هذا المقال إهداء إلي ضحايا التعليم الحكومي وجحافل الصراع الطبقي من الأجيال التي أكلتها «الأبلة والأستاذ» وأسوار الهروب الكبير. فبعد القرار الوزاري العنتيل الصاعد من الشمخ الجواني بإلزام المدارس الأجنبية بالنشيد الوطني وتحيا مصر.. أبشر تلك الجحافل أن شبيبة «المستر والمس والباص المكيف» في طريقهم للضياااااااع. فمع النشيد والتحية كانت لي دروس وعبر.. تمثل أولها في مدرستي الابتدائي الفترتين.. حينما قفشت كل فترة ع التانية.. وأصر الأستاذ التطاوي ناظر المدرسة علي الاستقلال التام مع الحزق الزؤوام لفترة مدرسته أو مدرسة فترته.. فكان أن أصدر فرمانه بتفصيل علم جديد يرفع صبيحة كل يوم لتؤدي له التحية ثم ينكس بعد الطابور وش.. ويعاد لعهدة الأمانات.. غير عابئ بالدمار النفسي والارتباك الوطني اللي كان بيضرب ف معاميع كل تلموذ غض غرير من أمثالنا لما نشوف علم مصر بيترفع كل يوم خمس دقايق ويرجع يدلدل تاني.. بل وأحيانا كانت تاخده الجلالة صارخا في ميكروفون الإذاعة المدرسية ليسمع الأستاذ فؤاد وكيل الفترة التانية اللي كان ساكن قصاد المدرسة رفضه لأي محاولات للصلح.. حازقاً حزقه الزؤوامي بقوله «ده بتاعنا احنا.. يبقوا يروحوا يفصلولهم واحد.. نزل العلم يا وله»!.. لينزل العلم ولتسري داخلي أسئلة حول الخلاف وضرورته والغباوة والعناد وأهميتهما. ثم انتقلت إلي المدرسة الإعدادية.. ودروس الزوغان والهرب من المسئولية حيث تحية العلم تضمن لك ذلك بطريقتين.. إما أن تشترك في الشرطة المدرسية وإما مارش المزيكا الصباحي.. فتضيع أول نص ساعة من الحصة الأولي وتنجو من اختيار الكشف العشوائي للامتحان الشفهي اللي كان بيجيب وجع البطون. و لما كان العبد لله مقفع ونحيف وجلد علي عضم فقد فشلت في اجتياز كشف الهيئة للشرطة المكون من أبلة عفاف بتاعة الألعاب والأستاذ صلاح مش فاكر بتاع إيه وبقيادة الجنرال خليفة وكيل المدرسة الذي أشار ناحيتي بسبابته الغليظة المشعرة وقال.. «لا..لا.. ده شكله يغم».. فكان أن كرهت الشرطة وصرت تلميذاً إكسلفونياً ضليعاً.. أجيد اللعب علي الإكسلفون في جوقة المزيكا وأجيد الزوغان من الحصة الأولي بحجة مهمتي الوطنية الجليلة في تسيير طابور الصباح وتحية العلم. ثم انتقلت إلي الثانوية وأعظم دروس النفاق والتزلف وأداء الرشوة علي أكمل وجه. ففي المدرسة الثانوية ازدادت الأعداد واتسعت الأرجاء والطموحات.. ولم تعد لعبة العلم والتحية والإكسلفون تلك تنطلي علي أحد.. حيث الأستاذ تودري الآلاتي قائد أوركسترا المدرسة الفيلهارموني الذي يعاينك من فوق لتحت بعدما أخبرته بأنك حريف إكسلفون.. فيردف بسفالة أصيلة.. «اكسلفون.... ده عندها يا له.. هعهعهعهعهع....» ولم يكن من الصعب إدراك الهاء دي عايدة علي مين.. إنما الصعب كان التكيف مع الواقع الجديد.. العرض اكتر م الطلب.. وخمسمية طالب عايزين يرشقوا ف الأوركسترا ضماناً للزوغان م الحصة الأولي.. إضافة لأهداف أخري تطورت مع المرحلة من عبور السور للخارج لزوم الفطار والسجاير وحريم تجاري.. فكانت الرشوة.. والحق يقال.. كان تودري ابن حلال وبيرضي بقليله.. ساندوتشين طعمية يوماتي من كانتين أم سوسن.. مع سمسون نميس كل خميس وتقيد اسمك.. ثم تلي ذلك النفاق الممنهج بدرجاته بدءا من الضحك علي إفيهاته الجنسية السمجة - ياريتها حتي كانت حلوة - وصولاً إلي التصديق علي ادعائه الشهير من أن أغنية هاني شاكر ومحمد ثروت «إن كان ع القلب مافيش غيرك....» هي من بنات أفكار ألحانه.. ومدللا علي ذلك أن قميص شاكر الفوسكوز اللي طلع بيه ف الكليب، ادهوله ومضاله عليه.. ووافقنا وأيدنا وبايعنا.. بل إن أحدنا ذهب لأبعد من ذلك من أن شاكر وثروت اتخانقوا سوا علي مين يدي قميصه للموسيقار تودري والحكاية اتكتبت في أخبار النجوم! تلك كانت بعض الموبقات التي ارتكبت باسم العلم في تلك الأيام الخوالي.. بدل ما كنا نتعلم الوطنية والمسئولية والالتزام.. فيا سيادة الوزير سيبهم ف حالهم..يغنوا ما يغنوش مش قضية.. كفاية البلد كلها بتغني علي بعض.. واستبدل قراراتك وأفكارك عن العلم والتحية والخرزانة بقرار أسهل من كده ميت مرة.. وهو أن وزير التعليم يأمر بالتعليم.. بس.. سهلة.. فهل تعتبر وتتعظ إدارات المدارس الأجنبية حرصاً علي سلامة أبنائها وتزعل الوزير.. أم يغني الجميع بلادي بلادي أو حتي «my country..my country» لكي حبي وماي هارتي.. ويفتحون باباً للفساد بالبحث عن سكة التودري؟