سمير الأمير يتحدث كثيرون عن هيبة الدولة وفى أذهانهم صور القهر والقمع والقدرة على فرض الخوف والهلع فى نفوس المواطنين ويتجاهل هؤلاء أن هيبة تتطلب أولا فرض احترام القانون على جميع الأفراد والمؤسسات ، ولعل أول شروط هذا الاحترام هو أن تصبح الدولة أداة لتنفيذ القانون وليست أداة لتجاوزه وانتهاكه والشرط الثانى هو إشاعة حالة الرضاء بين الجماهير بكافة طوائفها وطبقاتها عن رموز تلك الدولة وعن مجمل آدائها على المستويات الأمنية والاقتصادية والسياسية ، فالدولة التى لا توفر الحماية لمواطنيها ولممتلكاتهم تفقد قدرا كبيرا من هيبتها والدولة العاجزة عن تدبير سبل العيش الكريم وعن تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية والسياسية تفقد قدرا كبيرا أيضا من هيبتها والدولة التى تنحاز لفصيل سياسى أو دينى وتتماهى مع هذا الفصيل ليصبح هذا الفصيل هو الدولة تفقد مشروعية وجودها كنسق مستقل بدرجة ما عن إرادة الأفراد والفصائل وتتحول إلى دولة مخطوفة ويزداد الأمر تعقيدا وانحطاطا إذا كانت الأجهزة والمؤسسات المكونة لتلك الدولة مخطوفة بإرادتها لأنه فى تلك الحالة يصبح المعترض مدانا والمتهِم متهَما وهنا تتماهى الهيبة فى القهر وتصبح الوظيفة الوحيدة للدولة هى وظيفتها كأداة للقمع فتتفاقم حالة السخط على تلك الدولة التى تختلط حدودها بحدود النظام السياسى عند المواطن العادى الذى يعجز عن إدراك الفرق بين الدولة والنظام السياسى ومن ثم يصبح تمرده على الدولة أمرا مفسرا ليس بسبب انخفاض وعى ذلك المواطن ولكن بسبب قصور رؤية النخبة الحاكمة التى تساهم بجهل فى تقويض الأساس الذى بنيت عليه الدول وهو العقد الاجتماعى المكتوب وغير المكتوب ومن صميم ذلك العقد أن الأفراد متساوون أمام القانون بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو الطبقة الاجتماعية التى ينتمون إليها ومن صميمه أيضا أن الجرائم مسئولية مرتكبيها ولا تمتد العقوبة لقرية أو مدينة بسبب ارتكاب بعض سكانها لجريمة مهما بلغت من قسوة لأننا إن عاقبنا المدينة بأكملها فإنما نساهم فى جعل المجرمين الأفراد يفلتون من جريمتهم ويحتمون بزويهم أو بأبناء طائفتهم مما يكرس لآفات الفصل العنصرى أو الصراع الدينى التى قطعت البشرية شوطا طويلا فى طريق التخلص من تلك الآفات ، إن هؤلاء الذين ساعدوا أو ساهموا فى تهجير الأسر المسيحية من منطقة العامرية بالإسكندرية على خلفية علاقة غرامية بين مسيحى ومسلمة قد ساهموا بجهل وربما عن قصد فى إرساء قاعدة الفصل بين المسيحيين والمسلمين التى لو تكررت ستؤدى فى آخر الأمر إلى ما نخشاه جميعا لأنه قد يحدث العكس فى منطقة أخرى ذات كثافة مسيحية ويطالب المسيحيون بتطبيق نفس العقوبة التى تعرضوا لها وقد نصحو ذات يوم لنجد مناطق يعيش فيها المسيحيون فقط ومناطق يعيش فيها المسلمون فقط وذلك عبر تكرار تلك الحلول المتخلفة التى يرعاها المتعصبون والجهلة وعندئذ سيصبح تقسيم الوطن أمرا محتملا بعد أن كان مستحيلا.