سعر الذهب في مصر اليوم الأربعاء 13-8-2025 مع بداية التعاملات    وسائل إعلام: ترامب يحضر إنذارا لأوكرانيا والاتحاد الأوروبي    نتنياهو: أنا في مهمة تاريخية وروحية ومرتبط بشدة برؤية إسرائيل الكبرى    الكشف عن طاقم تحكيم مباراة بيراميدز والإسماعيلي بالدوري المصري    عباس شراقي: بحيرة سد النهضة تجاوزت مخزون العام الماضي    عاجل - استقرار سعر الدولار في البنوك المصرية الأربعاء 13 أغسطس 2025    نتنياهو: إيران لا تزال تمتلك 400 كيلوجرام من اليورانيوم المخصب    وفد من حركة حماس يصل القاهرة لبحث تطورات غزة والضفة والقدس مع المسؤولين المصريين    الحوثيون يعلنون تنفيذ 4 عمليات عسكرية ضد إسرائيل    تراجع أسعار الذهب العالمي مع تزايد الآمال في خفض الفائدة الأمريكية    إن كيدهن عظيم، كولومبية تفضح أسطورة ريال مدريد على الهواء: رفضته لأنه لا يستحم    "يتعلق بمرض ابنته".. موقف إنساني من إمام عاشور تجاه أقدم عامل بنادي الزمالك    الجو نار «الزم بيتك».. طقس شديد الحرارة على أسوان اليوم الأربعاء 13 أغسطس 2025    أرباح تصل إلى 50 ألف دولار للحفلة.. تفاصيل من ملف قضية سارة خليفة (نص الاعترافات)    المتحدة تُطلق حملة توعية بمخاطر حوادث الطرق للحفاظ على الأرواح    خشب المسرح أخده ونزل، لحظة سقوط فنان أسباني شهير أثناء حفله في الأرجنتين (فيديو)    بكتيريا تؤدي إلى الموت.. الجبن الطري يحمل عدوى قاتلة وفرنسا تقرر سحبه من الأسواق    11 لقبًا يُزينون مسيرة حسام البدري التدريبية بعد التتويج مع أهلي طرابلس    مرشحو التحالف الوطني يحسمون مقاعد الفردي للشيوخ بالمنيا    ملف يلا كورة.. شكوى زيزو.. عقوبات الجولة الأولى.. وانتهاء أزمة وسام أبو علي    نيوكاسل الإنجليزي يعلن التعاقد مع لاعب ميلان الإيطالي    منتخب 20 سنة يختتم تدريباته لمواجهة المغرب وديًا    أسعار التفاح والموز والفاكهة في الأسواق اليوم الأربعاء 13 أغسطس 2025    نتنياهو: بموافقة واشنطن أو بدونها كنا سننفذ ضرب إيران.. ولحسن الحظ ترامب متعاطف للغاية    انطلاق معرض أخبار اليوم للتعليم العالي برعاية رئيس الوزراء.. اليوم    كسر خط صرف صحي أثناء أعمال إنشاء مترو الإسكندرية | صور    محافظ المنيا يقرر تخفيض مجموع القبول بالثانوي العام والفني    4 أبراج تفتح لها أبواب الحظ والفرص الذهبية في أغسطس 2025.. تحولات مهنية وعاطفية غير مسبوقة    الشيخ رمضان عبد المعز: سيدنا إبراهيم قدوة في الرجاء وحسن الظن بالله    ما حكم الوضوء لمن يعاني عذرًا دائمًا؟.. أمين الفتوى يجيب    ما حكم ربط الحروف الأولى للأسماء بالرزق؟.. أمين الفتوى يجيب    نشرة التوك شو| زيارة تاريخية للرئيس الأوغندي لمصر.. و"موسى" يهاجم مظاهرة أمام السفارة المصرية بدمشق    للحماية من هبوط الدورة الدموية.. أبرز أسباب انخفاض ضغط الدم    ممنوعة في الموجة الحارة.. مشروبات شهيرة تسبب الجفاف (احذر منها)    الدكتور حسين عبد الباسط قائماً بعمل عميد كلية الإعلام وتكنولوجيا الاتصال بجنوب الوادي    أحمد مجدي: لدي مستحقات متأخرة في غزل المحلة وقد ألجأ للشكوى    الحماية المدنية بالغربية تسيطر على حريق هائل نشب بسيارة بالمحلة الكبرى    «حماس» تشيد بدور مصر الثابت في دعم القضية الفلسطينية    وزيرا خارجيتي السعودية والأردن يبحثان تطورات