معتمر أمين الموضوع بأختصار ان البورصة ولله الحمد فى حالة صعود مستمر حتى وصلنا الى اسعار لم نصل اليها منذ ثمانية أشهر. بالطبع هناك عدد لا بأس به من الناس متفائل بهذا الآداء ومستبشر خيراً، ويرجوا من الله ان يعوض الخسائر المهولة التى مني بها منذ اندلاع الثورة وحتى من قبلها من بداية الأزمة المالية العاليمة التى ضربت مصر والبورصة سنة 2008. وهؤلاء المستبشرون، منتظرين بفارغ الصبر صعود الأسعار ليبيعوا ما لديهم من اسهم بعد ان حبسوا لمدة طويلة فى انتظار الفرج.. فى حين ان من يشتري منهم الأسهم عنده تفائل أشد بان الأسهم مازالت فى بداية رحلة الصود.. لكن هناك سؤال يطرح نفسه بقوة! تحركت أسعار الأسهم بقوة الى اعلى وكذلك كل مؤشرات البورصة أرتفعت بطريقة ملحوظة، وهذا معناه ان هناك سيولة كبيرة دخلت الى السوق! لكن هل هذه السيولة للأستثمار طويل الأجل؟ وهل هناك سيولة أخرى بالخارج تنتظر دورها لدخول البورصة ام ان كل القوى الدافعة للأسعار دخلت بالفعل؟ واذا دخلت كل السيولة الدافعة فمن سيشترى الأسهم الآن؟ الحقيقة لا يوجد سبب لأرتفاع البورصة الآن الا امر واحد فقط وهو يختص ببيع شركة موبنيل من مجموعة اوراسكم للأتصالات و مالكها المهندس نجيب سويرس الى شركة فرانس تليكوم! هذه الصفقة ليست بالجديدة وانما قتلت بحثا منذ عدة سنوات! وقتها كانت هناك خلافات على طريقة الآدارة بين اورسكم تليكوم وفرانس تليكوم بخصوص الجيل الثالث لشبكات التليفون المحمول الذى يتيح استخدم النت والفديو كول وغيرها من الخدمات! اختلفت الشركتان على اولوية العمل فكانت النتيجة ان موبنيل تأخرت فى ريادة قطاع الأتصالات وبزغ نجم اتصالات وفودافون خاصة وان الأثنان اعطوا لمستخدميهم خدمة الأنترنت قبل موبينيل بفترة بسبب تبنيهم لخدمات الجيل الثالث (موبنيل كانت تقدم الخدمة لكن بأسعار عالية خارج المنافسة) على اى حال، وصل النزاع بين الشركتان اورسكم وفرانس تليكم الى المحاكم الدولية وكانت النتيجة النهائية ان سويرس خسر قضية التحكيم الدولى واطر الى التوقيع مع فرانس تليكوم على اتمام الصفقة بحد اقصى سنة 2013 على سعر السهم 243 جنيه (كان متوسط سعر موبنيل فى بداية الآزمة التى واكبت الأزمة المالية العالمية لا يتعدى 110 جنيه ثم ارتفع الى متوسط 240 جنيه سنة 2010! لاحظ ايضا ان موبنيل تمثل حوالى 5% من حجم البورصة المصرية فى حين يبلغ حجم اورسكم تليكم حوالى 6% من حجم البورصة) ارتفاع اسعار الأسهم الآن غير مبالغ فيه على الأطلاق ولم يصل بالآسهم الى قيمتها الحقيقية، والدليل، انه عندما يتم تقييم اي شركة للبيع تجد ان سعرها يرتفع بطريقة مطردة ويصل بها الى قيتها العادلة كما هو الحال فى موبنيل (سهم موبنيل قفز من حوالى 80 جنيه فى بداية هذا العام الى 179 جنيه حسب اقفال يوم الخميس الأول من مارس)! وهذا معناه ان اسهم الشركات بالبورصة يتم التداول عليها بأقل من سعرها الحقيقي! يحدث هذا الأنحراف فى اسعار الأسهم بعيدا عن قيمتها الحقيقية لأن الناس لا تريد ان تستثمر فى البورصة لأنها سوق عالى المخاطر ويسبب خسائر فادحة كما قد يسبب مكاسب مهولة ايضا! فى حالة موبنيل السعر معروف للجميع لكن الشيئ الغير مفهوم هو لماذا يوافق سويرس على سعر اقل من 243 جنية (التسريبات تقول انه حوالى 202 جنية) فى حين كان متشبث بالشركة حتى الموت ورفض سعر اعلى من ثلاثة سنوات! ما الذى حدث؟ هل يخشي نجيب سويرس من المد السلفى الأسلامي الأخوانى على الرغم من ان تيار الأسلام السياسي يتنبى نفس الأجندة الرأسمالية مثل سويرس تماما! ام انه يخشي تبعات تدهور علاقته بجمهور الأسلام السياسي بعد الصورة التى علقها على حسابه الشخصى للشيخ "ميكي موس" والحجة "ميمي موس"؟ ارجوا ان تلاحظ عزيزي القارئ ان اكثر من 80% من حجم اعمال سويرس بالخارج بالفعل وهو مملوك لشركة اورسكوم تليكوم التى تم بيعها ودمجها فى شركة فيمبلكوم الروسية واصبح سويرس مساهم فيها بنسبة تصل الى 22% وهذه قصة اخرى! ما يعنينا فى هذ الصدد ان استثمارات سويرس (نجيب وسميح) مملوكة لشركاتهم فى الخارج او لشركات هم مساهمون فيها بالخارج، وهذه سياستهم المتبعة منذ منتصف 2006! فهل كانوا يحسنوا توقع التغيرات فى مصر "ولا الموضوع صدفة"؟ ما يعنينا فى هذا المقام هو ثلاثة امور! اولا، ان مؤشرات البورصة واسعار الأسهم لن تتحرك بعيدا الى اعلى الأسعار الحالية (المؤشر اي جي اكس 30 كان 5369.97 يوم الخميس 1 مارس ومتوقع ان يصل الى 5500 نقطة) لأن القوى الدافعة للبورصة المتمثلة فى الأموال الداخلة الى السوق قد دفعت بآخر ما تملك وان موضوع الصفقات وبيع موبنيل وخلافة قد تم بالفعل احتسابها فى الأسعار الجديدة المرتفعة! الأمر الثاني، ان الأموال الداخلة الأن الى البورصة ليست اموال استثمارية وانما هيا امولا مضاربة تسعى للربح السريع وستخرج فورا خارج البورصة بمجرد ان تصل الى الآستفادة من الصفقة (بعض تلك الأموال يخرج الآن بالفعل عن طريق بيع الأسهم) والأمر الأخير، ان هذه الأموال لا ناقة للدولة فيها ولا جمل لأنه لا يوجد هناك اى ضرائب تحصل على صفقات البيع والشراء والآرباح فى البورصة، فقط رسوم رمزية (رمزية اخت سلمية وممنهجة)! باختصار، صفقة بيع موبنيل هي الدينمو الدافع لصعود البورصة الآن وارجوا ان لا يحسب احد ان صفقة بيع شركة "جزي" (شركة المحمول بالجزائر) سيأتى بأى ثمار على مصر او اورسكوم تليكوم لأن تلك الشركة مملوكة بالكامل لشركة وارسكوم التى هي جزء من شركة ويند الإيطالية التى بيعت بدورها الى شركة فيمبلكوم الروسية ولا ناقة لنا فيها ولا جمل! اما السؤال الذى نحن بصدده الآن هو: هل يصفى سويرس استثماراته فى مصر؟ ام ان هذا هو مجرد اعادة لترتيب الأولويات والمشروعات فى مؤسساته كما يفعل دائما؟ وماذا عن باقى رجال الآعمال؟ هل ينحو نفس النحو؟ هل نحن بصدد تغير لمالكى مفاتيح الأقتصاد فى البلد وتغير الملاك (لاحظ ان الأرقم المسربة عن اعداد الناس التى هجرت موبنيل الى اتصالات وفودافون تتخطي حاجز المليون حتى ان هناك نكتة تقول ان سويرس هو احسن مدير مبيعات للشركتان اتصالات وفودافون!)؟ اما عن ملكية الأقتصاد، فيقال ان فى مصر كانت هناك معادلة داخلية غير مكتوبة (عرف مش دستور) مؤداها ان المسلمين يتصدروا المشهد السياسي ولا مانع من تصدر المسيحين للمشهد الأقتصادى! يا ترى هل ستطال الثورة هذه المعادلة بالتغيير بحيث يقتسم الأثنان نفس الحقوق والواجبات ويعود "المصريين" الى صدارة المشهد ام ان هناك مشهد اقصائى يلوح فى الأفق يغير ملاك بملاك أخرون! ما الذى يحدث فى عالم المال والأعمال بالضبط؟ احدى مميزات البورصة انها تسبق الأقتصاد لأنها تكشف اين تتجه الأموال للأستثمار فتنبهك الى المجال الذى سينمو اكثر من غيره بسبب توجه السيولة اليه! وفى مقولة ان احد مميزات البورصة انها تكشف من بالضبط يسبق الأقتصاد، ومن يملكه، خاصة اذا عرفت من يبيع ولماذا ومن يشتري ولماذا ايضاً! الشاهد ان عالم المال والآعمال بها من الحرك ما بدأ ينذر بأن شيئا ما يحدث وان اجهزة الرادار الخاصة بالثورة لم تلتقطه بعد! يا ترى بعد زواج المال بالسلطة هل سنرى مرافقة المال للأخوان؟ (ملحوظة اخيرة: اذا كنت مالك لأى سهم فى البورصة الآن، انصحك بمراجعة مدير استثمارك بشأن الأحتفاظ او البيع.. لا تغتر بمكاسب اكثر او بتعويض اكبر قدر من الخسائر. الفرص لا تنتهى لكن امولك قد تتبخر)