خمس عشرة شخصية مصرية أعلنوا عن نيتهم الترشح لسباق انتخابات رئيس الجمهورية قبل منتصف العام الحالي؛ إن صدقت وعود المجلس العسكري، واليوم صباحا؛ حين بدأت كتابة هذا المقال؛ أعلن أبرزهم الدكتور محمد البرادعي عن قراره بالانسحاب من (السباق) لأسبابه التي اعتبرها مؤيدوه أسبابا وجيهة، تبرر قرارا خطيرا مثل هذا القرار في هذا التوقيت في أحوال بلادنا الراهنة... ورغم انسحاب الدكتور البرادعي، ورغم وجاهة أسبابه التي أعلنها، قررت الاستمرار في الكتابة لأنني؛ لا أكتمكم سرا؛ لا أتوقع أن نصل في مصر إلى مرحلة انتخاب رئيس للجمهورية في الفترة الزمنية المحددة؛ أي في خمسة الأشهر المتبقية، لماذا ؟ ربما تكون هذه الأسباب موضوع مقال آخر، ولكني سأسرد عليك عزيزي القارئ تفاصيل الحلم الذي يراودني هذه الأيام.. حلُمت.. خير اللهم اجعله خير؛ أن رئيس مصر يركب معنا المترو، وينزل في محطة دار السلام، ويغوص في زحام الشارع الضيق بين الباعة والمشاة، ويقف ليشرب كوبا من عصير القصب، ثم يشتري رصيدا للموبايل بخمسة جنيهات، ثم يرسل رسالة إلى صديقه: كلمني من فضلك، ثم يرد على صديقه يرجوه أن يؤجل موعد قسط الثلاجة التي اشتراها منذ شهرين لإن معهوش فلوس الشهر ده ! حلمت.. خير اللهم اجعله خير؛ أن رئيس مصر يركب الميكروباص مع الناس، وينتظر الباقي ربع جنيه زي الناس، ويقف أمام عربة كارو يبيع صاحبها البرتقال واليوسفي، فيزن له كيلو وكيلو، ويفاصل في السعر حتى ينصرف حاملا كيسين، سعيدا أن غلب البائع في نص جنيه ! حلمت.. خير اللهم اجعله خير؛ أن رئيس مصر يمشي – كالأنبياء – في الأسواق، ويتزاحم عليه الناس يسألونه مصالحهم ويناقشونه في أوضاعهم ومعاناتهم من منطلق أنها هي ذاتها معاناته ومعاناة أبنائه وأسرته ! حلمت.. خير اللهم اجعله خير؛ أن رئيس مصر يمشي في الشارع دون موكب جرار، ودون حراسة من وحوش القوات الخاصة، ودون تعطيل لمصالح الناس، ويقود سيارته النصر 128 بنفسه ليركنها أمام العمارة التي يستأجر فيها شقة، حلمت.. خير اللهم اجعله خير؛ أن رئيس مصر يتحدث مع الناس حديث كل يوم، ولا حاجز يفصل بينه وبينهم دون قوادين ومتسلقين ومقدِّسين ومادحين له ولذاته ولكلماته ولخطاباته. حلمت.. خير اللهم اجعله خير؛ أن رئيس مصر يرفض تلقي العمولات والرِشى والسمسرة في صفقات السلاح، ويضمها إن عُرضت عليه إلى ميزانية الدولة، وأن ذمته المالية واضحة شفافة أمام كل جهات الرقابة وليست سرا عسكريا ! حلمت.. خير اللهم اجعله خير؛ أن رئيس مصر ينتظر معنا آخر الشهر ليقبض مرتبه الشهري المعروف للكافة، ويضم ما قبضه إلى ما قبضته زوجته، ويجلسان معا يرتبان مصروف البيت والأولاد والمدارس والدروس والعلاج والمواصلات واحتمالات التصييف ! حلمت.. خير اللهم اجعله خير؛ أن رئيس مصر لا يمتلك قصورا أو فنادق في هذا البلد أو ذاك، ولا تتضخم حساباته في بنوك سويسرا أو الشرق الأقصى، ولا يغسل هو وأسرته إلا ملابسهم، ولا يمتلك ابنه أسهما أو شركات، ولا يستولي على أراضي الدولة ومصانعها، أو تستولي زوجته على حسابات مكتباتها ! حلمت.. خير اللهم اجعله خير؛ أن رئيس مصر لا يتمتع بأي حصانة من المساءلة، ويحمل هم الضرائب ويدفعها، ويؤدي أبناؤه الخدمة العسكرية مثلنا؛ يلبسون البيادة ويذوقون لذة خدمة بلدهم في صفوف الجيش دون واسطة أو محسوبية أو إعفاء من الخدمة عشان الفلات فوت ! حلمت.. خير اللهم اجعله خير؛ أن رئيس مصر لا يعيش في برجه العاجي منعزلا عن شعبها، ورأيته يأكل طعامهم ويشرب ماءهم ويعيش معاناتهم، ويحل مشكلاتهم ويخلص في خدمتهم ويتفانى في عمله من أجلهم .. فإن شعر أنه لا يستطيع تقديم ما يطلبون منه لهم؛ تخلى عن منصبه فورا ليعود إلى وظيفته الأصلية قبل أن يُنتخب ! ألا ترى عزيزي أن أحلامي كلها مشروعة ؟ هل تراها أضغاث أحلام أو كوابيس ؟ سيدي القارئ.. رؤساؤنا المتعاقبون قرروا بعد أن اعتلوا كرسي الحكم أن يجعلوه عرشا، ولما سمعوا مرة أن الأنبياء والرسل كانوا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق؛ وضعوا أنفسهم في مصاف الآلهة، والآلهة لا يأكلون طعام الناس ولا يمشون في الأسواق، ولما كانوا جميعهم قد أتوا؛ دون استثناء؛ إلى سدة السلطة رغم أنف الشعوب وضد إرادتها عبر أقنية القِوادة والتزوير، وبالتعامل المباشر مع أجهزة مخابرات الدول الأقوى؛ فقد أصبحوا عبيدا لمن أوصلهم إلى مناصبهم وصعّدوهم وسطّعوا نجومهم، وأركبوهم على رقابنا يسوقوننا كيف شاءت تلك الأجهزة لأمورنا أن تسير. أؤكد لك عزيزي أنني لم أكن مكشوفا حين راودتني هذه الأحلام، ولم آكل وجبة سمينة قبل النوم لتقول إنها كوابيس، فأنا لا أشك لحظة أنها راودتك أنت أيضا ! إسلمي يا مصر. وراع صاحب كسرى أن رأى “عُمرا” بين الرعية عطلا وهو راعيها وعهده بملوك الفرس أن لها سورا من الجند والأحراس يحميها رآه مستغرقا في نومه فرأى فيه الجلالة في أسمى معانيها فوق الثرى تحت ظل الروح مشتملا ببردة كاد طول العهد يبليها فهان في عينيه ما كان يكبره من الأكاسر والدنيا بأيديها وقال قولة حق أصبحت مثلا وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها أمنت لما أقمت العدل بينهم فنمت نوم قرير العين هانيها