الأوضاع في غزة    الفائز بجائزة الدولة التشجيعية ل"البوابة نيوز": نحتاج إلى آليات دعم أوسع وأكثر استدامة خاصة لشباب الفنانين    فترة تحمل لك فرصًا كبيرة.. حظك اليوم برج الدلو 13 أغسطس    إبراهيم عيسى يٌشكك في نزاهة انتخابات مجلس الشيوخ: مسرحية (فيديو)    طريقة عمل شاورما اللحم فى البيت، أحلى وأوفر من الجاهزة    الصحة تشيد بالأطقم الطبية بمستشفيات الشرقية لنجاحها فى إجراء عمليات معقدة    محافظ القليوبية يكرم 3 سائقي لودر لإنقاذ مصنع أحذية من حريق بالخانكة    بداية أسبوع من التخبط المادي.. برج الجدي اليوم 13 أغسطس    سوق مولد العذراء مريم بدير درنكة.. بهجة شعبية تتجدد منذ آلاف السنين    أكرم القصاص: مصر أكبر طرف يدعم القضية الفلسطينية وتقوم بدور الوسيط بتوازن كبير    مصدر بهيئة قناة السويس ببورسعيد ينفي ما تم تداوله حول إغلاق كوبري النصر العائم    حبس 5 متهمين اقتحموا العناية المركزة بمستشفى دكرنس واعتدوا على الأطباء    متلبسًا بأسلحة نارية وحشيش.. ضبط تاجر مخدرات في طوخ    إخماد حريق نشب في محول كهرباء تابع لترام الإسكندرية    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأربعاء 13 أغسطس 2025    البنك العربي الأفريقي الدولي يرفع حدود استخدام البطاقات الائتمانية والعملات الأجنبية للسفر والشراء    "الإسكان": منصة إلكترونية/لطلبات مواطني الإيجار القديم    للمرة الأولى.. كليات الطب البشري وحاسبات ضمن تنسيق المرحلة الثالثة 2025 للنظام القديم «ضوابط الالتحاق»    كيف أستغفر ربنا من الغيبة والنميمة؟.. أمين الفتوى يجيب    الشيخ رمضان عبدالمعز: قبل أن تطلب من الله افعل مثلما فعل إبراهيم عليه السلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نادر فرجاني يكتب: محنة التيارات الإسلامية الفائزة في انتخابات مجلس الشعب
نشر في الدستور الأصلي يوم 17 - 01 - 2012


(1)
متي يفيقون من سكرة الزهو بالانتصار الذي مكنّهم منه الشعب، والتغاضي عن عديد من خروقات نزاهة العملية الانتخابية والتجاوزات التي شابتها، ويتخلون عن نبرة الاستكبار التي تناقض خلق الإسلام، وعن التقافز على مناصب السلطة، التي يجب أن يكونوا أول من يوقن أنها زائلة (فلا يبقى إلا وجه ربك!)، ويتوفرون، من ثم، على العمل الجاد والمخلص لخدمة هذا الشعب العظيم الذي شرفّهم بهذه المسئولية التاريخية؟
إن عليهم أن يتمثلوا مقولة "الملك الضليل"، ملك شعراء العرب، إمرؤ القيس البليغة: "لا صحو اليوم ولا سكر غدا، اليوم خمر وغدا أمر". وليعلموا أن الشعب منحهم تفويضا مشروطا وموقوتا.
الشرط هو حسن الأداء بما يرقي لتطلعات الشعب منهم والعمل على استكمال ثورة الفل الرائعة ونيل غاياتها في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية. والتوقيت هو موعدالانتخابات القادمة إن أحسنوا ولو قليلا، أو هو وقت نفاد صبر الشعب عليهم، قبل ذلك إن هم أساءوا التصرف في تفويض الشعب لهم.
فليوقنوا أن الشعب لم يمنحهم تفويضا مطلقا، حيث إنتهي عهد شعب مصر العظيم بالتفويض المطلق لأي فرد أو جماعة، من لحظة قيام ثورة الشعب العظيمة ونجاحها في الانتصار الأولي لثورة الفل في يناير 2011 بتنحي الطاغية رأس الحكم التسلطي الساقط الذي استبد، على رأس تشكيله العصابي الحاكم، بالبلاد والعباد لأطول من ثلاثة عقود.
