عندما يأتي يوم السابع عشر من شهر نوفمبر من كل عام نتذكر جميعنا على الفور المذبحة الشهيرة التي حدثت في معبد الدير البحري بالأقٌصر في مثل هذا اليوم من العام 1997 حين هاجمت مجموعة من الإرهابيين زوار المعبد بالأسلحة النارية والبيضاء مخلفين وراءهم أكثر من 60 قتيلا أجنبيا بالإضافة إلى أربعة شهداء مصريين في أبشع هجوم إرهابي عرفته صناعة السياحة المصرية منذ أن إحتلت مصر مكانا ظاهرا على الخريطة السياحية العالمية . وتعود خطورة هذا الحادث – حقيقة – إلى ما تركه من تأثير كبير ومباشر ظهر بوضوح على معدل السياحة الوافدة خلال الموسم السياحى الذى أعقب حدوثه، والذى إنعكس بالطبع على الإقتصاد القومى للبلاد محدثا هزة عنيفة فى معدل الإيرادات التى عادة ما يقوم القطاع السياحى بضخها، وبالتالى فإن الخلل العميق الذى ظهر بوضوح أثناء جلسات مناقشة بنود الموازنة العامة لعام 1998 من قبل أعضاء لجنة الموازنة بمجلس الشعب لم يشكل أية مفاجأة . عندما تمر علينا هذه الأيام يجب أن نتذكر أربعة من أبناء مصر الأبطال الذين ضحوا بحياتهم فى سبيل محاولة إنقاذ من أعطينا لهم الأمان، وفى محاولة منهم أيضا للحفاظ على سمعة بلادهم فى عيون العالم أجمع من الإنهيار.. عندما تمر علينا هذه الأيام يجب أن نتذكر من ناحية أخرى الدور المحورى الذى يلعبه المرشد السياحى دائما فى قيادة السفينة السياحية إلى بر الأمان حتى فى أحلك اللحظات، عندما وجد المرشد السياحى عادل حماد نفسه – بصحبة الفوج السياحى الذى يرافقه – فى مواجهة ستة من الإرهابيين المحترفين والمسلحين فقرر – دون تردد، وفى بطولة نادرة مازال أهالى المنطقة يتحاكون بها إلى الأن – أن يتقدم الصفوف للدفاع عن السائحين الذين كانوا برفقته، وأخذ يقاوم إيمانا منه بشرف مهنته ونبل رسالتها، ودفاعا عن إسم بلاده وسمعتها.. إلى أن لاقى ربه شهيدا . وعند النظر إلى الأسباب الحقيقية التى تقف وراء هذا الحادث سوف نكتشف أن الأجهزة الأمنية قد إستحوذت على النصيب الأكبر منها نتيجة لإهمالها فى تأمين المناطق السياحية والأثرية كما ينبغى، وعدم إعطاءها الإهتمام المغلف بالبعد القومى الذى تستحقه، أضف إلى ذلك توفر النية عند جهة ما للإنقضاض على أحد الدعائم الرئيسية للإقتصاد القومى المصرى وتدميره، وللسعى أيضا إلى كسر أسطورة الأمن والأمان التى تقترن بإسم مصر على مر العصور . والحقيقة هى أنه عند مقارنة المشهد وقت وقوع هذا الحاددث المؤلم وما أعقبه مع الأبعاد المختلفة للمرحلة التى نمر بها الأن سوف نلاحظ تطابقا مثيرا للريبة حول الأسباب التى وقع من أجلها هذا الحادث والنتائج المترتبة عليه، كما أنه سوف يترائى لنا أيضا الدور المحورى الذى لعبه الأمن الأن وحينها . ففى كلتا الحالتين سبب التراخى الأمنى تراجع حاد فى معدلات السياحة الوافدة، وهو ما ترتب عليه ظهور حالة من الركود السياحى شبه الكامل وإرتفاع ملحوظ فى معدلات البطالة، إلا أن الفارق فى الظروف والملابسات المحيطة بمذبحة