كما تشهد الحياة السياسية فى مصر تعبير رئيس محتمل، فإن الحياة الفنية صارت تطرح أيضا تنويعة مماثلة وهى نجم محتمل، وأكثر فنان ينطبق عليه هذا التوصيف الآن هو محمود عبد المغنى. قبل 13 عاما شارك ثلاثة من الممثلين الجدد فى فيلم «عبود ع الحدود» دفع بهم المخرج شريف عرفة إلى عالم السينما تحت مظلة علاء ولى الدين، الذى كان يتحمل وقتها بمفرده مسؤولية الجذب الجماهيرى.. الثلاثة هم أحمد حلمى وكريم عبد العزيز ومحمود عبد المغنى. لم تمض سوى سنوات قلائل حتى وصل كل من حلمى وكريم إلى نجومية شباك التذاكر، بينما ظل عبد المغنى ممثلا موهوبا يصول ويجول فى الدور الثانى.
عبد المغنى شاهدته فى العديد من الأعمال سينمائيا وتليفزيونيا، ودائما ما ألمح وميض الموهبة يشع فى أدائه ولكنه لم يستطع تحقيق النجومية.. كانت له محاولة قبل ثلاث سنوات فى فيلم «مقلب حرامية» وتصدَّر اسمه الأفيش وشربنا المقلب.. كان الفيلم متواضعا فنيا وكان عبد المغنى أيضا غير قادر على جذب الجمهور.. لم ينجح عبد المغنى كبطل فى العبور إلى مشاعر الناس، وهذه هى المحاولة الثانية فى فيلم «رد فعل»، التى يتصدر فيها الأفيش باعتباره النجم الأول، ولكن لا تزال هناك مسافة مع الناس «رد فعل» هو فيلم بلا رد فعل!
اختار عبد المغنى فكرة سيكولوجية عن مريض بالانفصام يموت والده وهو طفل، ويعتقد خطأ أن هناك من قتله وتتعدد جرائمه، فهو يبدأ بمطربة قديمة كانت على علاقة بوالده وبعدها تبدأ سلسلة الجرائم وفى نفس العمارة.. اعتقد بسبب المرض العقلى الذى يعانيه أن هؤلاء هم قَتَلة والده.. الفيلم كتبه وائل أبو السعود وإيهاب فتحى وأخرجه حسام الجوهرى. ومنذ الجريمة الثانية اكتشف المتفرج بسهولة أن القاتل هو عبد المغنى، الذى يؤدى دور الطبيب الشرعى الذى تصب عنده كل هذه الجرائم، كما أنه صديق الضابط عمرو يوسف الذى يروى لصديقه كل التفاصيل.
بناء السيناريو المفروض أنه قائم على التشويق، حيث إن المتفرج عليه دائما أن يضرب أخماسًا فى أسداس، ويفشل فى اكتشاف اسم الجانى، ولكن لأن الحبكة الدرامية مفتعلة فلقد اكتشف المتفرج الجانى بسهولة، ولهذا اضطر المخرج فى النصف الثانى من السيناريو إلى الانتقال دراميًّا من المفاجأة، حيث التشويق القائم على خداع المتفرج، ولجأ إلى حيلة درامية مغايرة وهى المفارقة، التى تعنى أن المتفرج يعرف اسم القاتل بينما الأبطال لا يعرفون.
حرص السيناريو على أن يمنح مساحة للوجه الجديد حورية فرغلى، التى تؤدى دور ابنة خالة عبد المغنى، وهى طبيبة نفسية تتعاطف معه وترى أنه مريض وليس قاتلا.. وتنتهى الأحداث بعد أن تم احتجاز عبد المغنى فى مستشفى للعلاج النفسى، وهو يحتضن دمية كانت قد أهدتها إليه حورية ونشاهدها وهى فى زيارة له.
الفيلم لم يستطع أن يشكل أى إضافة لكل من شارك فيه، بل أتصوره على العكس خصم من أبطاله المحتملين أى نجومية محتملة.. مثلا حورية فرغلى كان هناك ترقُّب لها بالنجومية، وحققت نجاحا لافتا إلا أنك ربما لن تتذكر بعد نهاية عرض الفيلم أنها كانت فى الفيلم.
المخرج قدم فى العمارة نماذج شاهدنا خلالها فسادا فى المجتمع، مثل الصحفية وتاجر الذهب والطبيب والمحامى والممثلة الناشئة.. أراد السيناريو أن يحاكى رائعة علاء الأسوانى «عمارة يعقوبيان» إلا أن ما حدث فى هذه العمارة مجرد تجميع لعدد من السكان، ولا يوجد لدى الكاتب أو المخرج أى لمحة خاصة يضفيها على الشخصيات، كما أنه يقدم فيلمه معزولا فكريٍّا وسياسيًّا عما يعيشه الناس فى مصر، لا يشعرنا بأن هناك تأثيرا للزمن، بل مجرد حكايات مبتورة للسكان فى العمارة بلا رؤية اجتماعية أو نفسية.
ويبقى الحديث عن النجم الذى باءت كل محاولات تدشينه كنجم قادم بفشل ذريع.. هل عليه أن ينسى طموحه الدائم بأن يصبح نجما؟ أقول مع الأسف إن هذا صحيح، وإذا أراد أن يواصل الوجود فعليه أن يعود مرة أخرى إلى الدور الرئيسى الذى يمنحه ألَقًا وحضورا، أما نجومية شباك التذاكر فلقد كانت وسوف تظل شفرة عصيّة على التفسير.. بالتأكيد لا يمتلكها عبد المغنى!