وليعلموا أن الشعب قد منحهم هذا التفويض المشروط والموقوت أملا في أن تكون عقيدتهم الإسلامية عاصمة لهم من مزالق الفساد والاستبداد التي هوت إليها عصابة حكم الفساد والاستبداد التي تحكمت في مصائر الشعب، باطشة وناهبة، وما زالت. وسيقف الشعب لهم بالمرصاد إن لم يرقوا إلى مستوى الثقة التي أولاهم إياها.
وتتمثل محنة القوى السياسية الإسلامية الصاعدة في ثلاثة إمتحانات صعبة سيخضعهم لها الشعب العظيم: الهوية، والتطهير، والبناء.
1.إمتحان الهوية
وينطوي على الاختيار بين قطبين
الأول، وهو وحده الإلهي الثابت والمقدس والمعصوم، ويتمثل في المقاصد الكلية للشريعة الإسلامية السمحاء والتي تعني إسلام العقل والعدل والإخاء والمساواة والمحبة والتراحم.
والثاني هو البشري والمتغير، والذي قد يُدنَّس بأهواء البشر وقصورهم، وهو أحكام الفقه التي يتوصل لها بشر يجتهدون في تفسير الشريعة، وفيه، من ثم، المستنير والميسِّر، والممكِّن من التقدم في القرن الحادي والعشرين من مسيرة البشرية،؛ولكنه لا يخلو من المتشدد والمعسِّر والرجعي المكرِّس للتخلف. ويتمثل ذلك الأخير من صنف الفقه المكروه، وفق الإسلام القويم، في تطبيق أحكام الشريعة بالمفهوم الشكلي والقاصر المتمثل في تطبيق الحدود، ولو من دون توافر شروطها، وفي حماية العفة الظاهرية (التحجب والحشمة في اللباس ومنع الخمور ومنع القبلات والمشاهد الحميمة في الأعمال الفنية وحجب التماثيل).
والمؤكد أن الهوية المجتمعية التي ستسعي التيارات الإسلامية الفائزة في الانتخابات التشريعية لوسم المجتمع بها ستقع بين هذين الحدين الأقصى. ونتمنى أن يهديهم حسن إسلامهم، وحرصهم على رضى الشعب، والتفاهم مع حلفائهم من الكتل السياسية الأخرى في المجلس، إلى الى الاقتراب من القطب الأول. وتقديري أن الجنوح إلى القطب الثاني سيكلفهم بعضا من غضب الشعب أو، على الأقل بعض فئاته، وسيجر البلاد إلى وهدة العذاب والتخلف التي سقطت فيها أنظمة حكم رجعية بإسم الإسلام. وليكن لهم في المواقف المستنيرة لتيارات الإسلام السياسي الفائزة في انتخابات تونس والمغرب، أسوة حسنة.

2.إمتحان التطهير
بداية، من حق مجلس الشعب القادم، بل من واجبه، أن يوقف العمل بقانون الطوارئ من دون أي إبطاء. ويتصل بذلك الضغط على السلطة التنفيذية لإلغاء كل الإجراءات الاستثنائية التي إتخذها المجلس العسكري في هذا الصدد، مثل إطلاق سراح جميع المعتقلين والمنع البات لمحاكمة أي مدني أمام غير القاضي الطبيعي تمهديدا لإلغاء جميع اشكال القضاء الاستثنائي من النظام القضائي لمصر بعد الثورة.
ونضع في مقام التطهر من آثام الحكم السابق على انعقاد مجلس الشعب الأول بعد الثورة، مهمة الوفاء التام والعاجل بحقوق أسر شهداء الثورة ومصابيها بما يحقق لهم الكرامة والفخار بتضحياتهم، فلولا تضحياتهم هم ماانعقد هذا المجلس أبدا.
ولن يتم تطهير البلاد من جرائر النظام الساقط إلا بالإصلاح الجذري لمنظومة الأمن، عقيدة وتنظيما، بحيث تعود، حسب نص الدستور، هيئة مدنية غايتها حماية أمن المواطنين واحترام حقوقهم. وإلى أن يحدث ذلك، فلن يعود الأمن لمصر إلا إذا أصبحت أجهزة الأمن، المدنية والعسكرية، تحمي التظاهرات السلمية، وتضمن سلامة المتظاهرين، وليس فقط المباني، وإن فشلوا حتى في ذلك وأحرق المجمع العلمي تحت أعينهم وفي وجود القوات المسلحة الخاصة!
