سارت قوافل في ظلال رياح ربيعية.. ثارت على قادة استبدوا بحكمها... فصارت عنوانا لثورات عربية افترقت بها الطرق بين تونسية ماضية بعزم ومصرية متخبطة، وليبية أحاطت بها أيادي الغرب، وسورية غارقة في دمائها.. ويمينة يلتف المستبد حولها. لم تكن عملية استبدال شعار «الشعب يريد إسقاط النظام» ب«الشعب يريد إسقاط الرئيس» في اليمن مجرد تغيير شعارت، بل كانت إيذاناً بإختزال نظام كامل في شخص الرئيس علي عبد الله صالح الذي خرج من باب الرئاسة رسمياً، ليتوارى خلف الستار «شرفياً» ويباشر عملية إجهاض الثورة برعاية سعودية أمريكية مثلما وصفه في حواره مع «الدستور الأصلي» القيادي بالثورة اليمنية المحامي خالد الأنسي أو “واحد من الناس” كما يدعو نفسه. الأنسي كان شريك الناشطة توكل كرمان ومجموعة من الناشطين في قيادة ثورة اليمن من ساحة الحرية بصنعاء التي شهدت على احتجاجاتهم منذ عام 2007 إلى أن امتلأت بحشود مليونية في يناير 2011. ساحة الحرية .. من المطالب الحقوقية إلى المطالبة بإسقاط النظام في السادس عشر من يناير، كانت الإنطلاقة لأول مظاهرة من أمام جامعة صنعاء ضمت عدداً محدوداً من الناس نادوا بشعار «جنوني» مؤكدين مثل أقرانهم بتونس «الشعب يريد إسقاط النظام» لتواجه المظاهرة بالقمع، ويتم اعتقال توكل كرمان ثم خالد الأنسي في 23 يناير اللذين أسسا ومجموعة من الناشطين ما يعرف بساحة الحرية بالعاصمة اليمنية في عام 2007 أمام مجلس الوزراء، لتكون ساحة لتنظيم الاحتجاجات والاعتصامات مع كل اجتماع للمجلس وعنها يتذكر الأنسي فيقول «هذه الساحة التي شهدت من قبل تجمع عدد قليل اتهمهم البعض بالجنون أو شعر بالأسى لحالهم، أقسمت فيها قسم عظيم أن يأتي يوم تمتلىء به حتى تضيق بمن فيها وتتحول اليمن كلها لساحات الحرية لتذكرني توكل كرمان رفيقة النضال وتقول لي، لقد أراد الله أن يحقق ما أقسمت عليه». المؤامرة الخليجية أفرزت حكومة النفاق الوطني بينما تمضي خطوات المبادرة الخليجية على قدم وساق، يستمر ثوار اليمن في إعلان رفضهم لحكومة الوفاق الوطني مصرين على محاكمة صالح ونظامه. في حواره مع «الدستور الأصلي»، يرى خالد الأنسي أن المبادرة لم تكن سوى «مؤامرة خليجية» قامت بها واشنطن ودفعت كلفتها السعودية فأفرزت مولوداً مشوهاً تمثل في حكومة «نفاق وطني» -على حد قوله- جمعت فريقين لا يرغب أي منهما في الآخر بل ضمت شخصيات قادت بالفعل ميليشيات قتلت الثوار وهو ما علق عليه الآنسي قائلاً «نصف حكومة أي نصف ثورة ونحن لا نقبل بمشاركة قتلة الثوار لذلك نطالب الشخصيات الوطنية المعارضة التي قبلت المشاركة في الحكومة بالإستقالة وحسم أمرها، لأن قبولها المشاركة يجعلها جزءاً من النظام الذي خرجنا لإسقاطه». يوضح القيادي اليمني، أن مبررات المعارضة لقبول المبادرة الخليجية وبنودها تمثلت في حقن دماء اليمنيين وهو ما لم يحدث بل على العكس زادت وتيرة القتل منذ توقيع المبادرة. صالح إنتهى سياسياً وقوته تأتي من ضعف خصومه «لم تكن معركتنا ضد صالح