئيس". على اي حال، هو لا يمثل فكر يمتد من بعده ولا مشروع لشيء مستمر وانما يصلح ان يكون ختام لعصر مبارك، وهو بمثابة الفرصة لأعادة تقيم المواقف والتجربة وقراءة اختيارات الشعب المصري ومنحة من الوقت لظهور مرشحين آخرين محتملين لإنتخابات 2016.
ولعل من ابرز المرشحين الذين سيلعبوا دوراً بعد انتهاء انتخابات الرئاسة سيكون الدكتور عبدالمنعم ابو الفتوح. طبعاً حال فوزه سيكون عليه عبئ كبير، ندعوا الله ان يوفقه ويسدد خطاه، فالحمل ثقيل. وفى حال عدم تمكنه من الفوز فأنا اعتقد انه سيلعب دور محوري فى الحياة السياسية المصرية. الرجل يمثل الإرضية المشتركة بين الإخوان والثورة، ثم انه قريب من الرأسمالية. من هنا، اعتقد انه سيترجم مشروعه الرئاسى حال فشله فى الوصول الى الحكم الى حزب سياسي جديد سيستقطب معظم الوسطيين الخارجين على الأخوان والذين سأموا من التنظيم والطاعة ويمين درّ. واظن ان حزب الوسط سيجد مكانه الطبيعي فى حزب الدكتور ابو الفتوح وان صممت قيادته عدم الإندماج (اذا كان مطروح اصلاً) فانى اظن ان الكثير من اعضائه سينفصول عنه ويذهبوا الى الحزب الجديد. واظن ان حزب التيار المصري سيكون من الإحزاب المندمجة ان لم يكن من الآن. يبقى فى هذا المقام سؤال بلا اجابة قاطعة. حال وصول الدكتور الى الإعادة امام عمر موسى فهل نستطيع ان نقول ان الثورة برمتها ستقف خلف الدكتور جنباً الى جنب مع التيار السلفى والأخوان، ام ان ساعتها ستنقسم الثورة بين مضاد للإخوان ومؤيد لها؟
وأخيراً نصل الى حمدين صباحى، هذا المناضل الذى استشعر الناس وجوده مؤخراً على الرغم من تواجده فى سباق الرئاسة لمدة سنة ونصف "قبل" سقوط مبارك فى ثورة يناير وان كان الناس لا تعرف بعد مواقفه ونضاله وتطور حياته ومدى صدقه وصدق مواقفه التى يتطابق فيها الخفى مع المعلن بشهادة كل من يعرف! ظنى انه تحول الى رقم صعب ومنافس شرس فى سباق الرئاسة. وظنى ايضاً انه حال وصوله للإعادة فان الثورة لن تنقسم عليه لإنه غير محسوب على التيار الديني وان كان عليه طمأنت الشارع ان خلفيته الناصرية لا تعنى إعادة انتاج المر فى تجربة الستينات وانما النهضة بمصر. واعتقد ان لو مصر كانت فى أوروبا فساعتها كان حمدين سيكون من اكثر المناصرين للإتحاد الأوروبي كما هو الإن مناصر للقومية العربية. اما فى حال إخفاقه فى السباق الرئاسي، فاعتقد انه سيكمل مشواره النضالى وسيحول مشروعه الرئاسي لمشروع سياسي متكامل ينضج مع الزمن ولعله يكون الإوفر حظاً شعبياً فى 2016، فما من مكان فى مصر الا وزاره وله فيه انصار. اما ان يتنازل ليصبح نائب، فرأيي ان هذا مستبعد ولو عرض على لرفضت، ذلك ان مشروعه مختلف عن غيره. بيد ان هذا لا يعني انه لن يؤيد بقوة مرشحين آخرين محسوبين على الثورة حال وصولهم الى الإعادة.
اعرف ان هناك اسماء أخرى غير هؤلاء الأربعة فى سباق الرئاسة ولكن ازعم انهم بلا حظ يذكر. فالمرسي "انحبس" فى مرتبت الإستبن. اما الدكتور العوا فلهو رصيد من العصبية ما يحول بينه و بين ادنى ثقة من الشارع. واخيراً لا يسعنا ان نقول للفريق شفيق الا البقاء لله وربنا يدخل المرحومة فسيح جناته. اما امر المستقبل ففي رأيي سيكون محل سباق وتنافس حميم بين الحداثة (البرادعى) وابو الفتوح (الإسلام السياسيى) والقومي (الصباحي) ولا مكان الآن للتوافق فى هكذا سباق وانما الآن وقت "التمايز"..