ويتعين ألا ينسى الفائزون أن أهوال الفساد الفاجر التي قام عليها الحكم التسلطي والذي اندلعت ثورة الفل لإسقاطه، مابرحت تتكشف. ويقيني أن لن تتكشف بالكامل إلا بعد قيام الحكم الديمقراطي الصالح، وخصوصا تكريس حرية تداول المعلومات والاستقلال التام للقضاء. ولكن السلطة الانتقالية التي قامت بعد إسقاط الطاغية المخلوع، أي المجلس الأعلى للقوات المسلحة وحكوماته الذلول المتعاقبة، قد تقاعست بتعمد مريب عن كشف سوءات النظام الساقط في جرائم قتل المتظاهرين سلميا وإصابتهم بدناءة منقطعة النظير، وفي جرائم الإفساد السياسي والفساد المالي الفاجر، ما يشي بأن بعضا منه ما زال قائما ومحميِّا، إن لم يكن مسيطرا، ولولا جهود بعض المواطنين المخلصين لظل ما تكشّف حتى الآن طي التستر والكتمان.
وإمتنعت السلطة الانتقالية كذلك عن مساءلة مجرمي النظام الساقط عن الإفساد السياسي المعروف للكافة وتثاقلت عن مساءلتهم جديا عن قتل المتظاهرين السلميين وحتى عن الفساد المالي بما قد ييسر لهم في نهاية المطاف الإفلات من العقاب على ما اقترفوا من آثام في حق البلد والشعب. كل هذا الامتناع عن كشف الفساد وعقابه يشي بأن السلطة الانتقالية كانت ضالعة فيه قبل الثورة، وربما بعدها، ولهذا يحرصون على "خروج آمن"، يروِّج له بعض ضعاف النفوس، تماما كما كان الحال في نهايات عصر الطاغية المخلوع.
ولكننا ننزه نواب الشعب عن هذا السلوك المعيب، وجلُّهم من التيارات الإسلامية الفائزة كانوا بين من سامهم النظام الساقط بئس الملاحقة وأقذر صنوف التنكيل والعذاب. ويقيني أن الشعب إختارهم ليمثلوه أملا في أن قربهم من صحيح الإسلام سيمكنهم من أن يقتصوا لهم من المفسدين في الأرض الذين لعنهم الله في كل كتاب.
ومن ثم، فإن مدى النجاح في تطهير البلاد من خطايا الفساد والإفساد قبل الثورة وبعدها سيكون أحد الأسئلة الصعبة التي يوجهها الشعب، في إمتحان التطهير، للفائزين في انتخابات مجلس الشعب القادم، لا سيما الإسلاميين منهم.

(2)
3.إمتحان البناء لنيل غايات الثورة
والقصد هنا هو العمل على إقامة البنى القانونية والمؤسسية الكفيلة بنيل غايات ثورة الفل في الحرية والعدل والكرامة الإنسانية للجميع على أرض مصر.
ويأتي على رأس مهام الإصلاح المطلوب تأسيس الحكم الديمقراطي الصالح وما يتطلبه من بنية قانونية في قمتها الدستور والقوانين المكملة له لتنظيم الحكم الديمقراطي الصالح.
والمرجو أن يجري وضع الدستور، تاج القوانين، بأوسع توافق شعبي ممكن حتى يتوافر للدستور الجديد شرط القبول الشعبي والإلتزام المجتمعي.
وعلى الفائزين أن يعلموا أن الانتقاص من الوفاء بالحقوق، للإنسان أو المواطن، يدل على افتقار المجتمع للعدل، خاصة إن كان الوفاء بالحقوق يتفاوت حسب معايير الجنس والمعتقد والموقع الاجتماعي، حيث عادة يعاني المستضعفون درجة أعلى من الحرمان من الحقوق.
