سمير البحيري يكتب: مبارك يسمح للأمريكان بالسفر..! سمير البحيري الإفراج عن الأمريكيين المتهمين في قضية التمويل الأجنبي ومغادرتهم البلاد الخميس الماضي، أرجعنا لنقطة الصفر، وكأننا لسنا أمام ثورة أطاحت بنظام كان شغله الشاغل طوال فترة حكمه رهن مصر بقراراتها بمصيرها بأرضها بشعبها لخدمة الأمريكان والصهاينة، لتبقى مسلوبة الإرادة على مدار ثلاثين عاماً، وبعد مضي أكثر من عام على الثورة عاد شبح الهيمنة الأمريكية يطل برأسه، وكأن نظام مبارك نما وترعرع وأتى لنا بمائة مبارك آخرين. فقد جاء الإفراج عن 18 أمريكياً متهمين بحكم القانون ويحاكمون أمام محكمة الجنايات، بمثابة الاختبار الحقيقي الذي لم يصمد معه المجلس العسكري، ولم يبد شيئاً من المقاومة أمام الضغوطات التي مورست عليه من قبل أمريكا بمسؤوليها بإعلامها بعملائها، ليقدم لنا نموذجا من الماضي القبيح عندما كانت أمريكا تأمر المخلوع فينحني أمامها صاغراً وينفذ، ليثبت عمالته التي استمرت على مدار ثلاثة عقود، لتأتي ثورة 25 يناير وتكشف عمالته وسرقته ونهبه للبلد وتخلعه ونظامه من جذوره. وأيا كانت التبريرات التي ساقها المستشار محمد شكري باستشعاره الحرج وتنحيه عن نظر القضية، والسجال الذي دار بينه والمستشار عبد المعز إبراهيم الأقدم في قضاة مصر على الإطلاق، فإن الأمر به شبهة بأن هناك من يرضخ للضغوط ، ولا يبدي أدنى مقاومة، وهو ما أصاب مصر الثورة بالإحباط، بعدم خضوع الأمريكان للقانون والعدالة لتقول كلمتها بتبرئة ساحتهم أو إدانتهم كما يضع عدة علامات استفهام حول استقلال القضاء. وعلى الرغم من هدوء الرأي العام المصري وعدم وقوفه كثيراً عند هذا السماح المفاجئ لمتهمين أمام القانون بالسفر، إلا أن الأمر جد خطير، فأمريكا والغرب وإسرائيل ما كانوا يوماً يريدون أن يرحل مبارك ليبقى بلد بحجم مصر مطية يسوقونها في الاتجاه الذي يريدون، والمؤدي لاستقرار الصهاينة وترسيخ دولتهم، بل وإعطائها الريادة، لسحبها من مصر بدلاً من أن تكون مصرية بحكم الإرث الحضاري والثقافي والبشري الهائل على مدار 7 آلاف سنة، مما يعني أننا أمام الرضوخ والخنوع نفسه الذي كان يحترفه المخلوع ويتلذذ به، جاعلاً من مصر طوع هؤلاء الأشرار. وقد يرى المجلس العسكري أن الوقوف أمام أمريكا، كمن يقف أمام أسد مفترس وحيداً دون أن يملك أدوات الدفاع عن نفسه، فإنه مخطئ بشكل كبير، ليثبت أنه ما زال يعيش في جلباب النظام السابق وإلا بماذا نفسر هذا الخضوع وهذا التحول المفاجئ في القضية؟. ويبدو أن أمريكا خططت لذلك، وجاءتها الفرصة في عقر دارها باتهام ثلة من مواطنيها في قضية تخل بأمن بلد آخر، لتبدأ في جس نبض الحكام الجدد حتى لو كان المجلس العسكري وإطلاق بالون اختبار ومارست الضغوط، والتي نجحت بالفعل لتكسب الرهان، وهي التي قبلت بالثورة على مضض، لعلمها بأنها خلعت كنزها الاستراتيجي في المنطقة وكنز إسرائيل كما وصفه رئيس وزراء الأخيرة نتانياهو في تصريح له ذات مرة..ّ!،ليبرهن المجلس العسكري أن الكنز الاستراتيجي باق. وهذا يثبت أن أصحاب القرار في مصر، لم يتغيروا وارتضوا بتبعيتهم لأمريكا، وشتان بين موقفين متشابهين، فدولة مثل إيران لم ترضخ لضغوط أمريكا وأصدرت محكمة الثورة الإيرانية حكماً بالإعدام على الجاسوس الأمريكي من أصل إيراني ميرزائي حكمتي يناير الماضي، فيما سمحت مصر ل 18 متهماً يحاكمون بالفعل بالسفر لبلدهم، أي "تبويظ" القضية بشكل شيك، في الوقت الذي أبقت على المتهمين المصريين في السجون.