اذاً، ولد الشبح كتنظيم مبنى على المدرسة السلفية التى لم تصل الى الجوهر كما وصل الأمام محمد عبده وكان هدفها هو السلطة كما كان هدف العروش الثلاثة (ال محمد على وال سعود والهاشميين)! ثم كان من استاذ التنظيم ومؤسسه "حسن البنا" ان اقدم على عملاً لم يسبقه اليه احد الا كوكب الشرق السيدة ام كلثوم! فلقد جاب قرى مصر (حرفياً) ووسع شبكة تنظيمه وترك ورائه مندوب فى كل قرية ما لبث ان اصبح له شأن! وفى بضع سنين اصبح نوابه فى القري واحياء المدن وكأنهم الوريث الشرعي الجدد لمشايخ الطرق ومدارسهم، اللذين حكموا الريف لحساب المماليك على مدار اكثر من خمسمائة عام! ثم لم يمضى وقتاً طويل حتى ربط الأستاذ البنا مريديه وتلاميذه ونوابه بحبل التنظيم الذى بدأ كتنظيم دعوى ثم غلب على التنظيم الطابع السياسي، طبقاً لتقاليد الشبح! المفارقة هنا فى توجه الأخوان ان اي متابع لأمر مصر، يعرف جيداً انا اهلها متدينون.. خاصة على عهد الملك! فلماذا ننشأ حركة دعوية سلفية فى ظل وجود الأزهر القوى (حينها)!؟ لقد كان التنظيم وراء السلطة مثله مثل اى حركة سياسية اخرى ولكنه تقنع بالدين ولم يكن مبنى على اصل فكرى مثل القومية العربية التى نمت وترعرعت على مدار أجيال حتى نضج الحلم وتفاعل معه عبدالناصر فجسده! ولكن الشبح، خرج من القمقم وراء السلطة (الخلافة) كما كان يفعل دائماً عبر 14 قرناً من الزمان وأن بأسماء مختلفة في كل مرة! ونسي من أراد الخلافة ان الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام ترك ورائه العلم الذى ينتفع به وكان ما يريده من قريش ان تخلي بينه وبين الناس لكي يوصل رسالة ربه! اما وقد وصلت ونحن نعيش فى مجتمع اسلامي (ناهيك وقتها) فأن الدعوة لأحياء الخلافة "على ما كانت عليه" انما هيه دعوة للملك والسلطة وليس لخلافة خاتم المرسلين وسيدهم صلوت ربي عليه وسلامه! وقتها برز رجالات الأزهر وتصدوا للملك فؤاد ومحاولته احياء "الخلاقة" او وراثتها لأن العلماء كانوا يعرفون انهم ورثة الأنبياء وان من يريد ان يحي الخلافة "على ما كانت عليه" فانما يسعي وراء دنيا يملكها! لذلك، تصدى رجال امثال الشيخ مصطفى عبدالرازق، قاضي قضاة المحاكم الشرعية فى مصر لدعوة الخلافة وفندها فى كتابه الشهير اللذى صدر فى عشرينات القرن الماضي بأسم "الأسلام واصول الحكم". اما على الناحية السياسية فأن كل من تعامل مع الأخوان رفضهم، من اول النحاس الذى حجمهم ولم يكن سعيد بدخولهم الى معترك السياسة الى الملك فاروق الذى حل جماعتهم وتخلصت داخليته من المرشد الأول، بعد ان عاث التنظيم الخاص فساداً فى الشارع السياسي بالأغتيالات! الى ناصر اللذى سجنهم وعذبهم فهربوا منه فى بقاع الأرض وكادوا ان يقضوا.. ثم وجد السادات فيهم القوى الآخرى المنظمة التى يستطيع بها ان يضرب تيار الناصرية والقومية العربية واليسار، فأستدعاهم ببعد نظره حتى وقع مضرج في دمائه! من بعدها تعامل معهم مبارك بمنطق آدارة الصراع واهمل باقى القوى فى المجتمع وتركهم "يتسلوا"! فتارة يشد على الآخوان وتارة يرخي لكنه فى كل الآحوال لم يترك متنفس للقوى الوطنية المدنية لكي تنموا وتتطور! فما كان من القوى الوطنية الا ان خرجوا يوماً بعد يوم على مبارك حتى ازاحوه، لكن بدون ان يكون لهم تنظيم يذكر بعد كفاية و6 ابريل والجمعية الوطنية للتغير اللذين كانوا منظمين ومنضبطين فقط على أزاحة مبارك والختام! بعد ثورة يناير، تنفس الشبح الصعداء وادرك انها لحظته فأعد العدة ليتلبس الشعب والنظام بأكمله! وأدرك ان سقوط النظام لن يكون بنظام وانه الجماعة الوحيدة المنظمة والجاهزة الآن وبأستطاعة تنظيمها ان يتمدد ليملئ الفراغ. لابأس اذاً ان يجربه الناس لمرة ليعرفوا ماهيته ولكنى ازعم ان المصريين سيصرفوا الشبح عما قليل! فهوا لا يحمل اختام المستقبل ولا يدرك روح العصر ولا يحمل من الموروث الا ما يخدم مشروع السلطة والختام! ولعل نكوثهم فى كل وعد قطعوه يظهر مدي تدهورهم الآخلاقى وفى هذا مفارقات عدة! اول مفارقة ان السياسة فن الممكن! والمقصود ان السياسة جوهرها ان تغير رأيك