ولهذا فمن الضروري أن ينص الدستور الجديد على ضمان تمتع الإنسان بجميع حقوق المقررة في منظومة حقوق الإنسان، لمجرد كونه إنسانا. وهي حقوق غير قابلة للتجزئة ومستحقة لجميع البشر من دون أي تمييز (وتضم حقوقا اجتماعية واقتصادية وثقافية، إضافة إلى الحقوق المدنية والسياسية). ويأتي على رأس الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: التمتع بالصحة، بالمعنى الإيجابي الشامل (أي حالة من تمام العافية جسدا ونفسا وتتضمن الحق في تغذية سليمة والحق في الرعاية الصحية الجيدة وفي التمتع ببيئة صحية)، والحق في اكتساب المعرفة طوال الحياة (من خلال التعليم والتدريب ووسائل الإعلام الحر، الحق في الحصول على المعلومات، فقد أصحت المعرفة معيار القيمة في العصر الحالي وباتت قيمة الفرد فيما يمتلك من معرفة، وقيمة المجتمع فيما ينتج من معرفة)؛ وفي فرص العمل الجيد (المحقق للذات والمدر لكسب يكفي للوفاء بالاحتياجات على مستوى معيشي كريم)؛ وفي السكن الآدمي المناسب الذي يضمن الصحة والكرامة؛ وفي الضمان الاجتماعي الذي يكفل العيش الكريم في حالات العجز والشيخوخة المانعة من العمل.
كما يتعين كذلك أن ينص الدستور على تمتع المواطن بجميع الحقوق المدنية والسياسية المقررة في منظومة حقوق الإنسان، لمجرد كونه مواطنا. وهي الأخري غير قابلة للتجزئة ومستحقة لجميع المواطنين من دون أي تمييز أي بغض النظر عن الجنس أو اللون أو المعقد أو الموقع الاجتماعي. وبديهي أن للمواطنين جميعا التمتع بحقوق الإنسان كافة، لمجرد كونهم بشرا.
ويأتي على رأس حقوق المواطنة التمتع بالحريات المفتاح الثلاث: الرأي والتعبير والتنظيم (التجمع السلمي وإنشاء المنظمات في المجتمعين المدني والسياسي) وحقوق المشاركة السياسية (الترشح، والانتخاب)، في انتخابات حرة ونزيهة. وقيمة منظومة الحقوق المدنية والسياسية هذه هي ضمان التداول السلمي للسلطة، ومن ثم إطراد الحكم الديمقراطي الصالح.
ولعل القارئ يتحقق من أن ضمان هذه الحقوق من دون أي تمييز يحقق غايات الثورة كاملة تقريبا.
ويسهم في العمل على ضمان هذه الحقوق تأسيس نسق وطني النزاهة للوقاية من الفساد قبل وقوعه، ومن ثم تفادي وجوب الكشف عنه والعقاب عليه إن وقع، وهي مهمة صعبة غن لم تكن مستحيلة كما تدل الخبرة منذ قيام الثورة. ويقوم هذا النسق على الشفافية والإفصاح، وعلى المساءلة الجادة من قبل القضاء النزيه والمستقل، ومجلس الشعب المنتخب، على كل أعمال الدولة وكل من يتصدى للمسئولية العامة.
وفي ظل النظام الساقط تسبب تحالف الاستبداد والرأسمالية التجارية البربرية، المنفلتة والاحتكارية، في دوام التخلف لإنتاجي وتدني الإنتاجية، ناهيك عن استشراء البطالة والفقر والحرمان من الحريات الأساسية، كما أتاح هذا التحالف مرتعا للفساد الفاجر ولإهدار المال العام. مثل هذا التحالف الآثم لابد يحابي الأغنياء والأقوياء ويعاقب الفقراء والضعفاء. وتكون النتيجة اشتداد حدة الاستقطاب المجتمعي بين قلة قليلة تحظى بالنصيب الأكبر من السلطة والثروة، وغالبية ضخمة مهمشَّة ومفقَرة. وقد ساهم سوء حكم السلطة الانتقالية بعد قيام الثورة في تفاقم هذه السوءات.
ولذلك فلن تتحقق غايات الثورة ما استمر الاقتصاد السياسي لنظام الحكم الساقط. ومن أسف أن ما توافر من برامج وتصريحات قيادات الأحزاب الإسلامية لم يقطع مع نمط التنظيم الاقتصادي للنظام الساقط، بل أبدي بعضهم إعجابا به، لمجرد تمجيده للملكية الخاصة. ما يدل على أن نمط الاقتصاد القادم سيبقى استمرارا لنسق الرأسمالية الاحتكارية المنفلتة، ربما مع تغيير بعض الواجهات، كأن يصبح كبار المحتكرين من أصحاب اللحى الكثة بدلا من خريجي الجامعات الأمريكية، وتتكرر، من ثم جرائم النظام الساقط في نشر البطالة والفقر والتفاوت الاجتماعي الحاد، أو تتفاقم.
