نظرا لأن رئيس التحرير في إجازة من الكتابة في الطبعة الورقية، فهو يخص موقع "الدستور" بمجموعة مقالات من كتبه المختلفة.. نبدأ في نشرها اليوم بمقال "اعتقوا المستقبل" كلما خطب الرئيس مبارك هذه الأيام تحدث عن المستقبل.. وهى مفارقة غريبة جدًا أن يبدأ الرئيس فى مدته الخامسة وفى عام حكمه التاسع والعشرين وقبيل عيد ميلاده الثانى والثمانين فى الحديث عن المستقبل..! لماذا يصر الرئيس مبارك بعد أن عاش معنا الماضى والحاضر على أن يعيش معنا المستقبل؟.. كفاية عليه وعلينا الماضى والحاضر ما نعتق شوية المستقبل.. ألا يمل الرئيس من شعبه قليلاً.. ألم يزهق مننا شوية؟ ألا يفكر أبدًا فى أن يرتاح من وشوشنا بعدما اطلع فى ملامحنا تسعة وعشرين عامًا كل يوم الصبح.. ألم يصبه أى نوع من السأم من كثرة ما كرر كلامه عنا وفينا ومن فرط التعليمات والتوجيهات التى يقولها منذ تسعة وعشرين عاما؟.. ألم يزهق من المشوار من قصر العروبة لمجلس الشعب.. ألم يفكر أن يعِّزل من القصر ويغير محل الإقامة؟.. معقولة مستحمل يشوف زكريا عزمى كل يوم من أكتر من ربع قرن، وبقاله أكتر من 18سنة بيقابل فتحى سرور.. إلى هذا الحد الرئيس لا يشعر بالرغبة فى التغيير، مثلاً يسيب الحكم ويرتاح ويتفرغ للقراءة إن كان يقرأ، أو مشاهدة التليفزيون أو يأخذ أسرته وأحفاده ويأجزوا بتاع شهرين تلاتة فى أى دولة أوروبية، أو يستمتع بما تبقى له من وقت ويقعد مع رفقاء سلاحه الذين خرجوا على المعاش فى نادى هليوبوليس يتشمسوا ويلعبوا كروكيه ويتبادلوا الذكريات والهموم من تبدل الأيام والأبناء.. ألم يشعر الرئيس بالملل أبدًا من نفس المقالات التى يقرأها من ربع قرن عن عظمته وروعته وقدرته وحكمته وسياسته بنفس الكلام والألفاظ؟.. لماذا لا يضيق صدر الرئيس من قراءة نفس الخطب فى ليلة القدر ومولد النبى وافتتاح الدورة البرلمانية وذكرى حرب أكتوبر وتحرير سيناء وثورة يوليو وعيد العمال و مؤتمر القمة؟.. فالرئيس لا يتوقف عن ترديد كلامه عن عجلة السلام حتى صرنا نحلم بأن تعود هذه العجلة للعجلاتى الذى أجرها لنا.. ألم يزهق الرئيس أبدًا من كلامه عن التنمية تلك التى يبشرنا بها منذ تسعة وعشرين عامًا بينما لم يتم تنمية شيء فى مصر خلال هذه الفترة سوى ثروة المسئولين وأبنائهم؟.. ألم يتوقف مرة الرئيس وشاور نفسه و قال أنا زهقت من الحديث عن البنية الأساسية التى يكفيها فخرًا أن 92 ألف ماسورة مياه ومجارى انفجرت العام الماضى فقط؟.. أبدًا لايزال يتحدث ويكرر كلامه عنها حتى ظننا أن البنية الأسياسية هى التى زهقت، وإذا كان الإصلاح الاقتصادى نفسه شعر بالملل من نفسه ومن الذين يتحدثون عنه حتى أوشك الاقتصاد من عناده أن يحلف بالطلاق إنه عمره ما حينصلح، بينما يحدثنا الرئيس بلا ملل ولا كلل عن الإصلاح الاقتصادى منذ ربع قرن، فلا رأينا إصلاحًا ولا اقتصادًا.. نفس ذات أصل الكلام. سيدى الرئيس إذا لم تكن تشعر بالملل فمصر تشعر!!