إلى وقت قريب كان تصفح العوالم الإفتراضية لمجرد اللعب والتسلية، لكن المدهش هو أن هذه العوالم تسيطر يومًا بعد يوم على حياة الناس، بتحولها إلى أداة أساسية في حياتهم، لينتقل الإنسان من الفعل في عالم الواقع إلى الفعل في العالم الإفتراضي، لكن كيف يحدث ذلك؟ تخيل نفسك في بلد أجنبية، وبدلاً من تصفح دليل سفر أو خريطة، تضع نظارة أنيقة! لتتجول من خلالها في المدينة، حيث تتحول العدسات إلى شاشات شبه شفافة، تغذي عينيك عن المباني والشوارع المحيطة بك، وربما تعطيك اتجاهات الوصول إلى متجر عطور، أو أقرب مكان لشراء وجبة غداء سريعة. يقول المختصين في العوالم الإفتراضية التي سنسميها هنا الحياة الثانية، إن العوالم الإفتراضية أنه تم ابتكار عالم النظارات الجديد لتعزيز التفاعل مع العالم الواقعي، فيمكن استخدامها لتحديد أماكن الأشياء وتقديم بيانات وإرشادات مفيدة حول ما يراه الإنسان من خلالها، وتستخدم تلك النظارات حاليًا في زيادة بصغر الأشخاص الذي يعانون من مرض قصور الرؤية عن طريق تركيب رسم تخطيطي لتوسيع مجال الرؤية لما يراه المرء، هذا النوع من التكنولوجيا الرقمية يتطور سريعًا حاليًا لتقديم فلتر رقمي للحياة الحقيقة عن طريق رسم كساء رقمي سحري للعالم الواقعي. لذا فإن إنسان المستقبل سيسكن عالم الخيال، فيحصل على الحياة الثانية، التي يؤمن بها الآن عدد قليل من الناس، فهذه الحياة الثانية تسبب لهم حالة من الارتباك مع الواقع، يقول دانيال ترديمان مؤلف كتاب "الدليل إلى الحياة الثانية" إن 9 من 10 أشخاص لا يكملون تجربة العالم الإفتراضي بعد الاشتراك بها لعدم قدرتهم على استيعاب الفكرة. وإذا اعتقد البعض أن فكرة النظارات هي فكرة مستقبلية، فيمكن مراجعة النسخ المأخوذة عن العالم الحقيقي والموجودة على شبكة الإنترنت، ويعد عرض شوارع جوجل “Google Street View” أفضل أمثلتها، طورت جوجل أيضًا برنامج يتكون من ملايين الصور البانورامية التي أخذت في 9 مدن أمريكية، تتيح للفرد أن يسير داخل صورة شبه واقعية ثلاثية الأبعاد لكل مدينة، بدلاً من مجرد مشاهدتها مثلما يتم من خلال برنامج جوجل الأرضي Google Earth، كما قامت مايكروسوفت أيضًا بتحديث برنامج مشابه هو Virtual Earth 3D. تستخدم هذه العوالم الإفتراضية حاليًا في أغراض عادية مثل تحديد اتجاهات القيادة، ومتابعة أنشطة الجيران ومشاهدة بعض المعالم قبل زيارتها، تلك المدن الرقمية سيطرأ عليها تغيير في المستقبل بحيث تسمح لقرناء مماثلين لنا في التجول عبر هذا العالم الإفتراضي، هذا ما يراه ستيفن شاو أحد مبرمجي Street View. اليوم أيضًا من خلال الخرائط على الموبايل (المحمول) يمكنك تحميل الخرائط للاسترشاد بها، لكن مستقبلاً سوف تصبح هذه الخرائط ذات مستوى خدمات أعلى، حيث ستقدم لك الطقس، وأحدث أخبار البلد الذي أنت فيه، كما سترشدك للطريق للوصول لمنزلك في ظل الضباب الكثيف. ميكل مارون أحد المبرمجين الإنجليز المهرة، يتخيل الآن المستقبل عبر مجسات ترصد كل شيء من مستويات التلوث إلى نسبة الإزدحام في الشوارع عبر برنامج Geoxss سيل من البيانات سيرسل إليك، وسيتمكن المشتركين في هذه الخدمة من ربط هذه المعلومات بالنظارات المبرمجة أو بعالم Google Street View للحصول على صور ومعلومات فورية في أي مكان بالعالم، هل سيساهم هذا في ربط العالم الإفتراضي بالواقع بحيث يعيش الناس في عوالمهم الإفتراضية، وهم يتعاملون مع العالم الواقعي سؤال يطرحه المبرمجون الآن؟ هناك تطورات ستلاقي اهتمام من يفضل العيش في العالم الإفتراضي، فبعض الشركات ترفض إنشاء مكاتبها أو متاجرها في "الحياة الثانية" لأنها تعتقد أنها غير آمنة، ليس لاحتمال انتحال صفتها، بل لأن تكنولوجيا الحياة الثانية لا تتميز بأمن كاف لتأمين المعاملات المالية أو استضافة اجتماعات العمل بمناقشاتها الحادة والخاصة أيضًا. هذه المخاوف هي السبب وراء قيام شركة Multiverse بإنشاء برامج تتيح للأفراد والشركات والمؤسسات بناء عوالم افتراضية خاصة بهم، الأمر الذي لا يعني قدرة الأفراد على إضافة لمساتهم الخاصة على عوالمهم فقط، بل أيضًا بناء مستويات مختلفة من الحماية حسب رغبتهم، فقد يختار أحد البنوك مثلاً أقصى درجات الأمن ليضمن للمشتركين أن الشخص الذي يساعدهم في الحصول على قرض على سبيل المثال ليس لصًا. تتيح الشركة للأفراد من خلال متصفح العوالم الإفتراضية التنقل بين العوالم المختلفة، ويعني ذلك إمكانية دخول بنك إفتراضي وإيداع شيك، ثم الانتقال لعالم آخر لمشاهدة الأفلام أو التسوق، وهناك حوالي 200 عالم افتراضي يتم بناءه حاليًا، تلك البرامج مجانية، ولكن الشركات التي تطلقها ستجني أرباح طائلة من خلال اتباع نموذج عمل موقع Ebay "ايباي" وهو الحصول على 10% من قيمة كل معاملة تجارية تتم من خلال شبكة عوالمها. يعني التصور السابق وجود شركة تستضيف الأعمال والمبادلات التجارية وغيرها مما يجري في عالم المال والتسوق، أما بالنسبة للشركات التي تريد الخصوصية التامة مثل الذين يقومون بتطوير برامج جديدة، فيقومون ببناء عوالمهم الخاصة التي تتمتع بخصوصية تتطابق مع تلك الموجودة في المباني التي يعمل بها موظفيها. انطلاقًا من هذا المبدأ تعمل نيكول فيتش في معامل Sun Microsystems على بناء المكتب الإفتراضي Mpk، في هذا العالم يستطيع الأفراد الذين يعملون بعيدًا عن بعضهم البعض ان يقيموا الاجتماعات ويتناقشوا دون القلق مثلاً من أن تسرق الشركة المنافسة أفكارهم، ويعمل حاليًا ما يزيد عن نصف موظفي Sun Microsystems عن بعد، حيث يتمكنون من فتح شاشة في حائط قاعة الاجتماعات أو في المكتب ليعملوا سويًا على إعداد تقرير أو تعديل مشروع. هكذا لم تعد العوالم الإفتراضية مجرد لعبة، فهل تسرقنا من العالم الواقعي لتصبح هي الواقع؟!