في بلدان العالم الديمقراطية تشهد الانتخابات الرئاسية أيا كان نوعها صراعات ومهاترات وتفاهات ويحاول كل طرف القضاء على خصمه أو الحزب الذي يمثله حتى ولو بموقف تافه أو غريب من الماضي البعيد أو القريب...من أكبر الكبائر الى أصغرها والحرب مفتوحة حتى يوم الانتخابات... هذه حرب مشروعة في الدول الديمقراطية تصب في النهاية في مصلحة الناخبين لكن لم أرَ أغرب من المشهد السياسي المصري...ولما لا وقد وصف أبو الطيب المتنبي الحالة المصرية قبل أكثر من ألف عام بالمبكية المضحكة أو كما نقول "شر البلية ما يضحك". منذ أن اندلعت الثورة سنجد الكثير من المبكيات المضحكات بداية بموقعة "الجمل" واستخدام مواطني الأحياء الفقيرة والبلطجية ومخبري الأمن والمنتفعين من النظام القديم وما أكثرهم من أجل القضاء على الثورة الى عناد مبارك وخطاباته المستفزة ثم تعيين "الفريق" أحمد شفيق رئيسا للوزراء وارتدائه ملابس "كوول" تناسب جو الثورة ثم تعيين "الجنرال" عمر سليمان نائبا للرئيس وكان تعيين نائب مطلبا قديما جدا وكان مبارك يقول دائما "لم أجد شخصا مناسبا بعد..."!
وبعد أن نجحت الثورة ودعمها الجيش كما أكد المشير طنطاوي اذا بمحاكمة مدنية لمن نجحت الثورة في اسقاطهم يحاول الثوار من خلالها اثبات تهم ضد الرئيس وأعوانه في محكمة جنائية تعترف بالأدلة المادية التي قد يصعب اثباتها بشكل قاطع رغم إن نجاح الثورة يعني فساد هؤلاء والاعتراف بجرمهم لكن المجلس العسكري قبل بهذا الحل رغم أنف المعترضين!
بعد المحاكمة دخلت مصر في مرحلة غريبة من التصريحات والأفعال والجدل البيزنطي بداية بجماعة "آسفين ياريس" رغم أن العاقل يعتقد أن من يدعم رئيسا سقط بسبب الفساد والديكتاتورية يكون بضرورة المنطق الارسطي فاسدا وديكتاتوريا هو الآخر وتوالت الأحداث ووجد المصريون أنفسهم بين مؤيدي المجلس العسكري وثوار ميدان التحرير ثم مجموعة من أحداث عنف أبرزها ماسبيرو وفض اعتصام ميدان التحرير في نوفمبر 2011 وما تلاها من أحداث درامية عندما كشر الجيش عن أنيابه في أعنف مواجهة بين الشعب والجيش لم أرَ مثلها من قبل...وتوالت الأزمات المبكية المضحكة من غياب الأمن الى غياب السلع الأساسية...!
الآن انتخابات الرئاسة أكثر تلك الأحداث مبكية مضحكة... فبعد أن رفضت الثورة النظام ورموزه نجد مرشحي النظام يعودون وبثقة...ونجد حربا أصبحت علنية بين الاخوان والمجلس العسكري...!
إن النظام السابق فشل حتى في ادارة "أزمة الغضب" أثناء الثورة ما بالك بادارة فاشلة لدولة على مدار ثلاثين عاما! فهل يريد المصريون تجربة مماثلة؟ لماذا فرح البعض بترشيح عمر سليمان لنفسه؟ ألم يكن شريكا في نظام الحكم الذي تخلص منه الشعب؟ ألم ترفضه الثورة نائبا للرئيس؟ ألم تعكس تصريحاته أثناء الثورة عدم قدرته على حل الأزمات واعتماده على "اكليشهات" النظام السابق بأنها مؤامرة خارجية وطالب الشباب أن يذهبوا الى بيوتهم؟ هل ذهبت دماء الشباب الذين قتلوا من أجل الحرية والعدالة هباء؟ ألم يريده الاسرائيلون مرشحا لخلافة مبارك؟ أليس هذا مبكيا مضحكا؟
المنطقي هو أن الشباب الذي ثار وضحى بالغالي والنفيس وكان أكثر جرأة من رجالات الدولة التي ترشح نفسها الآن أن يكون لهم الكلمة الأخيرة في اختيار الرئيس فهم المنتصرون... إن الشعب أو بالأحرى الجزء الناشط من الشعب هو صاحب الثورة وليس المجلس العسكري أو الاخوان... هذا هو المنطق!...لكن الواقع يقول شيئا آخر بعدما انقسم شباب الثورة في غياب قائد يلتفون حوله! وهذا خطأ تاريخي فقد كان من الممكن الالتفاف حول البرادعي للقضاء على فلول النظام الذين حاولوا جاهدين تشويه صورة الرجل حتى ولو على سبيل المناورة السياسية!
الواقع الآن يقول إن المشير أقوى رجل في الدولة ولن يكن لرئيس مصر القادم أي سلطة ونفوذ طالما لا يريده المجلس العسكري وهنا كما يقولون "مربط الفرس"... المعركة بين "الاخوان و"الجنرالات" هي معركة َمن يحكم َمن؟ الاخوان تؤيدهم قاعدتهم التنظيمية و"بعض الشعب" والجنرالات تدعمهم أمريكا والغرب و "بعض الشعب" كما أنه يجب أن ينظر الى المسألة على هذا النحو: َمن من المرشحين يمكن أن يكون رئيسا للمشير ورجاله؟
إن المشير طنطاوي وجنرالاته يتحكمون الآن في البلاد والعباد...! فلماذا لا تنتخبوا المشير رئيسا وكفى مصر وقتا ضائعا؟ فحتى الآن لم يستفد الشعب لا من "الاخوان" ولا من "المجلس العسكري" والمصريون العقلاء والمحترمون إما سيهاجرون أم سيموتون غيظا واكتئابا! لأن حمرة الخجل قاربت على السواد!!! يا اخوان ويا مشير اقتلوا الأسعار والفقروالفساد والمرض وغيروا "فكر المصريين الى الأفضل" بدلا من أن تتقاتلوا على الحكم! كان من الممكن استثمار الوقت في تنظيف الشوارع والمدارس والمستشفيات وجعل مصر دولة "نظيفة" بدلا من أن يموت الناس والحيوانات بالأمراض المعدية... كفى كلاما وجدلا!
إن معارك القوانين ومشاريع القوانين التي تشهدها محاكم مصر ويناقشها مجلس الشعب هي معارك يمكن وصفها بالسخيفة ومضيعة للوقت وكان يمكن حسم كل هذه المسائل من قبل كما أن كثرة المتخصصين والمفكرين والمحتالين وأصحاب العقد النفسية والمنافع سيفسد الأمور ما يعرض مستقبل مصر للخطر.
إن التحدي الحقيقي في مصر هو "اعاة بناء فكر المصريين الذي حاد عن المنطق لعشرات السنين!" ومن يفعل ذلك سيكون بطلا قوميا!
إن العالم ينظر الى تجربة مصر الديمقراطية بترقب وشغف، البعض ينظر باعجاب والبعض الآخر يسترجع التاريخ لتفسير المبكيات المضحكات ...والمجلس العسكري الآن إما أن يساعد الشعب على التقدم الى الأمام أو يخيب آمال المصريين وكل من ينظر اليهم باعجاب.