ولم نخرج لإسقاط صنم وصناعة صنم آخر، فقد خرجنا ضد نظام بأكمله واختصمنا الأخطاء وليس الأشخاص.. فثورتنا ضد تعامل النظام المستبد معنا وضد سكوتنا وقبولنا بظلمه وتعاملنا نحن معه». مازال القيادي الثوري يؤكد على نهاية صالح وأن قوته تأتي من ضعف خصومه المتمثلين في قادة المعارضة الخائفين من التغيير والذين ساهموا من حيث لا يدروا بقبولهم المبادرة الخليجية وتبعاتها في تأخير الحسم الثوري وإعطاء الفرصة للنظام في إعادة انتاج نفسه بشكل جديد كما يحدث في مصر. مؤكداً بأن قادة المعارضة ليسوا فرسان هذه المرحلة .. وبقوله «مع احترامي لتاريخهم ونضالهم جميعاً.. فقد فشلوا في إحداث التغيير ولا تستطيع الأيادي المرتعشة أن تجري عملية جراحية هدفها تطهير اليمن وليس إراقة مزيد من الدماء». مضيفاً «لو لم يتم الإلتفاف على الثورة لكان صالح الآن يتبادل الرسائل من غرفته بالسجن المركزي بصنعاء مع مبارك في محبسه بطره». شهدائنا في القبور هم فقط من يملكون قبول التسوية السياسية! خرجت الثورة اليمنية من رحم شعب قبلي تسيطر الأمية على 70% من أبنائه ورغم إمتلاكه 70 مليون قطعة سلاح قبل الثورة ومحاصرته بعادات ترفض ترك الثأر، حافظ الشعب على ثورته سلمية وقابل الرصاص بالورود كما يصفه الأنسي الذي يؤكد أن أشباح الفوضى ومخاوف التمرد في الشمال وتصاعد النبرة الإنفصالية في الجنوب ما هي إلا مشاريع صغيرة صعدت إلى السطح مرة أخرى مع عودة صالح وبقاءه وأبناءه يتلاعبون بمصير البلاد وينهبون ثرواتها متمتعين بحصانة خليجية. فقد اتحد الشعب رغم إختلاف طوائفه في بداية الثورة على مشروع كبير تمثل في حلم إقامة دولة مدنية ديمقراطية واختفت بجانبه الورقة الطائفية باليمن. مؤكداً إن صالح بلغ من الضعف إنه لايستطيع تحريك لواء كامل أو كتيبة من الجيش وما القوات الموالية له سوى مجموعات منتقاه من السفهاء بين صفوف الجيش يلبسهم بثياب مدنية ليقوموا بدور البلطجية بحسب تعبيره مضيفاً «لدينا في الساحات آباء يعمل أبنائهم في قوات الحرس الجمهوري، فهل تتوقعين أن يطلق هؤلاء النار على آبائهم». ثورتنا مستمرة حتى إخراج صالح وأبنائه من قصور الشعب الآن وقد وصلت الثورة لمرحلة مخاض متعثر، يعترف الأنسي أن الثوار لا يملكون التصرف في حق إخوانهم الشهداء فهم فقط من يملكون الحق في التنازل عن الثورة وقبول نصف ثورة وعنهم يقول «لا نستطيع خيانة دماء إخواننا أصحاب الثورة الأصليين». وعن التساؤل الدائم عن الحل البديل للمبادرة الخليجية، يوضح الأنسي أن الثوار منذ البداية قدموا وثيقة تحدد ملامح المرحلة الانتقالية تمثلت في تشكيل مجلس رئاسي انتقالي وبرلمان وطني ومجلس عسكري يوحد قوى الجيش ومجلس قضائي إنتقالي. وقد حدد الثوار أسماء الساسة الذين يتولون مهام المرحلة دون أن يكون بينهم أي من الثوار أنفسهم الذين يهدفون حاليا في ظل استمرار صالح مستتراً في حكم اليمن، كما يقول الأنسي بلسان جميع الثوار «ثورتنا سلمية 100 % ومستمرة حتى إخراج صالح وأبنائه من قصور الشعب».