مع الأحتفاظ بموقفك الأخلاقى السليم! ثانياً، عندما تحدث ميكافيللي وقال كلمته الشهيرة "الغاية تبرر الوسيلة" فانه لم يكن يقصد اخلاق الساسة، وانما كان يقصد سياسات الدول! لذلك، استعجب ممن يتصور ان السياسي او الجماعة السياسية من حقها ان "ترقص على كل الحبال وتأكل على كل الموائد من اجل الوصول الى الغاية وهي الحكم"! السياسي هو الرجل صاحب المبداء اللذى يتخذ موقف واضح من قضية بناء على معطيات محددة ولا يغير موقفه الا اذا تغيرت المعطيات لكن مبدأه لا يتغير! لا تنتهى المفارقات فى حياة الأخوان السياسية لكن اذكر نقطة اخيرة وهى ان تنظيم الأخوان هو اللذى قرر ثم تبعه حزبه الحرية والعدالة لكي لا يظن احد ان الحزب له كلمة منفصلة عن الجماعة! ان مجلس شورى الأخوان ولعلى لا اتجاوز اذا قلت مرشد الأخوان هو القوة الحقيقية وليس حزب الحرية والعدالة. فاذا نجح خيرت الشاطر واصبح رئيساً للجمهورية، فماذا عساه المرشد ان يكون؟ من العبث بمكان ان يظن احدنا ان صرف الشبح اللذى حل محل شيوخ الطرق سيكون عن طريق الزار مثلاً!! الصحيح، ان الطريقة الوحيدة لصرفه هيا ان تصل خدمات الدولة الى حيث يعمل الشبح فيرتبط الناس بالدولة (التى اهملتهم) بدلاً من ارتباطهم بالشبح اللذى يخدمهم ويستمد منهم قوته بعد ان ورث شيوخ الطرق! ولن نستطيع ان نفعل هذا الا على مدار سنوات ولن ننجح فى هذا الا لو اتحدنا وبنينا تنظيم عصرى حديث. ولا خوف من اقصاء احداً من الساحة فلقد اصبحنا ثورة واخوان وعسكر وسنبقى كذلك لمدة من الزمن! ثم ان كل ما نراه مرتبط بالتحديات الداخلية التى "على وشك ان تنفجر" ولم نصل بعد الى القضايا الجوهرية التى تهم كل المصريين من "تحديات التنمية والبناء" فى كل المجالات! واذا تخطينا بالبصر الى خارج حدود الوطن، فهناك اربعة قضايا مهمة حال وصول الأخوان الى الحكم ستنفجر حتماً وفى القريب العاجل. ثلاثة من هذه القضايا مشترك مع اي فصيل أخر يصل الى الحكم وهي اسرائيل، والمياه وايران! اما القضية الرابعة التى سينفرد بها الإخوان اذا وصل الشاطر الى الرئاسة هيه اشكالية وجود تنظيم دولى للأخوان وله مرشد عام يقبع بمصر ورئيس مصر تابع له! فماذا سيحدث لو ان فصيل للأخوان فى دولة ما صديقة، تم ذبحه!؟ قديماً قالوا، كل نظام يفرز المعارضة التى تليق به! فأذا كان الإخوان هم افراز 80 سنة معارضة، فلنرى ماذا سيفرز الشبح فى ايام قليلة فى السلطة! لست قلق من وجودهم ولا من وصولهم الى مقعد الرئاسة! ولعلى سأتابع مشهد "تعظيم السلام" من المشير طنطاوى والفريق سامي عنان واللواءات الرويني والعصار والفنجرى ببالغ الشغف وهم يؤدون التحية للشاطر! بيد ان هناك سيناريو أخر حال فشل الأخوان فى الوصول الى الرئاسة! لأن هذا معناه ان المادة 28 تم تفعيلها او معناه ان الشعب لم يصوت للأخوان هذه المرة! تبعات هذا الأمر خطيرة الى درجة تفوق اي ازمة مرت بها الجماعة فى عمرها لأن التبعات هذه المرة معناها ان الأخوان لا تملك الا برلمان الذي يمكن حله ومجلس تأسيسي للدستور فاقد للوفاق الوطنى اساساً. فهل يبقى المشهد على حاله: الأخوان فى المجالس والعسكر فى الرئاسة والثوار فى الميدان!؟ ام ان فصيل من الثلاثة سيفقد عقله قريباً جراء اخطائه الجسيمة؟ لا يوجد اجابة واضحة وصريحه! كل ما عليك ان تراجع التاريخ لتفهم ما هي القوى الموجودة على الساحة وكيف جأت وما هو تأثيرها على المستقبل! لكن الأهم ان تعرف اي تاريخ تقراءه؟ فانت مثلاً اذا قرائت كل كتب التاريخ التى كتبت عن القرنين المنصرمين فلن تجد اى سبب مقنع لما حدث فى مذبحة مبارة بورسعيد! هذا فى الأغلب لأنك لا تقراء كتاب التاريخ الصحيح! اما لو قرأت تاريخ ملاعب الكرة فحتماً ستعرف الأجابة.. الأن، اي تاريخ نقراءه لنعرف كيف يصرف الشبح، الذى يسعى دائما عبر العصور خلف السلطة وهو لا يتوانى عن استخدام اي شيء حتى قدسية الدين ليصل الى مبتغاه!؟ الشاهد اننا بحاجة الى ما ينظم علاقتنا ببعض ولسنا بحاجة الى احد ينظم ما بيننا وبين بارئنا. فاذا كان لابد لإحد ان يرشدنا فأهلاً بالإزهر الشريف!