ظلت القوى المدنية منذ لحظة التنحى وبداية مرحلة التشرذم بين الجماعة الوطنية قابعة فى خندق رد الفعل أمام احتكار قوى الإسلام السياسى وتحديدا جماعة الإخوان لعملية الفعل السياسى ، فضلا عن انخراطهم جميعا فى فوضى التنافس البينى والانشغال بتلميع نفسهم كنجوم ثورة على الفضائيات بأكثر مما انشغلوا بتشكيل بنية ثورية قوية ومتحدة تستطيع مواجهة التيارات المنظمة التى تتميز بالقدرة على الحشد باسم الله وبتسيير الجموع باسم" طاعة الله ورسوله "و"أولى الأمر" ..منهم الصراحة والشفافية والوضوح وضرورة النقد الذاتى والوقوف مع النفس تقتضى منا أن نعترف أن التيارات المدنية هزمت نفسها بنفسها قبل الدخول فى أية معركة ، فقد تبرعوا طواعية وعن طيب خاطر بمنافسة بعضهم دون أية مراعاة لمصلحة الثورة التى كانت ومازالت تحتاج لتضافر جهود كل الثوريين ، فالحزب الذى دخل الثورة كيانا واحدا تكاثر بعد الثورة وانقسم على نفسه وخرج عليه شبابه لا لفكر جديد ولكن لأنهم تحولوا إلى نجوم وأحسوا أنهم صاروا أكبر حجما من حجم أحزابهم بعدما أصبحوا ضيوفا دائمين على الشاشة،وبعضهم اشتغل بتقديم البرامج ونسى أهم برنامج ألا وهو " الثورة ذاتها " فى حين راح آخرون يسعون وراء "فتح أحزاب مخصوص " ، فضلا عن مئات الإئتلافات والحركات والتنظيمات التى تحولت فى نظرى إلى سرطان أكل كبد الثورة ، وفى مقابل هذا أجادت فيه التيارات الإسلامية تنظيم صفوفها واستغلال جهودها بتوزيع الأدوار حتى صارت صاحبة الشرعية شئنا أم أبينا ،إلى أن وصل الأمر إلى درجة " بوس الأيادى " و" المحايلة " من أجل قبولهم كأغلبية بآخرين من القوى المختلفة فى لجنة وضع الدستور.
لقد وصلت التيارات المدنية والقوى الوطنية إلى درجة من التهافت والأنانية وتغليب المصالح الشخصية الضيقة على مصلحة الثورة إلى الحد الذى صاروا بعده "يشحتون" الحقوق من الآخرين ،وقد ظهرت بوادر هذه الأنانية وهذه الأطماع منذ تململ البعض ونفر من فكرة الالتفاف حول د. محمد البرادعى ليعبر عن الثورة ويتحدث باسمها وكان ذلك قبل سقوط الطاغية ساعتها بخل كثير من الرموز المحسوبة على الثورة بالتوحد خلف البرادعى خوفا من أن تسقط الرئاسة فى حجره ،وهى الأنانية التى تجلت فى أكثر من تصرف وأخذت أشكالا عديدة لم يستفد منها إلا الآخرون ؛فجميلة اسماعيل مثلا دخلت معركة شرسة على كرسى البرلمان أمام منافسها محمد أبو حامد وكان كلاهما قادرا على الفوز إذا تم التنسيق بينهما فى اختيار الدوائر ، فمن غير المعقول فى نظرى أن تحرم مناضلة بحجم جميلة اسماعيل بتاريخها المعروف هى وزوجها من عضوية برلمان الثورة ، ورغم أن البديل كان أبو حامد فإننا كنا بحاجة شديدة لهما معا وهذا المعنى يتأكد لنا الآن مجرد مثال فى وقت فيه " الصوت بيفرق" فى البرلمان ..
للأسف الشديد نثرثر كثيرا ونلوم ونحاسب جماعة الإخوان وحزبها "الحرية والعدالة " ونقف لها على " الواحدة " ونحن قابعون فى خندق رد الفعل بينما تنظم الجماعة أمورها وتديرها بحرفية وبلا خجل من السعى وراء المصلحة العليا للجماعة ،تطلق الوعد ثم " تلحس الكلام " وهكذا لا تعر من حولها اهتماما ما دام قطارها يسير على القضبان فى الاتجاه الصحيح ، وبصراحة شديدة أنا أرى أن كل جماعة أو حزب من حقه تماما أن يأخذ القرار المناسب لتوجهه ومصلحته وعلى من يلوم الجماعة على الرجوع عن مبدأ عدم ترشيح أو دعم إخوانى للرئاسة أن ينظر ماذا فعل الآخرون من أجل الحفاظ على ثورتهم ..
لقد رأى الإخوان فى البداية أن الثورة حية وجمهورها كبير وأن الحال على الأرض غير مناسب للسعى نحو الرئاسة ، أوحتى الإعلان عن ذلك وربما أيضا واقع الجماعة من الداخل وحجم استعدادها تنظيميا لا يسمح بذلك فى المرحلة الراهنة ؛فعمدوا إلى تطمين الفصائل الوطنية والتيارات المختلفة لكن الواقع أثبت للجماعة هشاشة هذه التيارات وضعفها وبات مؤكدا لدى قياداتها أن الصراع الآن انحصر بينها وبين "العسكرى " ..وأنهم لابد أن يكشفوا للعسكرى عن " العين الحمرا " ...وربما أيضا لشعورهم بالخطر بعدما ظهرت الشعبية الكبيرة للمرشح السلفى " حازم أبو اسماعيل " الذى قد يسحب البساط – هذا قبل مشكلة جنسية والدته - ..الشاهد فى الأمر أن هناك قوى منظمة اندست فى الثورة بعد الإعلان عن عدم المشاركة فيها ثم ركبتها و" دلدلت رجليها " و"اتسلطنت "ثم تطلعت إلى الرئاسة..بينما القوى المدنية الأخرى وبعد غيبوبة طويلة يتردد الآن أنها تفكر فى مسألة تكوين فريق رئاسى مكون من البرادعى وأبو الفتوح وحمدين ليواجه" الشاطر " يعنى ببساطة القوى المدنية سوف تلجأ إلى تكوين منتخب من أفضل لاعبى الثورة لمواجة فريق الحرية والعدالة ..فلماذا تأخرت هذه الخطوة وهى نتيجة طبيعية كانت لابد أن تحدث خاصة أن اصحابها جميعا تصورهم للثورة واحد ورؤيتهم للدولة المدنية الحديث بالمرجعية الإسلامية متقارب .
العجيب والغريب أن هذا يدور فى الوقت الذى يعلن فيه سى محمد أفندى أبو حامد عن سعيه إلى تكوين حزب جديد - مع تسليمنا بحريته وحقه فى ذلك – لكن وكما يقولون بالبلدى كده " المشرحة مش ناقصة قتلة " فالثورة فى تلك المرحلة الحرجة لا تحتاج إلى أحزاب جديدة فى الغالب لن تحمل فكرا مختلفا م مخالفا للمطروح ولكن تحتاج إلى تضافر جهود الأحزاب الموجودة فعلا بما تضمه من رموز وشخصيات وأفكار من أجل إنقاذ الثورة والدستور من الشمولية الجديدة ..للأسف مازال البعض يسعى إلى المزيد من النجومية والتألق الفردى على حساب مصلحة المجموع ..ولهذا ستظل القوى المدنية - إن لم تدرك أخطاءها سريعا- تحت رحمة قوى السمع والطاعة وعشاق الفناء فى إرادة المرشد ..