الدير البحرى فى 1997 وما حدث بعد ثورة 25 يناير 2011 يتمحور بالأساس حول نقطتين فى غاية الخطورة وهما : 1-إستمرار عدم إهتمام وزارة الداخلية بالتواجد الأمنى التفاعلى فى المناطق الأثرية بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، وتجاهلهم الواضح لأية محاولات للتعدى على هذه المناطق.. مما أدى إلى تحولها إلى أوكار للباعة الجائلين والبلطجية والمتسولين . أما من ناحية الأمن القومى فمن رحمة الله – عز وجل – بنا أنه ليس هناك من الأفراد أو الجهات – حتى الأن – من يسعى أو يخطط لتنفيذ عمل إجرامى بهذا الحجم من شأنه أن ينهار بما تبقى من أمال للعودة بالإقتصاد القومى للبلاد إلى ما كان عليه – على أقل تقدير – قبل الخامس والعشرين من يناير الماضى، وهو ما نحذر منه طوال الوقت . 2-أن وجود الإرادة السياسية نحو تكثيف التواجد الأمنى داخل هذه المناطق قد ساهم - بالطبع – فى عودة الحركة السياحية إلى معدلاتها الطبيعية مرة أخرى بعد وقوع حادث دموى مروع كهذا، فى حين أن عدم توفر هذه الإرادة كان سببا فى تفاقم الأوضاع الأمنية، ومن ثم تراجع المعدلات السياحية فى أعقاب ثورة سلمية بيضاء كان من المفترض أن يتم إستثمارها فى زيادة هذه المعدلات السياحية بدلا من تدميرها بهذا الشكل . إذن يجب علينا أن ندرك أن إعداد دراسة متكاملة للعودة مرة أخرى إلى إرتفاع ملائم فى المؤشر السياحى لا يجب أن يتم منفردا، وإنما يتعين ربطه بشكل مباشر بدراسة شاملة لإعادة هيكلة جهاز الشرطة التى تنادى بها جميع القوى السياسية والوطنية منذ إندلاع الثورة لما سوف تعود به من تأثير مباشر على كافة قطاعات الدولة ولاسيما القطاع السياحى، هذا بالإضافة إلى عملية الإحلال والتجديد التى ينتظر كل من يتعامل مع القطاع السياحى من الحكومة المقبلة أن تقوم بها داخل الجسم السياحى نفسه، والتى نأمل أن تصل إلى هيئة تنشيط السياحة التى لم تعد متواجدة بشكل فعلى رغم إمتلاكها لشبكة من المكاتب التابعة لها فى جميع السفارات المصرية حول العالم، وهيئة التنمية السياحية التى مازال يسيطر عليها فلول النظام البائد.. أيضا يجب علينا إستغلال مجلس الشعب القادم فى إعادة سن بعض التشريعات والقوانين التى لابد أن تتضمن – فى شكلها الجديد – ضرورة إرسال المتخصصين وأصحاب الخبرات فى المجال السياحى – وخاصة المرشدين السياحيين – على رأس البعثات التنشيطية التى يتم إرسالها خارج البلاد حتى يتمكن هؤلاء من رسم صورة حقيقية ومشرفة لمصر، بدلا من أن تقتصر هذه البعثات على بعض الموظفين النمطيين والعاجزين من أرباب الوساطة والمحسوبية، ومن ذيول النظام السابق.. ولكن قبل هذا وذاك نعود ونؤكد أنه لابد من توافر الإرادة السياسية لتحقيق كل هذه الخطوات أولا حتى نستطيع – على أقل تقدير – أن نصل إلى الركائز الأولية التى سوف تنهض صناعة السياحة معتمدة عليها لتمثل ضمانة تحول دون الخوف من الرجوع إلى إنتكاسة أخرى تكون كفيلة للعودة بنا إلى نقطة الصفر من جديد .