الساحة السياسية الآن مزدحمة بقضايا شتى، مثل قضية ابو اسماعيل ، والشاطر، واللجنة الدستورية، ومن قبلها قضية أيمن نور. الأصل في كل هذه القضايا يرجع الى أمرين. أما ظاهر الأمر فإن هناك من يطعن في مشروعية شأن سياسي ما، فيحيل ما هو سياسي إلى ما هو "قانوني" ثم يأتي حكم المحكمة، كمشرط الجراح يعالج علة ما، فى شأن من المفترض ان الوقاية فيه خيراً من العلاج. أما باطن الأمر فيشير الى حوار سياسي عميق يستخدم ادوات مختلفة ليعبر عن نفسه، الحوار السياسي الدائر يمثل صراع إرادات بين اطراف متنافسة هدفها هو "ولادة المستقبل" التى تحلم به. خلفية كل المحاكمات المشار اليها هي تعارض شأن سياسي مع الإعلان الدستورى وفى هذا الصدد، لي عدة ملاحظات. الأولى، نحن لا نستطيع ان نفتش فى نيات من كتب نصوص الإعلان الدستورى وهل كان يريد بها خدمة تيار بعينه! كل ما نقوله فى هذا المقام، ان بعض مواد الإعلان الدستورى التى استخدمت لإقصاء رموز وطنية من الترشح للإنتخابات الرئاسة هي بعينها نفس النصوص التى تقصي مرشحين للرئاسة الآن من التيار الديني ذاته. ثانياً، ان الإعلان الدستوري ذاته، الغير مستفتى على 54 مادة من مواده ال63، طبخ على عجل وبالتالي خرج دون المستوي واصبحت مواده هي المرجعية التى تطيح برموز وطنية بدلاً من إفراز أحسن العناصر التى تستطيع ان تخوض غمار المنافسة على مقعد الرئاسة للدولة المصرية. ثالثاً، قصور الإعلان الدستوري فى تفصيل وبيان أمور مهمة ادى الى معضلة اللجنة الدستورية التى تم حلها بقرار من المحكمة.
من هذا المنطلق، ننظر ببالغ القلق على مستقبل مصر جراء أعمال اللجنة الدستورية التى سيتم اختيارها مرة اخرى على "عجل" من نفس البرلمان المطعون فى "شرعيته" بناء على حكم محكمة صادر بعدم دستورية البرلمان وذلك لأن اعضائة المنتخبين على مقعد الفردى عن الأحزاب زاحموا المستقلين. منبع القلق هنا ليس فقط مدي افتقاد البرلمان للشرعية ولكن ايضا، ان نتسرع فى "طبخ" دستور على "عجل" يحكم وينظم مختلف سبل الحياة فى مصر لمدة لا يعلم مداها الا الله. تكلفة تدارك الخطاء الواقع فى الإعلان الدستوري بعدم تفصيل بنود المادة رقم 60 المختصة بأنشاء اللجنة الدستورية اصبح تعطيل اعمال اللجنة وحلها، فعدنا مرة اخرى الى مربع صفر. فماذا يا تري ستكون تكلفة دستور "مسلوق" على عجل "وضعته" الجماعة الدينية او ذراعها السياسي الممثل للأكثرية فى البرلمان؟ وهناك اشكالية اخرى لا تقل خطورة على كل ما سبق! نحن الآن عرضى لأن ياتي رئيس الى مقعد الرئاسة بدون ان تكون هناك ورقة "متناسقة" تنظم شكل العلاقة بينه وبين البرلمان ومختلف مؤسسات الدولة. واخطر مؤسسة على الرئيس القادم ان يتعامل معها هي المجلس العسكري ولا توجد ورقة فعلية تنظم العلاقة الآن، فإذا وقع اختلاف "لا سمح الله" فإلى ماذا نحتكم فى هذا المقام؟ هل يعقل ان تكون الدولة عرضة لسياسات فاشلة لأن الأساس الدستوري ضعيف؟ بمعنى ان الرئيس لا يستطيع ان يتخذ إجراءات بعينها لأن المرجعية التى يستند اليها غير مكتملة.
ثم ماذا سيحدث لرئيس يأتي من "خارج الأكثرية" ليتعامل مع مجلس شعب لا يصنع القوانين للمصلحة العامة كما يرجى منه وانما يتفاعل مع امور "ضيقة" بغرض خدمة تيار بعينه على حساب باقى التيارات. القانون الأخير الذى يراد به إقصاء رموز النظام السابق من الترشح إلى مقعد الرئاسة هو خير مثال على ذلك. فقلد طبخ القانون فى اقل من 24 ساعة ولاقى ترحيب وموافقة فى 24 ساعة أخرى ووصل بعدها الى الجلسة العامة التى كشفت "قصور" بالقانون وإن تنفيذه قد لا يخدم الهدف منه إذ ان تطبيقه لا يمكن ان يتم بأثر رجعي. وبالتالي لن يطال القانون رموز النظام السابق لإن ترشحهم للرئاسة كان سابق على اصدار القانون. وهذا بالضبط ما اقصده بأن التعجل فى امور بعينها اعتقاداً بان القانون في يدنا ويضر "خصومنا" السياسيين قد ينقلب علينا يوماً ما ويستخدم ضدنا وهو ما كان مبارك وحزبه اللاوطنى يفعلونه.
الخلاصة ان الدستور هو الأساس التوافقى الذى لا تصنعه الأغلبية او الأكثرية ولكن يصنعه تراضى طوائف الشعب فإذا خرج الدستور بلا توافق ففي هذا إنعدام للشرعية ثم اذا خرج على عجل فبالتأكيد ستكون كفاءة النصوص محل شك وهذا اول الوهن . ومن يتوقع بعد هذا ان يصنع قانوناً يكون له هيبة فهو واهم لأن اصل هيبة القانون ان يطبق على الكل بالتساوي فاذا كان القانون تفصيل والأساس غير متوافق عليه فهل ينفع هذا اساساً لحياة سياسة ديمقراطية؟ وبين دستور "مسلوق" وقوانين "تفصيل" هل فعلاً نأمل فى "مستقبل افضل"؟
لو كان الإمر بيدي لرفضت أي إجراء إستثنائي ضد عمر سليمان و أحمد شفيق وتركت أمرهما إلى الصندوق الإنتخابي لأنى أراهن على الشعب المصري. لو كان الإمر بيدي لما حرمت ابو اسماعيل من الترشح للرئاسة حتى لو كانت والدته "تحمل الجنسية الأمريكية". لو كان الإمر بيدي لما حرمت الدكتور زويل من قبل من اثراء سباق الرئاسة والتنافس على مقعد الرئيس! وغرضي من هذا الموقف هو قرائة الواقع المصري الحقيقي والإطلاع على اختيارات الشعب المصري كما يريدها "هو". وعلى الرغم من ايماني بأننا لم نحقق شيء يذكر جراء "المسار السياسي" الذى رسمه العسكر ولم نحصد منه الا "الضياع" وأرى اننا سنواجه موجة ثالثة عالية وقوية من موجات الثورة المستمرة، إلا انى لا أنكر شغفي بإن نرى بأعيننا الأصوات التى سيحصل عليها كل مرشح لنعرف ونفهم ونتدبر كيف يفكر الشعب لنعرف كيف نتعامل مع الواقع المصري.