وعلى النقيض، فإن نمط التنمية التي تقضي على الفشل التنموي الحاد الذي خلّفه نظام الحكم التسلطي، من خلال تحالف الاستبداد مع الرأسمالية البربرية، وتبعاته، وأحد مقوماتها هو الحكم الديمقراطي الصالح الحامي للحرية، هو التنمية التي تضمن العزة والمنعة للبلد وتصون الكرامة الإنسانية لأهله جميعا. لذلك من الضروري أن يؤسس الدستور القادم لتنمية تقيم بنية إنتاجية قوية وتضمن زيادة الإنتاجية باطراد مما يفضي إلى قوة الوطن.
وعلى مستوى المواطنين، لابد أن يضمن البناء القانوني والمؤسسي الجديد متطلبات تنمية إنسانية تقضي على أدواء الفشل التنموي الراهن من بطالة وفقر وانتفاء العدالة في توزيع الدخل والثروة، ومن مهانة الإنسان التي تتبدى في أطفال ومواليد شوارع، وفي كبار سن ومعاقين يتسولون لسد الرمق في ظروف تحط بالكرامة الإنسانية. باختصار التاسيس لتنمية تضمن حق جميع البشر في العيش الكريم والكرامة الإنسانية.
ولن تقوم هذه التنمية بداية إلا إذا أصبح الاقتصاد، كما الحكم، خاضعا لمحاسبة فعالة من عموم الناس على مدى وفائه بحاجتهم إلى العزة والكرامة، ولن يحدث ذلك أبدا إلا في نظام حكم ديمقراطي صالح تكون المساءلة الفعالة للحكام والمسئولين أحد أهم مكوناته.
وهكذا لن تقوم مثل هذه التنمية الإنسانية إلا بالقضاء على تحالف الاستبداد والرأسمالية الاحتكارية المنفلتة، سبب الفشل التنموي الراهن. ولذلك فبالإضافة لقيام حكم ديمقراطي صالح يتعين ترشيد التنظيم الاقتصادي للمجتمع بعيدا عن نمط الرأسمالية الاحتكارية المنفلتة لضمان الكفاءة الاقتصادية والعدالة الاجتماعية كليهما. جماع القول أن مثل هذه التنمية الإنسانية لن تتحقق إلا بإحلال التحالف الخيِّر بين الحكم الديمقراطي الصالح والتنظيم الاقتصادي، الكفء والعادل، محل التحالف الخبيث بين الاستبداد والرأسمالية البربرية والاحتكارية المنفلتة، المؤسس للتخلف والظلم.
باختصار، يتطلب تحقيق تلك الغايات إقامة نمط من الاقتصاد السياسي المنتج والمحقق للكفاءة الإنتاجية والعدالة الاجتماعية في الوقت نفسه، ويتعين أن ييسر الدستور والقوانين المكملة له قيام هذا النمط من التنمية.
ولا مناص من أن تقوم هذا الاقتصاد السياسي على الاعتماد على الذات من دون أن يعني ذلك الانقطاع عن باقي العالم. وأهم مظاهر الاعتماد على الذات هو الامتناع عن الاستجداء من الخارج، من الغرب أو العرب، والتقليل من الاستدانة قدر الطاقة. فالأصل هنا هو القضاء على جميع أشكال الفساد المهدرة للموارد والطاقات، وترشيد الإنفاق العام التبذيري والتفاخري المستشري، وكثير من إنفاق السلطة في مصر سفيه، خاصة في ظروف الضائقة الاقتصادية. ومن لا يرشد إنفاقه ويبذر موارده المحدودة لا يحق له طلب العون، ولا يستحقه.
ولكن صياغة دستور مثالي لا يكفي. فلا بد من وجود الحكومة التي تنفذ محتوى الدستور، ومن ثم تكفل نيل غايات الثورة، بكفاءة وفي أسرع وقت، وضمان ذلك الإنجاز بالرقابة الفعالة والمساءلة الجادة للحكومة، من قبل مجلس الشعب، وهي مهمة الأساسية الثانية بعد التشريع.
ولعل هذا هو الامتحان الأهم والأقسي الذي سيخضع له الشعب المجلس التشريعي القادم ونتمنى أن يجتازه المجلس بجدارة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.